يُعد تاريخ النقود بمنزلة تسجيل تطور الحياة الاقتصادية لكل دولة، وفي السعودية مرّ النظام النقدي بمراحل تاريخية وتطورات هامة في عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، منذ إعلان توحيد المملكة حتى تأسيسها.
قبل توحيد المملكة العربية السعودية كان النظام النقدي يعاني تدهوراً وفوضى لم يشهدهما من قبل، فمعظم النقود الأجنبية جرى التعامل بها، بغض النظر عما إذا كانت تلك النقود تنتمي إلى دولة قائمة آنذاك، أو إلى دولة زال حكمها منذ زمن، وكانت منطقة الحجاز عامة تستخدم عدة عملات، منها العملة العثمانية (المجيدي) والريال الفرنسي (التالر النمساوي) أو ما يعرف بـ«دولار ماريا تريزا».
يقول الباحث والخبير والمؤرخ في النقود والمسكوكات الإسلامية وعلم النميات، رئيس الجمعية السعودية لهواة العملات، مؤلف «موسوعة النقود في المملكة العربية السعودية»، محمد نتو لـ«الشرق الأوسط»: «بعد دخول الملك عبد العزيز مدينة الرياض، بداية القرن العشرين، وانطلاقه منها لتوحيد أجزاء البلاد المتناثرة تحت راية التوحيد، سعى الملك عبد العزيز جاهداً لإيجاد الحلول التي تساعد على ضبط الأوضاع النقدية تلك، وتحد من تنوع تلك النقود. وكانت أول خطوة عملية قام بها الملك عبد العزيز تمثلت في دمغ بعض النقود الشائعة والرائجة في التداول بكلمة (نجد)، وكان ذلك قبل سنة 1340هـ (1922م)».
وبيّن نتو أنه بعد أن تمكن الملك عبد العزيز من توحيد الحجاز مع نجد سنة 1343هـ (1925م)، أشار عليه المسؤولون في بلدية مكة بإصدار عملة خاصة به، وذلك لتسيير أمور الناس، فضرب عملات من النحاس كتب عليها (ضرب في أم القرى) ربع قرش ونص قرش، وتعتبر هذه هي أول عملة أصدرها المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله على المستوى المحلي.
نص قرش ضرب في أم القرى 1344 أول عملة أصدرها المؤسس محلياً
قرش واحد 1356
أول عملة سعودية معدنية
في عام 1344هـ (1926م) أصدر الملك عبد العزيز أمره بسكّ نقود جديدة من فئة القرش الواحد، وفئة نصف القرش، وفئة ربع القرش، التي جرى سكّها من معدن الكوبر نيكل، بكميات كبيرة وتغطية البلاد بها، وحملت هذه النقود الجديدة اسم ولقب الملك عبد العزيز آنذاك (عبد العزيز السعود - ملك الحجاز وسلطان نجد)، وتعتبر أول عملة سعودية معدنية صدرت بموجب مرسوم من الملك عبد العزيز ذات طابع سياسي معترف به من جميع دول العالم في ذلك الوقت، وقد ضربت خارج البلاد.وبحسب نتو، الذي يمتلك متحف الدينار الإسلامي بمكة المكرمة، فإن سنة 1346هـ شهدت كثيراً من التطورات النقدية؛ حيث تواصلت الإصدارات بمسمى ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، عبد العزيز آل سعود، ثم صدرت عام 1348 بنفس المسمى ملك الحجاز ونجد وملحقاتها. ولتحقيق الانتشار لهذا النقد، أصدر الملك عبد العزيز أمره السامي المتضمن أول تنظيم للوضع النقدي في البلاد، الذي جرى نشره في الجريدة الرسمية «أم القرى» في عددها رقم «160» وتاريخ 1346-7-13هـ (1928-1-9م)؛ حيث تضمن كثيراً من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة آنذاك، وبصدور هذا النظام النقدي الجديد أصبح لزاماً على الجميع التعامل بالريال السعودي، ونبذ ما سواه من النقود الأخرى.
الجنيه السعودي
وبعد تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، بعدما وحّد أجزاء الجزيرة العربية بأكملها من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب واتخذ من مدينة الرياض - وكانت تسمى ذلك الوقت بالعارض - عاصمة لدولته، صدر المرسوم الملكي بتاريخ 1351-5-7هـ (1932-9-22م) بتحويل البلاد من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وتقرر استخدام لقب «ملك المملكة العربية السعودية» بدلاً من لقب «ملك الحجاز ونجد وملحقاتها»، إلا أن هذا اللقب لم يظهر على النقود إلا في سنة 1354هـ (1935م) عندما جرى طرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للدولة بعد توحيدها، وكان ذلك على الريال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريال، وفئة ربع الريال.
أما النقود المعدنية المصنوعة من الكوبر نيكل من فئة القرش وأجزائه من فئة نصف القرش، وفئة ربع القرش، فإنه لم يجر سكّها بالاسم الجديد للدولة إلا في سنة 1356هـ (1937م)، وفي سنة 1367هـ (1948م) جرى سك الريال الفضي الواحد دون أجزائه، وطرح في الأسواق بتصميمه السابق عدا سنة سكّه (1367هـ) المنقوشة في آخر سطر من كتابات مركز الظهر. ثم أعيد سكّه مرة أخرى سنة 1370هـ (1951م) دون أجزائه أيضاً، وخلال السنة نفسها (1370هـ) جرى لأول مرة في العهد السعودي سكّ الجنيه الذهبي الذي كان في تصميمه مشابهاً للريال الفضي (جنيه عربي سعودي واحد)، وقد بلغ وزن هذا الجنيه «8 غرامات».
قرش سنة 1356... المملكة العربية السعودية
نموذج آخر من (نص قرش ضرب في أم القرى 1344)
قرش واحد 1346
إنشاء مؤسسة النقد
وللمحافظة على قيمة الريال السعودي الفضي مقابل الجنيه الإنجليزي، العملة الذهبية الرئيسة إبان تلك الفترة، حرص الملك عبد العزيز على إنشاء مصرف وطني يتولى إصدار النقود السعودية وينظم عملية طرحها في الأسواق ويحافظ على قيمتها، وفي تاريخ 1371-7-25هـ (1952-4-20م)، صدر مرسومان ملكيان بإنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي، واعتماد نظامها الأساسي.
وكان من المهام الأولى التي ألقيت على عاتق مؤسسة النقد (تعد ثاني أقدم بنك مركزي في العالم العربي) استكمال نظام النقد السعودي؛ حيث طرحت في بداية شهر صفر من عام 1372هـ الجنيه الذهبي السعودي، الذي حدد سعر صرفه بمبلغ «40» ريالاً فضياً سعودياً، أي ما يعادل «10.90» دولار، وهو سعر متوافق مع السعر المستهدف للريال مقابل الدولار (3.70 ريال للدولار الواحد).
قرش واحد 1344
إصدار عملة ورقية
وفي ظل التطورات الاقتصادية المتلاحقة، وتنامي واردات الدولة بشكل كبير، وأيضاً لتسهيل أمور حجاج بيت الله الذين يلاقون مشقة من حملهم للريالات الفضية الثقيلة، اتخذ الملك عبد العزيز الخطوة الأكثر جراءة في نظام النقد السعودي، التي تمثلت بقيام مؤسسة النقد بإصدار ما عرف آنذاك بإيصالات الحجاج التي طرحت للتداول اعتباراً من 1372-11-14هـ (1953-7-25م) من فئة 10 ريالات، والتي طبع منها 5 ملايين إيصال، كطبعة أولى، ما يحفظ لحاملها قيمة هذا الإيصال من الريالات الفضية السعودية.
ولاقت هذه التجربة الاستحسان والقبول من حجاج بيت الله الحرام، ونالت ثقة الناس في السوق المحلية من تجار ومواطنين، الأمر الذي دفع بالمؤسسة إلى إعادة إصدار تلك الفئة وفئتين جديدتين أخريين من فئة 5 ريالات سنة 1373هـ (1954م)، وفئة الريال الواحد سنة 1375هـ (1956م) وكان لنجاح هذه التجربة أن المواطنين والحجاج لم يستبدلوا تلك الإيصالات بالعملة المعدنية، بل استمروا في تداولها واستنتجت الدولة ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي أن المواطنين والحجاج راغبون في استبدال العملات المعدنية بعملة ورقية.