اشتداد قمع الاحتجاجات الإيرانية... والنظام يواصل المظاهرات المضادة

استمرت مسيرات مناهضة للنظام في أنحاء إيران أمس، لليوم التاسع، رغم الأجواء الأمنية المشددة، في أحدث موجة للاحتجاجات العامة التي تجتاح البلاد، إثر موت الشابة مهسا أميني (22 عاماً) أثناء احتجازها لدى شرطة «الأخلاق».
وجدّدت السلطات الدعوات لتنظيم مسيرات مضادة للاحتجاجات، وذلك للمرة الثانية بعدما خرجت مسيرات برعاية مؤسسات الدولة بعد صلاة الجمعة. وبثت وكالات رسمية إيرانية مقاطع فيديو، بينما تقترب عدساتها من المشاركين لإظهار الكثافة الكبيرة، فيما استمر قطع الإنترنت في غالبية المدن الإيرانية، ما منع تدفق الأخبار. ويقول نشطاء إن القيود على خدمات الإنترنت والهاتف المحمول تهدف لمنع تداول لقطات تصور الاحتجاجات وتعامل قوات الأمن معها، وكذلك التنسيق بينهم.
وبقي المحتجون حتى وقت متأخر ليلة أمس في العاصمة طهران، والمدن القريبة منها مثل كرج وشهريار وفي عدة شمالية بمحافظتي جيلان ومازندران، بالإضافة إلى مدينة تبريز (شمال غرب) وشيراز جنوب البلاد.
وزادت شدة الاحتجاجات في الأحياء من العاصمة طهران مثل نارمك، وبونك وشريعتي وتجريش ووليعصر ليلة أمس الأحد، رغم انتشار واسع لقوات مكافحة الشغب وعناصر الباسيج والقوات البرية في الجيش الإيراني. وانتشرت صور تظهر وقفة احتجاجية حاشدة في جامعة شريف الصناعية، القريبة من ميدان آزادي. وردد مئات في حي آرياشهر (صادقيه) هتافات تطالب برحيل رجال الحكم.
ونشر حساب على «تويتر» تابع لنشطاء في وقت متأخر من مساء أمس (السبت) تسجيلات فيديو لاحتجاجات في حي ستارخان، غرب طهران، تظهر محتجين محتشدين في ميدان، ويهتفون: «لا تخافوا كلنا في ذلك معاً»، وظهرت في الخلفية دراجة نارية محترقة، بدت أنها تابعة لشرطة مكافحة الشغب.
أما في ميدان وليعصر وسط طهران، فأظهر مقطع فيديو عدداً كبيراً من النساء يرددن شعار «المرأة، الحياة، الحرية». وأحرق المحتجون النيران في الطرقات وتصاعدت أعمدة الدخان، التي يقول المحتجون إنها تساعدهم في تخفيف آثار الغاز المسيل للدموع. وأظهر مقطع فيديو امرأة تمشي ورأسها مكشوف، وتلوّح بحجابها في وسط الشارع، منتهكة بذلك قواعد اللباس الصارمة.
وقالت وكالة رويترز إن التلفزيون الحكومي عرض لقطات قيل إنها تظهر عودة الهدوء إلى أنحاء كثيرة من العاصمة طهران في ساعة متأخرة من مساء الجمعة. وقال: «لكن في بعض المناطق الغربية والشمالية من طهران وبعض الأقاليم، دمر مثيرو الشغب ممتلكات عامة»، وعرض لقطات لمحتجين يضرمون النار في صناديق قمامة وسيارة وينظمون مسيرة ويلقون الحجارة.
وعلى غرار الأيام الماضية، أظهرت تسجيلات فيديو استخدام قوات الأمن الإيرانية للذخائر الحية. وأظهر تسجيل فيديو من مدينة آمُل بمحافظة مازندران حشوداً من المحتجين يدفعون سرباً من قوات مكافحة الشغب للتراجع.
وبقي شعار «الموت للديكتاتور» و«الموت لخامنئي» على قائمة الهتافات التي رددها المحتجون. كما تعالى صدى الشعارات المطالبة بإسقاط حكم «ولي الفقيه». وعاد شعار «رضا شاه» الذي تردد في الاحتجاجات السابقة إلى بعض المناطق، وهو يشير إلى أبو الشاه الذي حكم إيران لنحو 3 عقود القرن الماضي.
في الأثناء، دعت اللجنة التنسيقية للمعلمين إلى إضراب اليوم (الاثنين)، وبعد غد (الأربعاء). ودعت المعلمين والطلاب إلى مقاطعة صفوف المدارس، تضامناً مع الاحتجاجات التي تجتاح معظم المحافظات الإيرانية البالغ عددها 31.
تزايد القتلى والاعتقالات
قال التلفزيون الرسمي إن 41 شخصاً على الأقل قتلوا. ولم تعلن الوزارة الداخلية الإيرانية أي حصيلة عن القتلى والاحتجاجات. لكن الحصيلة قد تكون أكبر بحسب ما تُظهر تسجيلات الفيديو وبيانات منظمات حقوقية. وأعلنت منظمة «حقوق الإنسان في إيران» غير الحكومية، ومقرها أوسلو، عن مقتل 54 متظاهراً على الأقل في الحملة القمعية.
وأثار مقتل الشابة حديث نجفي (20 عاماً) في أهل كرج صدمة كبيرة في تاسع أيام الاحتجاجات. وأفادت تقارير أن قوات الأمن أصابتها بـ10 رصاصات. ونشرت شقيقتها مقطع فيديو على «إنستغرام» بينما تعانق صورة حديثة لها وهي تبكي.
وشاركت حشود من أهالي مدينة إسلام غرب في جنازة إيمان محمد (22 عاماً) الذي قتل برصاص قوات الأمن.
وأوردت «رويترز» نقلاً عن وكالة «إرنا» الرسمية، الأحد، أن عضواً في قوة الباسيج، التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، توفي متأثراً بإصابات لحقت به خلال اشتباك مع من وصفتهم بـ«مثيري الشغب» في أرومية، شمال غربي إيران، حيث يعيش أغلب الأكراد البالغ عددهم 10 ملايين نسمة.
وأضافت الوكالة أن مقتله وقع في «مرحلة حرجة في تاريخ الثورة الإسلامية البالغ 43 عاماً» في إشارة للعقود الأربعة التي مرت منذ الإطاحة بالشاه.
وقال الادعاء العام في محافظة مازندران إن قوات الأمن أوقفت 450 شخصاً في الاحتجاجات، مشيراً إلى توجيه تهم ضد الموقوفين. وذكرت وكالات أنباء إيرانية، أول من أمس (السبت)، أنه تم اعتقال 739 متظاهراً في إقليم جيلان المطل على بحر قزوين، ومن بين المعتقلين 60 امرأة.
وقال اتحاد الطلاب في جامعات طهران إن الاعتقالات استهدفت 60 طالباً في جامعة طهران.
وقالت شبكة حقوق الإنسان في كردستان إن ما لا يقل عن 16 شخصاً قتلوا وأصيب 435 آخرون في المدن الكردية، فيما اعتقلت السلطات 570 شخصاً في المنطقة المضطربة. وبدورها، ذكرت منظمة «هه نغاو» أن عدد القتلى في المناطق الكردية الواقعة غرب إيران بلغ 17 شخصاً. وأكدت المنظمتان مقتل 4 قُصر بين القتلى.
وأظهر تسجيل فيديو من أعالي مبنى سكني، اللحظات الأولى من وصول مركبة محملة بالسجناء إلى مقر حكومي في مدينة كرج. ويقتاد عناصر الأمن سجناء معصوبي الأعين إلى داخل المقر الحكومي تحت الضرب المبرح. واتهم ناشطون قوات الأمن باستخدام سيارات الإسعاف لنقل السجناء.
وكانت تقارير قد أشارت إلى اعتقال 100 شخص بمدينة سقز، التي تنحدر منها الشابة مهسا أميني في ثاني أيام الاحتجاجات.
ووفق لجنة حماية الصحافيين، ومقرها الولايات المتحدة، اعتُقل 17 صحافياً في إيران منذ 19 سبتمبر (أيلول). وبدورها، قالت نقابة الصحافيين في محافظة طهران إن الاعتقالات طالت ما لا يقل عن 10 صحافيين.
الحكومة تتوعد
وجّه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في وقت سابق، الأحد، الوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية بـ«التعامل بحزم مع المخلين بالأمن العام واستقرار البلاد»، وبدوره، تعهد رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي بـ«التعامل من دون أي تساهل» مع المحرضين على «أعمال الشغب»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الإعلام الحكومي الإيراني.
وقال رئيسي، السبت، إن على إيران «التعامل بحزم مع أولئك الذين يعتدون على الأمن والسكينة في البلاد». أما وزير الداخلية أحمد وحيدي فقال وفق نفس المصدر إنه يتوقع «من السلطة القضائية أن تلاحق بسرعة المدبرين والمنفذين الرئيسيين لأعمال الشغب». وقال إن «الأعداء يعتقدون أنه يمكنهم الإطاحة بالنظام عبر هذه الاحتجاجات». مشدداً على أن القيود على الإنترنت ستبقى ما دامت الاحتجاجات مستمرة.
ومن جانبه، دعا رئيس اللجنة القانونية في البرلمان، موسى غصنفر آبادي، إلى استخدام كاميرات التعرف على الوجه عوضاً عن شرطة الأخلاق للتعرف على هوية الفتيات اللواتي يرفضن الامتثال لقوانين الحجاب الصارم.
وقالت وسائل إعلام رسمية إن أضراراً لحقت بمقرات 12 فرعاً لبنوك خلال الاضطرابات في الأيام القليلة الماضية، وكذلك تحطمت 219 ماكينة للصراف الآلي.
استدعاء السفراء
نُظمت مظاهرات دعماً للاحتجاجات في إيران، السبت، في دول عدة، من بينها كندا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والسويد وأستراليا واليونان وتشيلي وفرنسا وبلجيكا وهولندا والعراق.
وفي تصريح باسم الاتحاد الأوروبي، ندد مسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل بالاستخدام «غير المتكافئ والمعمم» للقوة في حق المتظاهرين، وقال إنه «مرفوض وغير مبرر». كما ندد كذلك «بقرار السلطات الإيرانية تقييد الوصول إلى الإنترنت بشكل صارم وتعطيل منصات الرسائل السريعة» ما يشكل «انتهاكاً فاضحاً لحرية التعبير».
واستدعت الخارجية الإيرانية سفير بريطانيا سايمون شيركليف للاحتجاج على ما وصفته بأنه «تحريض على أعمال شغب» تنتهجه شبكات تلفزة «معارضة» للنظام الإيراني تبث من لندن باللغة الفارسية، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وبعد ساعات، اشتبك عدد من المتظاهرين، الأحد، مع الشرطة البريطانية أمام مقر السفارة الإيرانية.
كذلك استدعت طهران سفير النرويج لسؤاله بشأن «تصريحات غير بناءة شكّلت تدخلاً في شؤون إيران الداخلية» أدلى بها رئيس البرلمان النرويجي، على خلفية الاحتجاجات.
وفي وقت متأخر، السبت، انتقدت إيران تحرك الولايات المتحدة الذي يهدف للمساعدة في توفير الإنترنت للإيرانيين خلال الاحتجاجات التي خرجت في أرجاء البلاد، وذلك من خلال استثناءات من العقوبات.
وذكرت وسائل إعلام رسمية أن إيران اعتبرت أن ذلك يتماشى مع موقف واشنطن العدائي نحوها. ونقلت وسائل الإعلام عن المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني قوله: «من خلال تخفيف حدة عدد من العقوبات على الاتصالات، مع الحفاظ على أقصى قدر من الضغوط، تسعى الولايات المتحدة إلى المضي قدماً في أهدافها ضد إيران».
وحذرت من أن «المحاولات الرامية إلى المساس بالسيادة الإيرانية لن تمر من دون رد»، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ولا تزال اتصالات الإنترنت معطلة السبت، مع توقف تطبيقي «واتساب» و«إنستغرام» خصوصاً. كما أكد موقع «نتبلوكس» الذي يراقب حجب الإنترنت في أنحاء العالم، تعطل تطبيق «سكايب».
في غضون ذلك، واصلت مجموعة «أنونيموس» التي تشن هجمات إلكترونية على مستوى عالمي، استهداف المواقع الحكومية الإيرانية. ما تسببت أمس في تعطل موقع وزارة الشؤون الاقتصادية والمالية، كما اخترقت المجموعة موقع البرلمان الإيراني، ونشرت أرقام الهاتف المحمول لجميع نواب البرلمان.