شاشات: الحارة على نار

شاشات: الحارة على نار
TT

شاشات: الحارة على نار

شاشات: الحارة على نار

بينما يراوح كل من «العراب» و«العراب - نادي الشرق» مكانهما منذ أربعة أيام وأربع حلقات، هناك خطى أكثر وثوقًا في «بنت الشهبندر» (وهو إنتاج سوري ثالث) مع ممثلين من الصف الكلاسيكي بينهم رفيق سبيعي، ومنى واصف وأحمد زين بالإضافة إلى سلافة معمار وقصي خولي.
يعد بأنه سيكون دراما عاطفية ترضي القطاع الواسع من المشاهدين، وسأعود إليه بعد حلقته الخامسة على الأرجح. في حين يبدو أن المرء يستطيع أن يترك المسلسلين المذكورين أعلاه، والمقتبسين من رواية ماريو بوزو وفيلم فرنسيس فورد كوبولا لكي ينضجا على نارهما الهادئة قبل أن يفحصهما المرء ليرى إذا ما انتهيا من التمهيدات.
صعوبة كتابة المسلسلات التلفزيونية هي أنها عليها أن تمط أحداثها لكي تشمل 30 حلقة كل واحدة عليها أن تنتهي - إذا أمكن - بموقف يستدعي من المشاهد العودة في اليوم التالي ليعرف «شو صار؟» أو «إيه اللي جرا؟». المشكلة هي أنه في كثير من الأحيان وفي كثير من المسلسلات لا تأتي الحلقة اللاحقة بجواب. بل باستطراد. وعلى سبيل المثال فإن «العراب - نادي الشرق» (المصاب بهذا العنوان المزدوج للأسف) أمضى معظم حلقاته الثلاث الأول والموقع الأساسي ما زال هو قصر الزعيم الذي يشهد حفل زواج ابنته. في الفيلم يمتد فصل العرس لنحو 20 دقيقة. كل دقيقة ثرية بالشخصيات التي تقول شيئًا بمجرد ظهورها حتى وإن بقيت صامتة بلا حوار. كل دقيقة موزعة على جزء من الحدث. قطعة من الموزاييك ونقطة من ذلك النهر الجمالي المنساب بهدوء وتوتر معًا والمدعم بآداءات لا يمكن تفويت لحظة من لحظاتها. المدّة الزمنية للعرس في الفيلم مستغلة لإتمام حالة كاملة وليس فقط للتمهيد لما سيقع لاحقًا. في في أي مسلسل تلفزيوني (وليس «العراب - نادي الشرق» وحده) فإن الجهد لملء الفراغات الناتجة عن ثلاث ساعات إلا قليلاً من حدث المكان الواحد عليه أن يُحسب جيّدًا. المسلسل كان بحاجة إلى هذا النوع من المعالجة الشمولية، لكن إذ أقول ذلك، فإن علي أيضا أن أشير إلى أن الجهد الفني الواقف وراء ما شاهدناه حتى الآن هو الذي يحمي نصّه من التهاوي أو الانحدار.
إلى حين العودة إلى هذه الأعمال الثلاثة المذكورة لالتقاط ما استطاعت (أو لم تستطع) إنجازه، لدينا الحلقات الأولى من مسلسل «حارة اليهود» وهو من إنتاج «العدل غروب» المؤلّفة من المخرج محمد جمال العدل والكاتب مدحت العدل والمنتج جمال العدل والممثل سامي العدل. وهو من بطولة منة شلبي وإياد نصار وريهام عبد الغفور وهالة صدقي وسلوى محمد علي وشويكار و(لاحقًا) جميل راتب و(منذ البداية) سيد رجب.
إنتاجات الشركة من ناحية، وكتابات أفرادها (خصوصًا مدحت العدل) عادة ما تثير الاهتمام لأنها تطرح ما هو جاد ولو أنها تطرحه بإمساكه من المنتصف. «حارة اليهود» ينتمي إلى هذه المعالجة: دراما اجتماعية - تاريخية شاسعة المحيط تطرح مواضيع شتّى في أجواء لاصقة بالزمان والمكان المناسبين لكل اتجاه ممكن.
إنه عن حي في القاهرة خلال 1948 (وما بعد لاحقًا). أبناء الحي هم من المسلمين والمسيحيين واليهود وليس بعيدًا عن مصر ذاتها، هناك حرب دائرة في فلسطين حيث - وعلى حسب قول المخرج الفرنسي جان - لوك غودار - «شعب يصل وشعب يرحل».
لكننا لن نشاهد قتالاً فعليًا. الحلقتان الأولى والثانية تبقيان ضمن القاهرة وبعض الجوار. في البداية هناك صفارات إنذار لغارة. الناس تركض في كل اتجاه. والشخصيات التي سنطالعها بعد قليل وحتى النهاية، تركض جميعًا للاحتماء في معبد يهودي. علي أن أجد الوقت لأبحث في التاريخ لمعرفة ما إذا كانت غارات إسرائيلية قد تمّت على القاهرة في ذلك الحين أم لا. الماثل هو أن هناك حرب على الأرض أيضًا، ليس لأسباب طائفية - سياسية، بل لأسباب عاطفية. الفتاة المسلمة إبتهال (ريهام عبد الغفور) تحب الشاب المسلم علي (إياد نصار) الذي هو ضابط في المعسكر في الصحراء يدرس وضع السلاح الفاسد الذي يطلق النار على مستخدمه. هو لا يحبها بل يحب ليلى وليلى يهودية.
والد ابتهال هو «الفتوّة» الذي من المفترض أن يخيف كل الحارة (سيد رجب) وهو يفعل ذلك باستخدام الأوتار الخشنة من صوته والنظرات الحادة تبعًا لما وصل بالوراثة من الأفلام والمسلسلات القديمة.
لا دخول في السياسة إلا من باب الجرعات المخففة حتى لا يبقى شيء خارج العمل. مثلاً هناك الشاب اليهودي (شقيق ليلى) الذي يؤمن بإسرائيل وحقها في الوجود. وهناك «الإخوان» (لا يذكر المسلسل - حتى الآن - باقي الكنية) الذين يراقبون الأوضاع ويعبرون عنها بأقل الكلمات. لكن الجيد، والذي نأمل أن يعرضه المسلسل بنجاح وعمق، هو الناتج المحتمل من شرخ بين أفراد العائلة اليهودية التي تحب القاهرة وناسها وتعيش بينهم في وئام وبين ابنها الذي يتهم والديه بأنهما «لا يعرفان شيئًا» وما قد يؤدي إليه ذلك من تطوّرات. خلال ذلك، يصل الضابط علي إلى القاهرة في زيارة لغرضين: لقاء حبيبته ليلى ومنع الحلقة الثانية من السير قُدمًا. وبعد مشاهد مكررة للفتوة المخيف ورجاله المنتفخين ولخطط ابتهال ضد ليلى وواحد باسم «نطاط» ضد رئيسه، وتنتهي الحلقة وأنظار الحب بين علي وليلى ما زالت متبادلة والأرجح أنها ستبقى إلى حين.



المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
TT

المدن والقرى السعودية ترسم «فرائحية العيد»... بالحديث والقديم

من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)
من مظاهر الفرح في العيد (أرشيفية - واس)

حافظ السعوديون على مظاهر عيد الفطر السعيد التي كانت سائدة في الماضي، كما حرص المقيمون في البلاد من المسلمين على الاحتفال بهذه المناسبة السنوية وفق عاداتهم وتقاليدهم في بلدانهم، أو مشاركة السكان في احتفالاتهم بهذه المناسبة السنوية، علماً بأن السعودية تحتضن مقيمين من نحو 100 جنسية مختلفة.
ويستعد السكان لهذه المناسبة قبل أيام من حلول عيد الفطر، من خلال تجهيز «زكاة الفطر»، وهي شعيرة يستحب استخراجها قبل حلول العيد بيوم أو يومين، ويتم ذلك بشرائها مباشرة من محال بيع المواد الغذائية أو الباعة الجائلين، الذين ينتشرون في الأسواق أو على الطرقات ويفترشون الأرض أمام أكياس معبئة من الحبوب من قوت البلد بمقياس الصاع النبوي، والذي كان لا يتعدى القمح والزبيب، ولكن في العصر الحالي دخل الأرز كقوت وحيد لاستخراج الزكاة.
وفي كل عام يتكرر المشهد السائد ذاته منذ عقود في الاحتفال بعيد الفطر السعيد ومع حلوله اليوم في السعودية تستعيد ذاكرة السكان، وخصوصاً من كبار السن ذكريات عن هذه الفرائحية السنوية أيام زمان، وفق استعدادات ومتطلبات خاصة وبعض المظاهر الاحتفالية التي تسبق المناسبة.

السعوديون يحرصون على الإفطار الجماعي يوم العيد (أرشيفية - واس)

وحافظت بعض المدن والمحافظات والقرى والهجر في السعودية على مظاهر العيد التي كانت سائدة في الماضي؛ إذ حرص السكان على إبقاء هذه المظاهر ومحاولة توريثها للأبناء. ولوحظ خلال الأعوام الماضية حرص السكان على إحياء المظاهر الاحتفالية بعيد الفطر من خلال موائد العيد بمشاركة جميع سكان الحي، وتمثلت هذه المظاهر في تخصيص أماكن بالقرب من المساجد أو الأراضي الفضاء ونصب الخيام داخلها وفرشها بالسجاد ليبدأ سكان الأحياء بُعيد الصلاة بالتجمع في هذه الأماكن وتبادل التهنئة بالعيد، ثم تناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، بعدها يتم إحضار موائد العيد من المنازل أو المطابخ، التي لا تتعدى الكبسة السعودية والأكلات الشعبية الأخرى المصنوعة من القمح المحلي، وأبرزها الجريش والمرقوق والمطازيز، علماً بأن ربات البيوت يحرصن على التنسيق فيما يتعلق بهذه الأطباق لتحقيق التنوع في مائدة العيد وعدم طغيان طبق على آخر.
ويحرص السكان على المشاركة في احتفالية العيد التي تبدأ بتناول إفطار العيد في ساعة مبكرة بعد أن يؤدي سكان الحي صلاة العيد في المسجد يتوجه السكان إلى المكان المخصص للإفطار، الذي يفرش عادة بالسجاد (الزوالي) مع وضع بعض المقاعد لكبار السن ليتسنى لهم المشاركة في هذه الاحتفالات وفي المكان يتم تبادل التهاني بالعيد وتناول القهوة والتمر وحلاوة العيد، وبعدها يبدأ إخراج موائد العيد من المنازل وتوزيعها على السفرة التي تفرش عادة في الساحات القريبة من المسجد أو في الأراضي الفضاء داخل الحي أو حتى في الشوارع الفرعية، كما تقيم إمارات المناطق والمحافظات إفطاراً في مقراتها في ساعة مبكرة من الصباح يشارك بها السكان من مواطنين ومقيمين.

الأطفال أكثر فرحاً بحلول العيد (أرشيفية - واس)

وبعد انتهاء إفطار العيد يتوجه أرباب الأسر مع عائلاتهم إلى الأقارب للتهنئة بالعيد ضمن اعتبارات تتعلق بأعمار المزارين ودرجة القرابة، حيث الأولوية لعمداء الأسر وكبار السن منهم، ولأن الساعة البيولوجية للسكان يصيبها الخلل خلال شهر الصوم، فإن البعض يحرص على أخذ قسط من الراحة قبيل صلاة الظهر أو بعدها، ثم يبدأ بعد العصر بزيارة الأقارب والأصدقاء حتى المساء، حيث يخيّم الهدوء على المنازل، ويحرص المشاركون في الإفطار على تذوق جميع الأطباق التي غالباً ما يتم إعدادها داخل المنازل، التي لا تتعدى أطباق الكبسة والجريش وأحياناً القرصان أو المرقوق أو المطازيز، خصوصاً في أيام الصيف، حيث كانت موائد العيد خلال الشتاء تزين بالأكلات الشعبية مثل الحنيني والفريك.
وفي الوقت الذي اختفت فيه بعض مظاهر العيد القديمة عادت هذه الأجواء التي تسبق يوم عيد الفطر المبارك بيوم أو يومين للظهور مجدداً في بعض المدن والقرى بعد أن اختفت منذ خمسة عقود والمتمثلة في المناسبة الفرحية المعروفة باسم العيدية، التي تحمل مسميات مختلفة في مناطق السعودية، منها «الحوامة» أو «الخبازة» أو «الحقاقة» أو «القرقيعان» في المنطقة الشرقية ودول الخليج، كما تم إحياء هذا التراث الذي اندثر منذ سنوات الطفرة وانتقال السكان من منازلهم الطينية إلى منازل حديثة، وقد ساهمت الحضارة الحديثة وانتقال السكان من الأحياء والأزقة الطينية في القرى والمدن في اختفاء هذا المظهر الفرحي للصغار في شهر رمضان ومع حلول العيد. يشار إلى أن المظاهر الاحتفالية لعيدية رمضان قبل عقود عدة تتمثل في قيام الأطفال بطرق الأبواب صباح آخر يوم من أيام رمضان وطلب العيدية التي كانت لا تتعدى البيض المسلوق أو القمح المشوي مع سنابله والمعروف باسم «السهو»، ثم تطور الأمر إلى تقديم المكسرات والحلوى، خصوصاً القريض والفصفص وحب القرع وحب الشمام والحبحب، وحلّت محلها هدايا كألعاب الأطفال أو أجهزة الهاتف المحمول أو النقود.