باريس تعمل لتوفير الدعم لأوكرانيا دبلوماسياً وعسكرياً وإنسانياً وقانونياً

وزيرة الخارجية في كييف للمرة الثالثة خلال 4 أشهر

كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف أمس (رويترز)
كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف أمس (رويترز)
TT

باريس تعمل لتوفير الدعم لأوكرانيا دبلوماسياً وعسكرياً وإنسانياً وقانونياً

كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف أمس (رويترز)
كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف أمس (رويترز)

في 22 مايو (أيار) الماضي، عينت السفيرة كاثرين كولونا وزيرة للخارجية خلفاً للسابق جان إيف لودريان، في حكومة إلزابيث بورن. ومنذ ذلك التاريخ، أفردت كولونا حيزاً خاصاً للملف الأوكراني. وتأتي الزيارة الثالثة التي قامت بها أمس إلى كييف، منذ تسلمها مهمة إدارة الدبلوماسية الفرنسية، والاجتماعات الرئيسية التي عقدتها مع المسؤولين وفي مقدمتهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي، دليلاً على الأهمية التي توليها لهذا الملف، علماً بأن باريس تعرضت لإنتقادات كثيرة لما عدّته بعض دول الاتحاد الأوروبي «فتوراً» في الدعم الذي توفره لأوكرانيا مقارنة بالدعم الأميركي أو البريطاني أو حتى البولندي.
وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيرها الأوكراني، ديميترو كوليبا، حرصت كولونا على وضع الأمور في سياقها الصحيح؛ إذ وصفت المساعدة التي تقدمها بلادها لأوكرانيا بأنها «هائلة»، وأن قيمتها الإجمالية تجاوزت ملياري دولار، وأنها تندرج في 4 سياقات: دبلوماسية - سياسية، ودفاعية - عسكرية، واقتصادية - إنسانية، وأخيراً قانونية لمكافحة الإفلات من العقاب. وكان البحث في الجهود الرامية إلى إنشاء «منطقة حماية» حول محطة زابوريجيا النووية أحد الملفات المهمة التي ناقشتها كولونا في كييف استكمالاً للاجتماع الذي رأسته في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي خصص للأمن النووي.
بيد أن الموضوع الذي استحوذ على جانب كبير من محادثات الوزيرة الفرنسية تناول الاستفتاء الذي أجرته روسيا في 4 مناطق أوكرانية، والذي انتهى أمس، وهو يمهد لضمها إلى روسيا الاتحادية بالتوازي مع تهديدات موسكو المتكررة باللجوء إلى السلاح النووي.
وفي هذا السياق، أعادت كولونا التأكيد على موقف باريس (وهو الموقف الغربي بشكل عام) الذي يعدّ الاستفتاء «مهزلة»، واصفة إياه بأنه «غير شرعي»، وأنه لا تبعات قانونية سوف تترتب عليه لجهة الاعتراف بضم المناطق الأوكرانية الأربع إلى روسيا. يضاف إلى ذلك أن باريس تؤيد القرار الأوروبي الداعي إلى فرض عقوبات إضافية على موسكو. وحتى اليوم، لم يفهم ما طبيعة هذه العقوبات التي تريدها كييف «رادعة». وقال وزير الخارجية الأوكراني إن بلاده تعدّ أن «اقتصار العقوبات على إجراءات تجميلية لن يكون كافياً».
واستغلت كولونا المناسبة لمهاجمة سياسة الرئيس بوتين شخصياً، متهمة إياه باتباع «سياسة تصعيدية من خلال إعلانه التعبئة الجزئية؛ التي لا تحظى بدعم الشعب الروسي، أو تنظيمه استفتاءات تهريجية في المناطق المحتلة أو اللجوء إلى خطاب تصعيدي في الملف النووي». وخلاصة كولونا أن روسيا أصبحت «أكثر عزلة؛ إذ لم يدعم أحد عرضها في مجلس الأمن الدولي. سردها غير مترابط... لدرجة يمكن أن تجعلنا نتساءل عما إذا كان زميلنا الروسي (لافروف) يصدق ما يقول. يمكن للجميع أن يروا أن روسيا تغرق أكثر في طريق مسدودة؛ سواء عسكرياً وفي مواجهة شعبها». وخلصت كولونا إلى القول إن التطورات الجارية «لن تحيدنا عن مبادئنا ولا عن هدفنا».
ترافقت زيارة كولونا إلى كييف، مع ما حملته من دعم سياسي - دبلوماسي لأوكرانيا، مع أمرين: الأول: قرار باريس تدريب وحدات من القوات الأوكرانية على الأراضي البولندية، وذلك في إطار السياسة التي أقرها الاتحاد الأوروبي. ورغم أن المشاورات ما زالت جارية بين السلطات الفرنسية المعنية، فإن مصدراً دفاعياً أفاد لصحيفة «لوموند» بأن باريس تريد إطلاق عملية التدريب سريعاً وفي أي حال قبل نهاية هذا العام. وكان وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي خلال اجتماعهم في براغ يوم 30 أغسطس (آب) الماضي قد أقروا مبدأ تدريب القوات الأوكرانية، والهدف تحسين أداء القوات الأوكرانية. وبذلك تكون باريس قد حذت حذو واشنطن ولندن اللتين باشرتا تدريب وحدات أوكرانية إنْ على استخدام الأسلحة الغربية التي أعطيت لكييف، وإنْ على التقنيات الغربية في إدارة المعارك.
واليوم تتوجه كولونا العائدة من كييف إلى مدينة مرسيليا الساحلية حيث من المنتظر أن تنطلق بعد الظهر السفينة «أكنول» محملة بألف طن من المواد الإنسانية التي ستنقل إلى مرفأ كونستونتا الروماني، ومنه بالشاحنات إلى أوكرانيا. وقام «مركز إدارة الأزمات» في وزارة الخارجية بالاتصالات الضرورية لتحضير الرحلة التي هي الثالثة من نوعها، وذلك بالتعاون مع المناطق الفرنسية ومدينة مرسيليا وشركة «سي جي أم» للنقل التي تمتلكها عائلة «سعادة» اللبنانية. وتتضمن المساعدات 25 طناً من الأدوية للحالات الطارئة، وسيارات إطفاء، وزوارق مطاطية، و8 جسور متحركة يمكن تركيبها محلياً، و19 طناً من المعدات الخاصة بالإنقاذ، ومحولات كهربائية، إضافة إلى كميات من المواد الغذائية. وقالت المصادر الفرنسية، في معرض تقديمها المبادرة، إنها «تستجيب للمطالب التي تقدمت بها اوكرانيا مؤخراً في اجتماعات جرت في بروكسل.
منذ إذاعة الأنباء الخاصة بارتكاب القوات الروسية جرائم حرب في منطقة بوتشا وفي ضواحي كييف، كانت فرنسا سباقة في إرسال خبرائها لتوثيق هذه الممارسات. وأفادت مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية، أمس، بأن باريس، ضمن المواد الطبية، ستزود كييف بمختبر لفحص الحمض النووي من أجل التعرف على هويات الضحايا الأوكرانيين، وهو الثاني من نوعه الذي توفره باريس.
وقررت باريس إرسال بعثة من 10 أطباء مختصين في الطب الشرعي إلى مدينة «إيزيوم» الأوكرانية التي خرجت منها القوات الروسية مؤخرا وحيث اكتشفت مقابر جماعية عدة. وتندرج المساعدة الفرنسية، وفق مصادر «الخارجية»، في إطار العمل على جمع وتوثيق الأدلة الجرمية، الذي يستهدف جمع المستندات الكافية لملاحقة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مستقبلاً أمام المحاكم، وذلك دعماً لجهود مكافحة الإفلات من العقاب.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».