«استدعاء ولي أمر»... التحذير مسرحياً من «التربية الخاطئة»

يعد «التطهير» واحداً من أقدم الوظائف المنوطة بفنون التمثيل، حيث ورد في اثنين من أهم مؤلفات الفيلسوف الإغريقي أرسطو (384 ق.م - 322 ق.م)، وهما «فن الشعر»، و«علم البلاغة». ويعني «التطهير» قدرة العمل المسرحي على تفريغ الطاقة السلبية لدى المتفرجين، وإخراج ما بداخلهم من مشاعر مرفوضة، مثل الاستعداد للعنف، أو ارتكاب الجريمة، من خلال مشاهدتهم لمشاهد تمثيلية تثير مشاعرهم، وربما تدفعهم إلى معاهدة أنفسهم بعدم تكرار هذه السلوكيات.
ويستعيد العرض المسرحي «استدعاء ولي أمر»، الذي يستمر على مسرح «مركز الهناجر للفنون» بالقاهرة حتى السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، هذا المفهوم بشكل حديث من خلال عمل جماعي يدور حول فكرة «أساليب التربية الخاطئة»، وكم الضغوط التي تمارسها الأسرة على أولادها دون قصد، فتنتج جيلاً من الشباب المشوهين نفسياً وعاطفياً. هنا يأتي دور عملية «التطهير»، التي تعني باليونانية «Katharsis»، وتعد بالأساس من مُفردات الطب، وتعني «التنقية» على المُستوى الجَسَدي والعاطفي، فيتشبع المشاهدون بكم الأخطاء المجسدة أمامهم في إطار فني سريع الإيقاع، ويستقر في الوعي، واللاوعي لديهم عدم تكرار تلك الأفعال التي تنطوي على مأساة حقيقية ونتائج كارثية على المدى البعيد.

وتقوم نقطة الانطلاق في الحبكة التي رسمها مؤلف العمل الشاب محمد السوري على عنصر بسيط، وهو وصول خطاب «استدعاء ولي أمر» للطالب يحيى، تتفجر بعده الأحداث محملة بالتشويق والمفاجآت على نحو تمتزج فيه الكوميديا بالمأساة، دون إغراق في المبالغات أو الثرثرة المجانية.
وأشاد الفنان محمد عبد العظيم، الذي عرفه الجمهور على نطاق واسع حين جسد دور الموظف المرتشي في مسلسل «بـ100 وش»، بالعمل، وقال في منشور في صفحته على «فيسبوك»، إنه «لم يشاهد عرضاً مسرحياً منذ سنوات بهذا الجمال والروعة والنضج، رغم أن صناعه مجموعة من الشباب».

واستطاع المخرج زياد هاني كمال، السيطرة على الأداء الحركي للممثلين، وهم مجموعة من طلبة المعهد العالي للفنون المسرحية، ومسرح جامعة عين شمس، يتقدمهم مصطفى رأفت، ومصطفى سعيد، ونانسي نبيل، وبتول عماد، ولمياء الخولي، فجاء أداؤهم «منضبطاً واعياً يكشف عن مواهب واعدة وخامات مبشرة للغاية».
ولجأ صناع العمل إلى طريقة «مبتكرة» في الدعاية، حيث انتشر عدد من الشباب في الشوارع والمناطق الرئيسية ليوزعوا أظرفاً مغلقة على الجمهور، بداخلها خطاب استدعاء ولي أمر «في الفترة المحددة للعرض»، مع تنويه بأنه إذا كان مرتبكاً، ولا يفهم شيئاً، فما عليه سوى مسح الكود المرفق، ومن ثم تظهر له بيانات المسرحية.

ويكشف المؤلف محمد السوري عن أن «فكرة المسرحية تلح عليه منذ فترة طويلة عبر ما يحدث في الواقع، وتشتعل به مواقع التواصل الاجتماعي، ويسمعه من أصدقائه، ومعارفه حتى بات مقتنعاً بوجوب كتابة عمل يستقصي أسباب ونتائج التربية الخاطئة وتأثيرها المدمر على الأبناء»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «ناقش الفكرة مع المخرج زياد كمال، وحين توصلا إلى رؤية مشتركة، من حيث المبدأ، بدأ الكتابة، ثم عملا معاً مرة أخرى على النص المكتوب حتى خرج العمل بهذه الصورة التي تقترب كثيراً مما كان في خياله».
وحول الرسائل التي تحملها المسرحية، يؤكد السوري أنه «أراد أن يدق جرس إنذار ليحذر الآباء والأهل عموماً من إهمال أولادهم أو القسوة عليهم، والأمر نفسه بالنسبة لسلوك المدرسين مع التلاميذ داخل الفصول الدراسية، وكيف أن التوبيخ والتعنيف اللفظي عبر كلمات مثل: أنت فاشل ولا أمل فيك، تحدث تأثيراً مدمراً على نفسية جيل كامل».