(تحليل إخباري): دبلوماسي أفغاني: هل صارت أفغانستان مصدراً لتهديد الأمن العالمي مرة أخرى؟

في الذكرى الحادية والعشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على الولايات المتحدة التي حلت قبل أيام عدة، لا تزال هناك تساؤلات تطرح نفسها في ظل التطورات الأخيرة في أفغانستان.
أبرز تلك التساؤلات هي: هل لا تزال أفغانستان تشكل تهديداً أمنياً للولايات المتحدة ومن ثم العالم؟ وهل استوعبت حركة «طالبان» الدرس لتتخلى عن التشدد والعنف؟ ولماذا عادت أفغانستان تشكل مصدر قلق أمني مجدداً؟ فهل تعود لتصبح مرتعاً للجماعات المتطرفة مرة أخرى؟.
ويقول الدبلوماسي محمد أشرف حيدري، سفير أفغانستان في سريلانكا الذي شغل في الوقت نفسه منصب المدير العام لبرنامج البيئة التعاونية لجنوب آسيا حتى أغسطس (آب) 2021، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، إنه قبل 21 عاماً، وقبل أن يتمكن تنظيم «القاعدة» من شن هجمات 11 سبتمبر المأساوية من الأراضي الأفغانية، كانت أفغانستان أرضاً لا تحكمها قواعد. فقد كانت العشرات من شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة الإقليمية والعابرة للحدود الوطنية تتجول بحرية، وشكلت خطراً أمنياً كبيراً على الولايات المتحدة وجيران أفغانستان والعالم.
ويضيف حيدري، الذي عمل أيضاً نائباً لسفير أفغانستان لدى الولايات المتحدة والهند، وشغل سابقاً منصب نائب مساعد مستشار الأمن القومي للبلاد، أنه في ظل نظام «طالبان» قبل الحادي عشر من سبتمبر، ساد الفصل العنصري بين الجنسين، وانهارت مؤسسات الدولة، وبلغت هجرة العقول ذروتها، واختفت الوظائف تماماً، وأصبح النزوح حدثاً يومياً، حيث حاول المدنيون بدافع اليأس، الفرار من الاضطهاد والقتل خارج نطاق القضاء. وأصبحت المخدرات، التي قادت الجريمة المنظمة، وموّلت الإرهاب وطغيان «طالبان»، مادة التصدير الوحيدة لأفغانستان. وبرر الزعيم الأعلى لـ«طالبان» الملا عمر ذات مرة، أن هذه «هدية من الإمارة لقتل الكفار في كل مكان في العالم». وانتهى هذا الوضع الفوضوي بعد هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ضد الولايات المتحدة. وأيد العالم بأغلبية ساحقة التدخل العسكري الأميركي لمساعدة الشعب الأفغاني على تحرير بلاده من الإرهاب والتطرف والمخدرات، وكلها أمور قوضت السلام الدولي بشكل مباشر.
وبفضل المساعدة الدولية، شهد العقدان التاليان تحول أفغانستان من منطقة فوضى تهدد الأمن الدولي إلى ديمقراطية مزدهرة، حيث عادت ملايين الفتيات إلى المدارس، وانخفضت معدلات الوفيات، وارتفع متوسط العمر المتوقع، وانطلق الاقتصاد، واكتسبت مؤسسات الدولة القدرة على تقديم الخدمات العامة، وتوّلت قوات الأمن الأفغانية المسؤولية عن القوات الدولية للدفاع عن أفغانستان ضد التهديدات الخارجية. بما في ذلك «طالبان» والجماعات الإرهابية التابعة لها.
ويقول حيدري، إنه على الرغم من هذه الإنجازات المتزايدة، أعادت «طالبان» تشكيل نفسها في باكستان ووجدت مأوى لها هناك لزعزعة استقرار أفغانستان والقضاء على مكاسبها. ولإنهاء هذا التدخل، تواصلت حكومة «الجمهورية الإسلامية» مراراً مع «طالبان» والدولة الراعية لها للدخول في مفاوضات سلام لإنهاء الصراع. ولكن مع مراعاة الالتزام المتذبذب للإدارات الأميركية بإضفاء الطابع المؤسسي على الديمقراطية وتحقيق السلام المستدام في أفغانستان، واصلت باكستان دعم حملة الإرهاب المدمرة التي تشنّها «طالبان». كما تمكنت «طالبان» من تجاوز القيادة المنتخبة في أفغانستان من خلال التحدث مباشرة مع إدارتي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس الحالي جو بايدن للتفاوض على اتفاق سحب القوات المعروف باسم اتفاق الدوحة.
وبالكاد كانت هذه الصفقة تهدف إلى تسهيل عملية سلام شاملة من شأنها أن تنتج تسوية سياسية مستدامة لإنهاء الحرب والسماح بالانسحاب المشرف للقوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي. والواقع أن تجاهل أي جهود سلام ملموسة بمشاركة الحكومة الأفغانية المنتخبة شجع «طالبان» على تحقيق نصر كامل. وسرعان ما تحقق ذلك عندما قررت إدارة بايدن فجأة سحب القوات الأميركية من أفغانستان قبل تنفيذ شروط اتفاق الدوحة بالكامل. وقد خان هذا الديمقراطية النامية في أفغانستان وأحبط معنويات قواتها الأمنية التي قاتلت جاهدة للدفاع عن بلدها ضد العدوان الأجنبي الساحق، على الرغم من اعتمادها على العوامل العسكرية الرئيسية لحلف شمال الأطلسي. لكنها سرعان ما تفككت عندما استولت «طالبان»، المدججة بالسلاح، والتي يقودها مستشارون عسكريون واستخباراتيون أجانب، وبدعم من مقاتلي «القاعدة»، على كابل وأطاحت الجمهورية الإسلامية في 15 أغسطس 2021، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت باستمرار المكاسب التي حققها الشعب الأفغاني بشق الأنفس. وغطت وسائل الإعلام الدولية على نطاق واسع الذكرى السنوية الأخيرة لسقوط أفغانستان في أيدي «طالبان» بوصفها حدثاً مأساوياً شهد عودة البلد السريعة إلى وضعه قبل 11- 9 وعانت البلاد من هجرة العقول على نطاق واسع مع فرار الآلاف من الأفغان المتعلمين لمخاوف لها ما يبررها من الاضطهاد في ظل حكم «طالبان» القمعي.
وباعتبارها جماعة متشددة تقع تحت طائلة عقوبات الأمم المتحدة، رفض العالم الاعتراف بحكومة «طالبان» وجمد احتياطيات أفغانستان من النقد الأجنبي. ومن دون موارد بشرية ومالية، انهارت مؤسسات الدولة في أفغانستان وأصبحت غير قادرة على تزويد مواطنيها بالخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمياه النظيفة والصرف الصحي، فضلاً عن الوقاية من الكوارث الطبيعية والتصدي لها.
وقال حيدري، إنه في الوقت نفسه، منعت «طالبان» النساء من العمل والفتيات من تلقي التعليم، مما حرم المجتمع الأفغاني واقتصاده فعلياً من مشاركة الإناث. وكان لذلك أثر سلبي مباشر على التنمية السلمية والمستدامة في أفغانستان. ومن المؤسف، أن عدداً أكبر من الأفغان لقوا حتفهم بسبب أعمال العنف المباشرة وغير المباشرة التي ارتكبتها «طالبان» خلال العام الماضي مقارنة بجميع السنوات السابقة في ظل الجمهورية الإسلامية. وعلى سبيل المثال، ومنذ أغسطس 2021، عادت معدلات وفيات الأمهات والأطفال والرضع في أفغانستان إلى وضعها القاتم قبل عام 2001، وهذا نتيجة مباشرة لتدمير «طالبان» المنهجي ونهبها العديد من مؤسسات تقديم الخدمات العامة على مستوى الولايات والمقاطعات والقرى في الأشهر التي سبقت الاستيلاء على كابول، فضلاً عن تفكيكها هياكل الدولة الرئيسية، مثل وزارة شؤون المرأة واللجنة المستقلة لحقوق الإنسان، بمجرد وصولها إلى السلطة. وعلاوة على ذلك، وفي انتهاك كامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعددة والتزاماتها بموجب اتفاق الدوحة، آوت «طالبان» جماعات إرهابية إقليمية وعالمية كبرى، بما في ذلك تنظيم القاعدة، المرتكب الرئيسي لهجمات 11 سبتمبر. وانتقل زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري إلى كابل بعد فترة وجيزة من استيلاء «طالبان» على السلطة واستضافه سراً وزير داخلية «طالبان» سراج الدين حقاني قبل أن يقتل في غارة أميركية بطائرة من دون طيار. وتنتج أفغانستان تحت حكم «طالبان» الآن أكبر حصة في العالم من المخدرات، بما في ذلك الأفيون والهيروين والميثامفيتامين. وفي حين أن المخدرات تدمر حياة المدمنين الشباب في جميع أنحاء العالم، فإن عائدات المخدرات تستخدم لتمويل نظام «طالبان» القمعي الذي يضطهد ويخفي ويقتل المواطنين الأفغان خارج نطاق القضاء كل يوم. وغالباً ما تكون أهدافهم هي أعضاء سابقون في قوات الأمن الوطنية الأفغانية، فضلاً عن الهزارة والطاجيك والأوزبك والتركمان والبشتون القوميين والمؤيدين للديمقراطية. وتشكل هذه التحديات المتزايدة والمتشابكة للإرهاب والمخدرات والانهيار الاقتصادي والأزمة الإنسانية تهديدات كبيرة لأمن الولايات المتحدة والاستقرار الإقليمي والسلام الدولي.