أوليفر ستون لـ«الشرق الأوسط»: أرعبني فيلم آل غور... فقررت كشف المزيد

في حوار خاص تم قبل سنة بين المخرجين أوليفر ستون وسبايك لي، كال كل منهما كثيراً من النقد للوضع السياسي العام الذي «يسمح باستمرار مناهج عنصرية» حسبما قال سبايك لي، مخرج «حمى الغابة»؛ وأكثر من ذلك للوضع السينمائي الذي يجعل مخرجين مهمين في هوليوود غير قادرين على مواصلة العمل لأنهم يعزفون عن تحقيق أفلام من النوع السائد. أفلام مثل تلك التي تتناول شخصيات مضخمة وكاريكاتورية وأفلام من تلك المقتبسة من ثقافة الكوميكس وأبطالها الذين لا يقهرون.
في ذلك الحوار بدا ستون الحلقة الأضعف بين الاثنين. كانت شكواه فعلية ونقده حاداً في مقابل سبايك لي، الذي كان يستمتع حينها، وقد انتهى من تحقيق «The 5 Bloods» منجزاً إعجاباً مستحقاً بين النقاد الأميركيين وتمويلاً من «نتفليكس».
في المقابل، كان ستون قد ابتعد عن دائرة الاهتمام منذ بضع سنوات حين لم يستطع تحقيق فيلم جديد. وفي عام 2016 خرج بـ«Snowden» عن إدوارد سنودن، وجد تمويله الأساسي من بريطانيا وفرنسا ولم يحظ عرضه في الولايات المتحدة في مثل هذا الشهر من السنة نفسها بكثير من الاهتمام.

لقطة من «نووي»

عودة إلى العناوين
أوليفر ستون، الذي تمت مقابلته خلال مهرجان «فينيسيا» الأخير قبيل منتصف الشهر الحالي، ناقد منذ البداية. في «سلفادور» (أول أفلامه مخرجاً سنة 1986)، طرح موضوع السياسة الأميركية في السلفادور. نعم اكتسب الفيلم ملامح التشويق، لكنه حمل رطلاً من الخطابات التي وجدها المخرج مناسبة لتغذية حكايته حول أميركيين مختلفين في بلد تمزقه حروب تتغذى من سياسة وكالة المخابرات الأميركية.
نقل اهتمامه في العام التالي إلى فيتنام في «Platoon»، ومن ثَم تعرض للسياسة الاقتصادية في «Wall Street» سنة 1987، وما هي إلا فترة وجيزة قبل أن ينجز «وُلد في الرابع من يوليو (تموز)» (Born on the Fourth of July) (1989) الذي تطرق فيه إلى الحرب الفيتنامية (التي شارك فيها مجنداً في السبعينات) من جديد وعلى نحو لا يخفي تساؤلاته النقدية.
من هنا انطلق لتحقيق فيلمين بيوغرافيين أولهما «جون أف. كندي» (أو JFK) (1991)، ومن ثم «نيكسون» (1995). كان لهذين الفيلمين نجاحات إعلامية ومادية كبيرة، لكن ستون أخذ يجد صعوبة في تحقيق ما يريد في هذا المجال. مال إلى التاريخ في «ألكسندر» (2004)، بيد أن أعماله أخذت تصب في نتائج أقل نجاحاً في الأعوام التالية، حتى عندما حقق فيلمه «W» عن جورج دبليو بوش في سنة 2008 لم يترك الأثر نفسه الذي كان تركه عندما أنجز «JFK».

المخرج أوليفر ستون

لكنه الآن، وعلى نحو مفاجئ، يعود إلى العناوين بتوفير فيلم جديد له بعنوان «Nuclear» دخل به عروض مهرجان «فينيسيا» خارج المسابقة ثم انتقل به إلى مهرجان «تورونتو» (الذي لا يحتوي على مسابقات).
«نووي» رحلة ترتدي الزي التسجيلي تنطلق من تأكيد المخرج (الذي يعلق بصوته طوال الفيلم) على أن «الطاقة النووية» ليست محط اختلاف في حسناتها وأهمياتها بالنسبة للحياة المجتمعية، لكن سوء استغلال اليمين واليسار الأميركيين العمل بها وتسييسها لتصبح مجال أخذ ورد بين مجموعة تريد استغلالها على أعلى نطاق، وأخرى تقود حملة إنقاذ البيئة من ذلك التوسع في استغلالها.
يبدو مؤيداً في فيلمه لحماية البيئة كما حال الحزب الديمقراطي، لكن ذلك لا يمنعه من انتقاد سياسته الحالية التي تبدو كما لو أنها غير مبنية على قواعد ثابتة.
وهو يفسر ذلك منذ بداية اللقاء قائلاً: «أريد لهذا الفيلم أن يوضح حقيقة أن الطاقة النووية تحقق للعالم فوائد عديدة. هي ربما كلمة مخيفة كونها تعتمد على استخدام النووي في توفير مستلزمات الحياة العصرية الحاضرة، لكن يجب التفريق بين النووي والطاقة النووية. الأولى قد تدمر كل شيء. الثانية من ضروريات الحياة إذا ما أُحسن استخدامها».
> في الفيلم دعوة جادة للاعتماد على الطاقة النووية عوضاً عن النفط ومشتقاته.
‪ - ‬ بالتأكيد. الطاقة النووية هي أفضل وسيلة للحفاظ على البيئة من التلوث الحاصل من مصادر شتى تهدد حياتنا على الأرض.
> كيف استمددت كل هذا القدر من المعلومات؟ طبعاً يتطلب الفيلم التسجيلي العديد من المعلومات لكن الحاصل هنا هو أنها ترد كما لو كانت مستقاة من مصدر واحد.
‪ - ‬ هي بالفعل كذلك. لفت اهتمامي كتاب صدر قبل حين بالعنوان نفسه الذي اخترته للفيلم، وضعه جوشوا غولدستين بعنوان «مستقبل لامع» (Bright Future). قرأته لأنني مهتم بمثل هذه القضايا واتصلت بالمؤلف واتفقنا على كتابة الفيلم معاً. لذلك تجد ما تصفه بالمصدر الواحد. هناك مصادر أخرى اعتمدنا عليها لكن الغاية كانت تأليف فيلم ينضح بالمعلومات الأكيدة ويفتح الطريق أمام معاينة مفاهيم وسياسات الدول ومستقبل الحياة نفسها.
> تتطرق إلى حادثتي شرنوبيل وفوكوشيما وكيف تركتا تأثيراً على الدعوة لحماية الأرض من مخاطر البيئة.
‪ - ‬ طبعاً. أعتقد أن الحادثتين فتحتا الأعين على ما نواجهه. لكن الأمور أبعد وأخطر من تسرب إشعاع نووي خطير، تقرير «فريق الحكومة الدولية لتغييرات المناخ» (IPCC) أصدر تحذيراً في العام الماضي يؤكد أنه إذا ما استمر الوضع الحالي على ما هو عليه بالنسبة لارتفاع ثاني أكسيد الكربون والتلوث الكبير الحاصل اليوم، فإننا ننتظر نهاية العالم كما عهدناه في سنة 2050 وسيكون من الصعوبة إن لم يكن من الاستحالة العودة إلى ما كانت الحياة عليه سابقاً.
> الموضوع كان يؤرقك؟
‪ - ‬ بطبيعة الحال. شاهدت أعمال آل غور التي حققها في موضوع البيئة. هو لم يذكر كل شيء لكن ما شاهدته أرعبني. أحببت الفيلم وأحببت رسالته وقلت لنفسي دعني أجرب تحقيق فيلم يكشف المزيد عن هذا الموضوع. أنا لست عالماً، لكننا جميعاً نشترك في حياة واحدة.
> إنه موضوع مخيف بالفعل. أقصد نهاية الأرض بعد نحو 30 سنة. هل هذا أمر محتم في اعتقادك؟
‪ - ‬ أولاً، طبعاً هو مخيف، ليس لنا فقط بل للجيل الناشئ والقادم بلا ريب. وثانياً هو أمر محتم بالتأكيد. وكالة (IPCC) التابعة للأمم المتحدة لا تثير الاحتمالات بل تتوصل إلى النتائج. في الفيلم أقول: «لم يعد لدينا الوقت لنخاف». نحن بالفعل في صميم المشكلة.
> يتألّف الفيلم من مقابلات عديدة وزيارات لمواقع كما من تلك المعلومات المتوفرة بتعليقك الصوتي. هذا ما يجعله مقنعاً، خصوصاً أن تلك المعلومات موثوقة والشخصيات التي تتحدث إليك تعرف تماماً عما تتحدث.
‪ - ‬ هذه ملاحظة مهمة. في نهاية المطاف هو فيلم غير روائي. فيلم يسجل الموضوع الذي يتحدث فيه لأجل إيصال رسالة تدعو إلى أن نساهم جميعاً في إنقاذ الأرض والحياة عليها. نحن مسؤولون، ومن هذه المسؤولية كان علي لا مهمة تقديم فيلم يدور حول هذه الأوضاع فقط، بل أن أقدمه بشكل يثير الجدل ويُقنع المشاهدين والمسؤولين بالحقائق الواردة فيه.

عن الحرب
> ليس خافياً اهتمامك بالأفلام التسجيلية في السنوات الأخيرة. ما هو السبب؟
- السينما التسجيلية بالنسبة لي أمر لا بد منه لأن الفيلم في هذا النطاق لا يتضمن عناصر الدراما. بل يوفر الرسالة التي يريد إيصالها على نحو مباشر وحقيقي. طبعاً هذا بالنسبة للفيلم الجيد لأنه وكما لا بد أنك تعلم، هناك أفلام تسجيلية كثيرة إما تفشل في إيصال رسالتها وإما لا تملك رسالة في الأساس. هذا لا يعني أن الأفلام الدرامية لا يمكن لها أن تكون صادقة. على العكس لكن أيضاً من منظور جدية تعاملها مع الواقع.
> أي من الأفلام الروائية الهادفة لفت انتباهك أخيراً؟
- شاهدت «Don‪'t Look Up» وهو فيلم جيد رغم أنه في النهاية لا يترك التأثير الذي أوعز به. كنت مع (مخرج الفيلم) آدم مكاي، وفاجأني باعتقاده بأن الحياة على الأرض ستنتهي في عام 2026. رمقني بنظرة غاضبة عندما لم أشاركه في هذا الرأي.
> أعود للسؤال عن زيادة توجهك صوب الأفلام التسجيلية. هل هذا عائد لأن هوليوود لديها منهج عمل لا توافق عليه؟
- بالتأكيد هو سبب رئيس في هذا الانقطاع. بعد «Savages» قبل عشر سنوات أمضيت وقتاً عصيباً في محاولة إقناع شركات هوليوود بتبني سيناريوهات أفلام روائية عرضتها. وأمضت هي أوقاتاً عصيبة في محاولة إقناعي بإخراج أفلام لا أرغب بها. لذلك الانقطاع عن الفيلم الروائي أو مرور فترة طويلة بين الفيلم والآخر أتاح لي التركيز أكثر على الأفلام التسجيلية.
> من هذه الأفلام التسجيلية فيلمان يتعلقان بالحرب الروسية - الأوكرانية، قمت بوظيفة منتج منفذ لهما وأحدهما «نار في أوكرانيا» عرض هنا في «فينيسيا». ما رأيك بهذه الحرب؟
- لا أوافق عليها طبعاً. كان يمكن تجنبها، لكن الناتو استفز روسيا طوال سنوات. هذا مؤكد، ككل حرب أخرى تقع المسؤولية على أكثر من طرف واحد. لا أعتقد أن بوتين أراد هذه الحرب لأنه يعادي الغرب. هذه ليست المشكلة، المشكلة هي أن الغرب عاداه فيما أعتقد.
> قابلت الرئيس بوتين عندما أنجزت ذلك الفيلم التلفزيوني عنه سنة 2017. ما رأيك به؟
- وجدته ملماً كثيراً بالسياسة العالمية وبما يقع حولنا من أحداث. تحدثت إليه طويلاً وفي نهاية إحدى المقابلات قال لي شيئاً لم أكن أتوقعه. سألني إذا ما تعرضت للضرب. قلت له نعم. قال: «إذن تعرف أنك ستتعرض للضرب بسبب هذا الفيلم».
> هل تعرضت للضرب بسبب هذا الفيلم؟
- (يضحك) لا، لكني واجهت آراء من نقاد ومشاهدين وأصدقاء يعتقدون أن للحياة جانبا واحدا فقط هو الجانب الذي يؤمنــــون به.