بحث: الفيروسات قد تكون لها آذان وعيون علينا

بحث: الفيروسات قد تكون لها آذان وعيون علينا
TT
20

بحث: الفيروسات قد تكون لها آذان وعيون علينا

بحث: الفيروسات قد تكون لها آذان وعيون علينا

وجد بحث جديد أن الفيروسات قد تكون لها «عيون وآذان» علينا؛ كما يمكن ان تكون لقدرة بعض الفيروسات المكتشفة حديثًا على مراقبة بيئتها آثار على تطوير الأدوية المضادة للفيروسات.
حيث يقترح بحث جديد بقيادة «UMBC» (جامعة ماريلاند بمقاطعة بالتيمور) نشر بمجلة «Frontiers in Microbiology» أن الفيروسات تستخدم المعلومات من بيئتها «لتقرر» متى تجلس بإحكام داخل مضيفها ومتى تتكاثر وتنفجر، ما يؤدي إلى قتل الخلية المضيفة. وان العمل على هذا الاقتراح له آثار في تطوير الأدوية المضادة للفيروسات.
وتضيف قدرة الفيروس على الإحساس ببيئته، بما في ذلك العناصر التي ينتجها مضيفه «طبقة أخرى من التعقيد للتفاعل الفيروسي مع المضيف»، حسب ما يقول الدكتور إيفان إيريل أستاذ العلوم البيولوجية كبير المؤلفين في الورقة البحثية الجديدة «في الوقت الحالي تستغل الفيروسات هذه القدرة لمصلحتها. لكن في المستقبل يمكننا استغلال ذلك لإلحاق الضرر بها».

ليس من قبيل الصدفة

وركز البحث الجديد على العاثيات (الفيروسات التي تصيب البكتيريا وغالبًا ما يشار إليها ببساطة باسم العاثيات). إذ لا يمكن أن تصيب العاثيات في الدراسة مضيفيها إلا عندما تكون للخلايا البكتيرية زوائد خاصة تسمى «الشعيرة والسوط»، والتي تساعد البكتيريا على الحركة والتزاوج. إذ تنتج البكتيريا بروتينًا يسمى CtrA يتحكم في وقت تكوين هذه الزوائد.
وتُظهر الورقة الجديدة أن العديد من العاثيات التي تعتمد على الملاحق لها أنماط في حمضها النووي حيث يمكن لبروتين CtrA أن يلتصق بها تسمى «مواقع الربط». وفق إيريل؛ الذي يؤكد «أن العاثية التي لها موقع ربط لبروتين ينتجه مضيفها أمر غير معتاد».
الأكثر إثارة للدهشة أن إيريل والمؤلف الأول للبحث الدكتور إيليا ماسكولو الطالب بمختبر إيريل، وجدا من خلال التحليل الجينومي المفصل أن مواقع الربط هذه لم تكن فريدة من نوعها لعاثة واحدة، أو حتى مجموعة واحدة من العاثيات. وأن العديد من الأنواع المختلفة من العاثيات تحتوي على مواقع ربط CtrA؛ لكنها طلبت جميعًا من مضيفيها أن يكون لديهم شعيرة أو سوط لإصابتها. مؤكدين «أن الأمر لا يمكن أن يكون مصادفة»، وذلك وفق ما نشر موقع «EurekAlert» العلمي المتخصص.
ويضيف إيريل «أن القدرة على مراقبة مستويات CtrA تم اختراعها عدة مرات خلال التطور بواسطة عاثيات مختلفة تصيب بكتيريا مختلفة». وتابع «عندما تُظهر الأنواع ذات الصلة البعيدة سمة مماثلة يُطلق عليها (التطور المتقارب)؛ وهي تشير إلى أن السمة مفيدة بالتأكيد».

التوقيت هو كل شيء

أول فجوة حدد فيها فريق البحث مواقع ارتباط CtrA تصيب مجموعة معينة من البكتيريا تسمى «Caulobacterales»؛ وهي مجموعة من البكتيريا تمت دراستها جيدًا، لأنها توجد في شكلين: شكل «سرب» يسبح بحرية، وشكل «مطارد» يلتصق بالسطح. وان الأسراب لها شعيرة أو سوط، وأن السيقان ليست كذلك. ففي هذه البكتيريا، ينظم CtrA أيضًا دورة الخلية ويحدد ما إذا كانت الخلية ستقسم بالتساوي إلى خليتين أخريين من نفس نوع الخلية أو تنقسم بشكل غير متماثل لإنتاج سرب واحد وخلية ساق واحدة.
ونظرًا لأن العاثيات يمكنها إصابة الخلايا الحربية فقط، فمن مصلحتها فقط أن تنفجر خارج مضيفها عندما يكون هناك العديد من الخلايا السربية المتاحة للإصابة. وبشكل عام، تعيش «Caulobacterales» في بيئات فقيرة بالمغذيات، وهي منتشرة بشكل كبير، وفق إيريل، الذي يوضح «لكن عندما تجد جيبًا جيدًا من الموائل الدقيقة فإنها تتحول إلى خلايا مطاردة وتتكاثر مما ينتج عنه في النهاية كميات كبيرة من الخلايا الحاشدة. لذلك نفترض أن العاثيات تراقب مستويات CtrA، التي ترتفع وتنخفض خلال دورة حياة الخلايا لمعرفة متى تصبح خلية السرب خلية ساق وتصبح مصنعًا للأسراب». مبينا «وفي تلك المرحلة تقوم بتفجير الخلية، لأنه سيكون هناك العديد من الأسراب القريبة للإصابة».
ولسوء الحظ، إن طريقة إثبات هذه الفرضية تتطلب عمالة مكثفة وصعبة للغاية، لذا لم يكن ذلك جزءًا من هذه الورقة البحثية الأخيرة (على الرغم من أن إيريل وزملاءه يأملون في معالجة هذا السؤال في المستقبل). ومع ذلك، لا يرى فريق البحث أي تفسير آخر معقول لتكاثر مواقع ربط CtrA على العديد من العاثيات المختلفة، وكلها تتطلب الشعيرة أو السوط لإصابة مضيفيها. وأشاروا إلى أن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو الآثار المترتبة على الفيروسات التي تصيب الكائنات الحية الأخرى حتى البشر.

كل ما نعرفه عن العاثيات «استراتيجية تطورية»

هناك عدد قليل من الأمثلة الموثقة الأخرى على العاثيات التي تراقب بيئتها بطرق مثيرة للاهتمام. لكن لا يوجد منها العديد من العاثيات المختلفة التي تستخدم نفس الاستراتيجية ضد العديد من العوائل البكتيرية.
ويشرح إيريل «أن هذا البحث الجديد هو أول عرض واسع النطاق على أن العاثيات تستمع إلى ما يحدث في الخلية (من حيث تطور الخلية)». لكنه يتوقع المزيد من الأمثلة في الطريق. وبالفعل، بدأ أعضاء معمله في البحث عن مستقبلات لجزيئات تنظيمية بكتيرية أخرى في العاثيات، كما يقول «وقد عثروا عليها».

طرق علاجية جديدة

يقول إيريل إن النتيجة الرئيسية من هذا البحث هي أن «الفيروس يستخدم الذكاء الخلوي لاتخاذ القرارات، وإذا كان يحدث في البكتيريا، فمن شبه المؤكد أنه يحدث في النباتات والحيوانات، لأنه إذا كانت استراتيجية تطورية منطقية، فالتطور سوف يكتشفها ويستغلها».
فعلى سبيل المثال، لتحسين استراتيجيته للبقاء والتكاثر، قد يرغب فيروس حيواني في معرفة نوع النسيج الموجود فيه أو مدى قوة الاستجابة المناعية للمضيف للعدوى.
وفي حين أنه قد يكون من المقلق التفكير في جميع فيروسات المعلومات التي يمكن أن تجمعها وربما تستخدمها لجعلنا أكثر مرضًا، فإن هذه الاكتشافات تفتح أيضًا طرقًا لعلاجات جديدة.
ويبين إيريل «إذا كنت تطور دواءً مضادًا للفيروسات وكنت تعلم أن الفيروس يستمع إلى إشارة معينة، فربما يمكنك خداع الفيروس». مع ذلك، في الوقت الحالي «بدأنا للتو في إدراك مدى فعالية تركيز الفيروسات علينا؛ كيف تراقب ما يجري من حولها وتتخذ قرارات بناءً على ذلك... انها مخلوقات مذهلة».


مقالات ذات صلة

وزير الصحة الأميركي: سيكون من الأفضل لو أُصيب الجميع بالحصبة

صحتك وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي روبرت إف. كينيدي جونيور (رويترز)

وزير الصحة الأميركي: سيكون من الأفضل لو أُصيب الجميع بالحصبة

يبدو أن وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي، روبرت إف. كينيدي جونيور، قد أشار إلى أن الإصابة بالحصبة هي أفضل وسيلة للوقاية من المرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الاكتئاب ينتج في كثير من الأحيان عن العزلة والانغلاق (رويترز)

كيف تقلل خطر الإصابة بالاكتئاب إلى النصف؟

كشفت دراسة جديدة عن أن الخروج للتنزه، أو للاستمتاع بمشاهدة فيلم أو عرض مسرحي، أو لزيارة متحف بانتظام، قد يقلل إلى النصف من خطر الإصابة بالاكتئاب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك التصوير المقطعي المحوسب يعد الوسيلة المفضلة للأطباء لتشخيص مختلف المشكلات الصحية (أ.ف.ب)

فحص طبي شهير قد يتسبب في إصابتك بالسرطان

حذر عدد من الخبراء من إمكانية تسبُّب فحص طبي شائع في إصابة الأشخاص بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
صحتك جسيمات بلاستيكية دقيقة (رويترز)

الجسيمات البلاستيكية الدقيقة قد تزيد من مقاومة المضادات الحيوية

وجدت دراسة جديدة أن الجسيمات البلاستيكية الدقيقة قد تُسهم في انتشار بكتيريا خارقة خطيرة مقاومة للمضادات الحيوية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق حذف التطبيق الذي تستخدمه بكثرة سيجعلك أكثر إنتاجية وفقاً لمؤلفة كتاب «أمة الدوبامين» (أرشيفية- رويترز)

5 أفعال صغيرة لزيادة إنتاجيتك وتحسين مزاجك

إليك 5 مهام صغيرة ينصح بها الخبراء إذا كنت تسعى لتعزيز سعادتك اليوم.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بينالي الفنون الإسلامية يستعرض مبادئ الاستدامة وأفكاراً عملية لتقليل هدر الطعام

الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
TT
20

بينالي الفنون الإسلامية يستعرض مبادئ الاستدامة وأفكاراً عملية لتقليل هدر الطعام

الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)

يأتي شهر رمضان كل عام ليجدد في نفوس المسلمين معاني العطاء، والامتنان، والتقدير للنعم. غير أن مظاهر الإسراف والهدر الغذائي، التي تتفاقم في هذا الشهر الفضيل، تطرح تساؤلات جدية حول كيفية تحقيق توازن بين الوفرة والاعتدال. وفي محاولة لمعالجة هذه القضية، يقيم بينالي الفنون الإسلامية ورشة عمل بعنوان «رمضان بلا إسراف: تقدير النعم والحد من الهدر»، تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية تقليل هدر الطعام من منظور ديني وثقافي، وتقديم حلول عملية لمواجهة هذه الظاهرة.

سبعة مبادئ لتحقيق الوفرة

الورشة التي تستند إلى نهج الشيف النباتية والناشطة في الاستدامة عُلا كيال، تستعرض المبادئ السبعة للاستدامة المستوحاة من تعاليم الإسلام، والتي تشدد على تقدير النعم وعدم الإسراف. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان قدوة في الاعتدال والاقتصاد، يدلل على ذلك قوله: «كلوا واشربوا ولا تسرفوا». هذه المبادئ تؤكد أن الاستدامة ليست مجرد مفهوم حديث، بل هي جزء من الموروث الإسلامي، الذي يحث على الحفاظ على الموارد والاعتدال في الاستهلاك.

من هذا المنطلق ترى كيال أن كل شخص لديه القدرة على إحداث تأثير إيجابي، وأن كل لقمة طعام تمثل نعمة تستحق التقدير. مضيفةً: «تقدير النعم يبدأ من وعينا بكيفية استخدام الطعام والاستفادة من كل جزء منه، حتى لا نهدر مواردنا ونكون ممن يسرفون في النعمة».

من الوفرة إلى الإسراف

تشير الإحصائيات المحلية إلى أن نسبة كبيرة من الأطعمة تُهدر خلال شهر رمضان، إذ تزداد المناسبات والتجمعات الاجتماعية. ومن بين ذلك الخبز، والأرز، والفواكه، والحلويات. وتكشف الأرقام عن تحولات ملحوظة في أنماط الاستهلاك، إذ أصبح الإسراف عادةً مألوفة، على الرغم من الدعوات المتكررة للترشيد. وألقت كيال الضوء على هذا التغير بالقول: «للأسف، اعتدنا ثقافة الأكل السريع وغير الصحي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة. فالاستدامة تبدأ من المطبخ، من خلال تقليل الكميات وتقدير كل عنصر غذائي نستهلكه».

وخلال الورشة، تم تقديم عرض عملي حول كيفية إعادة استخدام أكثر الأطعمة المهدرة شيوعاً بطرق مبتكرة، مثل الخبز الجاف وتحويله إلى فتوش وبودينغ خبز، كذلك الأرز المتبقي الذي تم إعداد كرات الأرز المقلية منه وإضافته إلى الحساء، وأيضاً الفواكه الناضجة التي تم تحويلها إلى عصائر طبيعية ومربى، وأخيراً الاستفادة مما تبقى من الخضراوات لتحضير الشوربات والسلطات.

الشيف علا كيال تشرح للحاضرين أهمية تقليل هدر الطعام من منظور ديني وثقافي (بينالي الفنون الإسلامية)
الشيف علا كيال تشرح للحاضرين أهمية تقليل هدر الطعام من منظور ديني وثقافي (بينالي الفنون الإسلامية)

كما تضمنت الورشة نصائح عملية حول كيفية تبريد الطعام بسرعة وتخزينه بشكل آمن لتجنب الأمراض المنقولة بالغذاء. حيث تؤكد الناشطة أهمية التعامل مع بقايا الطعام بوعي ومسؤولية، بالقول: «النقطة الأساسية هي تقليل الكميات من البداية، وإذا تبقى طعام، فيجب تبريده وتخزينه فوراً وإعادة تسخينه جيداً عند استخدامه لاحقاً».

وتم التأكيد خلال الورشة أن الحد من هدر الطعام ليس فقط مسؤولية فردية بل مجتمعية أيضاً. فبالإضافة إلى الاستخدام الشخصي للطعام المتبقي، يمكن التواصل مع شركات حفظ النعمة، التي تقوم بجمع بقايا الطعام بعد المناسبات وإعادة توزيعها على المحتاجين. كما يمكن تقديم بقايا الطعام في المطاعم لعمال النظافة، بوصفها خطوة عملية لتقليل الهدر.

الصحة تبدأ من المطبخ

وتشدد علا كيال على أن الصحة النفسية والجسدية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة الطعام الذي نتناوله. فالأطعمة المكررة مثل السكر الأبيض، والدقيق الأبيض، إضافةً إلى الأطعمة المصنعة، تعد من الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض المزمنة مثل السكري، والضغط، والكوليسترول. كما أن نقص بعض العناصر المعدنية مثل المغنيسيوم، الناجم عن الزراعة غير المستدامة، يؤثر سلباً على الصحة النفسية ويسبب الشعور بالتعب والاكتئاب.

مضيفةً أن «الصحة تأتي من الطعام المتكامل غير المكرر وغير المهدرج، ونحن في (نباتي) نحرص على إعداد كل شيء من الصفر، من دون أي مواد حافظة أو مكونات صناعية، لضمان تقديم طعام صحي 100 في المائة».

«نباتي» لتحقيق الاستدامة والوعي الغذائي

شغف علا كيال بالطهي بدأ منذ الطفولة، حيث كانت تُعِد الحلويات لعائلتها وتبيعها لصديقاتها وهي لا تزال مراهقة. رغم حبها المبكر للطهي، درست إدارة الأعمال في سويسرا قبل أن تحقق حلمها بالانضمام إلى أكاديمية فنون الطهي في سويسرا. وهناك، تلقَّت تدريباً مكثفاً في مطاعم عالمية حاصلة على نجوم ميشلان.

خلال دراستها، أطلقت فكرة مشروع «نباتي»، حيث ابتكرت وصفة آيس كريم نباتي خالٍ من السكر المكرر والمكونات الحيوانية. وفي عام 2019، أسست مشروعها في ميامي، قبل أن تعود إلى السعودية بعد 15 عاماً لتسهم في تعزيز ثقافة الطعام الصحي والمستدام.

يشار إلى أن ورشة رمضان بلا إسراف أكثر من مجرد ورشة عمل، بل هي رسالة ودعوة لإعادة التفكير في عاداتنا الاستهلاكية، وتقدير النعم، والعمل على تحقيق استدامة حقيقية تبدأ من المطبخ وتمتد لتشمل المجتمع بأسره.