القاهرة تُروج لحضارتها من «متحف التحرير»

من حديقة المتحف المصري بالتحرير، ووسط حضور إعلامي ودبلوماسي لافت، أطلقت القاهرة، مساء الثلاثاء، حملة للترويج للحضارة المصرية القديمة، تحت عنوان «200 عام من العلم المستمر».
وتهدف الحملة، حسب مسؤولي وزارة السياحة والآثار، إلى «تعريف العالم بالسبق الحضاري والعلمي الذي تميزت به الحضارة المصرية القديمة»، من خلال بث فيلم دعائي، على مواقع التواصل الاجتماعي، «يلقي الضوء على نماذج من الابتكارات والاختراعات التي قدمتها الحضارة المصرية القديمة للإنسانية منذ آلاف السنين، مثل الأدوات الجراحية، والأطراف الصناعية، وعلوم الفلك والحساب والهندسة». وتستهدف الحملة الدعائية، التي تستمر لمدة أسبوع، مجموعة من الأسواق السياحية في عدد من دول العالم، بينها الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، والسعودية، وكندا، وإسبانيا، وفرنسا.
جاء إطلاق الحملة الدعائية، في إطار احتفال مصر بيوم السياحة العالمي، والذي يوافق 27 سبتمبر (أيلول) من كل عام، والذي يتزامن مع ذكرى مرور 200 عام على فك رموز الكتابة المصرية، ونشأة علم المصريات عام 1822.
واختارت وزارة السياحة والآثار، المتحف المصري بالتحرير، مكاناً للاحتفاء بحضارتها، بوصفه أعرق وأقدم متاحف الآثار المصرية في العالم، وأيقونة للحضارة المصرية القديمة على مدار 120 عاماً، وقال الدكتور مصطفى وزيري، في كلمته خلال الحفل مساء الثلاثاء، إن «المتحف المصري بالتحرير هو مقر الحضارة المصرية، لذلك كان لا بد أن يكون شاهداً على احتفالنا بمرور 200 عام على نشأة علم المصريات».
وافتُتح المتحف المصري بالتحرير في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1902، ويضم مجموعة متنوعة وفريدة من الآثار المصرية، ويعد «مرجعاً أساسياً لكل دارسي علم المصريات والمهتمين بالحضارة المصرية»، وبسبب تكدس الآثار به بدأت مصر إنشاء متاحف أخرى بينها المتحف المصري الكبير، المقرر افتتاحه قريباً، وهو ما أثار تساؤلات حول مستقبل المتحف المصري بالتحرير، واستغلت وزارة السياحة والآثار الاحتفال بنشأة علم المصريات للرد على هذه التساؤلات، عبر استعراض أعمال التطوير التي يشهدها المتحف بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وتحالف من خمسة متاحف عالمية، مؤكدة أنه «مستمر في أداء دوره ورسالته كصرح ثقافي، تعليمي، وحضاري عريق».
وترتبط نشأة علم المصريات بفك رموز الكتابة المصرية القديمة، عقب اكتشاف حجر رشيد في 15 يوليو (تموز) عام 1799. ويقول وزيري إنه «كانت هناك محاولتان لفك رموز حجر رشيد، قبل أن ينجح عالم الآثار الفرنسي جان فرنسوا شامبليون في ترجمة الرموز الموجودة على الحجر في 14 سبتمبر عام 1822، وإعلان انتهاء الترجمة الكاملة لرموز حجر رشيد يوم 27 من نفس الشهر».
وعُثر على حجر رشيد، مكسوراً وغير مكتمل، على يد الحملة الفرنسية بمدينة رشيد. وكان جزءاً من لوح حجري أكبر حجماً، وبعد خروج الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت من مصر، انتقلت ملكية الحجر، ومجموعة أخرى من الآثار التي عثر عليها الفرنسيون، إلى بريطانيا، بموجب شروط معاهدة الإسكندرية عام 1801 التي تنص في الفقرة 14 منها على «تنازل فرنسا عن الحجر وجميع القطع الأثرية التي اكتشفتها في مصر لصالح بريطانيا»، ليصبح الحجر جزءاً من معروضات المتحف البريطاني بلندن منذ عام 1802.
وعلى مدار الشهر الجاري نظّمت مصر مجموعة من الأنشطة الاحتفالية بمناسبة مرور 200 عام على نشأة علم المصريات، اختُتمت بحفل بحديقة المتحف المصري، استغلته القاهرة للترويج لحضارتها وثقافتها، حيث تم اصطحاب ضيوف الحفل من سفراء وإعلاميين وشخصيات عامة في جولة بالمتحف، كما ألقى وزيري كلمة تضمنت استعراض الاكتشافات الأثرية الأخيرة، أكد خلالها أن «الحضارة المصرية لم تبح بأسرارها بعد».
وتسعى مصر لزيادة العائدات السياحية. وقال أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، في كلمته خلال الحفل، إن «صناعة السياحة من الركائز الأساسية للاقتصاد القومي»، مشيراً إلى أن «الدولة تستهدف زيادة أعداد السياحة الوافدة إلى المقاصد السياحية المصرية بنسبة 25 إلى 30 في المائة سنوياً»، معلناً عزم الوزارة إطلاق «استراتيجية وطنية طويلة المدى للسياحة المصرية خلال الربع الأول من العام المقبل»، لافتاً إلى «اختيار مفهوم (مصر النابضة بالحياة) محوراً للعمل في جميع الخطط والحملات التسويقية والترويجية خلال الفترة المقبلة».
وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، قد صرح مؤخراً بأن «بلاده تستهدف مضاعفة العائدات السياحية لتصل إلى 30 مليار دولار»، وهو رقم يتجاوز 3 أضعاف العائدات الحالية، حيث بلغت عائدات العام الماضي 2021 نحو 8.9 مليار دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي، وكان عائدات السياحة عام 2019 قد وصلت إلى 13 مليار دولار، وفقاً للبيانات الرسمية، قبل أن تتراجع بفعل جائحة «كوفيد - 19» وبعدها الحرب الروسية - الأوكرانية.
الاحتفال بيوم السياحة العالمي ونشأة علم المصريات تضمن افتتاح معرض مؤقت للآثار، بالطابق الأرضي للمتحف المصري بالتحرير، يلقي الضوء على أهمية الكتابة المصرية القديمة، من خلال عرض مجموعة من التماثيل للكاتب المصري، وأدوات الكتابة، والمواد المستخدمة في الكتابة، كما تم افتتاح معرض «الحياة اليومية» بالطابق العلوي للمتحف، بالتعاون مع السفارة الأسترالية، والذي يعرض مجموعة من الأدوات التي استخدمها المصري القديم في حياته اليومية كأدوات الزينة، والصيد، والزراعة، والألعاب، والآلات الموسيقية.
وشهد الاحتفال افتتاح قاعة آثار تانيس (صان الحجر) للجمهور بعد الانتهاء من تطويرها في إطار مشروع تطوير المتحف المصري، والتي تضم 2500 قطعة من آثار ملوك الأسرتين 21 و22، والتي اكتشفها عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه في أثناء الحرب العالمية الثانية، كما تم افتتاح معرض مؤقت للصور الأرشيفية من أرشيف مركز تسجيل الآثار المصرية وأرشيف المتحف المصري، لعدد من المواقع الأثرية على مستوى الجمهورية خلال القرن الـ19، إضافة إلى معرض للكتب المتخصصة في الآثار بأسعار مخفضة للجمهور.