«رمضان» يطارد ما تبقى من السياسة في اهتمامات المصريين

ملوا ألاعيبها ولم تعد تصلح لتسلية الصائمين

«رمضان» يطارد ما تبقى من السياسة في اهتمامات المصريين
TT

«رمضان» يطارد ما تبقى من السياسة في اهتمامات المصريين

«رمضان» يطارد ما تبقى من السياسة في اهتمامات المصريين

«لا صوت يعلو فوق صوت الصيام».. يبدو أن هذا الشعار توافق عليه المصريون بشكل تلقائي، حتى يضمنوا لصيامهم هذا العام الوصول إلى بر الأمان، عامرا بالتقوى والإيمان، بعيدا عن منغصات السياسة التي جرحت صيامهم وأفسدت الكثير من شعائره وطقوسه على مدار أربع سنوات مضت، بعد أن صارت مشاهدها ووقائعها متكررة ومملة ولا تصلح حتى لتسلية الصائمين.
وشهدت البلاد خلال السنوات الماضية موجات حادة من العنف والاضطراب السياسي والأمني، خاصة بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وفض اعتصاميها الشهيرين في ميداني رابعة العدوية والنهضة بمحافظتي القاهرة والجيزة صيف العام قبل الماضي.
لكن وسط هذه المعمعة سيبقى محفورا في ذاكرة المصريين مشهد الإفطار الجماعي في ميدان التحرير، «أيقونة الثورة» المصرية، وهو المشهد الذي تحول إلى شكل من أشكال المقاومة، لكل أشكال العسف والاختطاف لثورة 25 يناير 2015 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم استمر هذه المشهد بقوة إبان حكم الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي.
هذا العام وفي ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي المنتخب بإجماع شعبي، تبادل المصريون التهاني برمضان على عجل، ودون ضجيج، بل أحيانا انزلقت من فوق شفاههم الكلمة المعتادة «رمضان كريم» صامتة، بلا صدى أو صوت، وإن رافقتها ابتسامة فاترة، تبحث عن بهجة مفتقدة، سواء في الأحياء الشعبية أو الراقية في العاصمة القاهرة والأقاليم.
روح هذا المشهد تنعكس على مصطفى عابدين، الموظف على المعاش وأنا أساله: عن حالة الهدوء التي يبدو أنها ستكون سمة رمضان هذا العام، فيقول بابتسامة خجول: «الناس تعبت من السياسة، وأصبحت تقبل بأي شيء من أجل الهدوء واستقرار الحال، وأتصور أن المصريين ولسنوات قادمة سيعودون لسياسة المشي جنب الحيط من جديد، خاصة بعد أن أصبحت المعيشة صعبة جدا، وفي ظل ارتفاع فاحش للأسعار يوميا بلا ضابط أو رقيب، حتى إن سعر كيلو الليمون وصل إلى 22 جنيها، بعدما كان يضرب به المثل على الكسل والوفرة، فيقولون العدد في الليمون».
يضيف عابدين: «أنا راجل مثقف بتابع الأحداث، وأفهم في السياسة، شاركت في المظاهرات ضد مبارك والمجلس العسكري والإخوان، وفطرت في رمضان أكثر من مرة أنا وأصحابي بميدان التحرير أيام الثورة ضد الإخوان.. كان فيه زخم وحراك شعبي وأمل وإرادة قوية على تصحيح مسار الثورة.. أما الآن، الناس مزنوقة ما بين مطرقة الإرهاب وسندان الأمن، ونفسها اتكسرت من السياسة وألاعيبها، خاصة بعد أن عادت فلول نظام مبارك وغيرهم من الرجعيين لصدارة الساحة وركوب الموجة».
وكما يرى الكثير من المراقبين للأوضاع في البلاد، فإن المصريين رغم قيامهم بثورتين خلال ثلاث سنوات، والزج برئيسين في السجن ومحاكمتهما، إلا أنهم مع ذلك، لا يزالون يعيشون حاضرهم، بل مستقبلهم بروح الماضي الذي ثاروا عليه. وفي ظل نزعة أحادية، تبدو لافتة، في توجه النظام الحاكم، وتنعكس بقوة على مؤسسات الحكم، وهو ما يجعل صوت المعارضة غير مرحب به، بل في أحسن الأحوال إطارا شكليا، يخدم فكرة استمرار النظام في المقام الأول.
لكن «زينات إبراهيم» وهي ربة بيت خمسينية، ترى الأمر من زاوية شديدة العفوية والبساطة قائلة: «أخدنا إيه من السياسة غير العنف والإرهاب وعدم الراحة والمشكلات.. أنا رأيي، إن السياسة لها رجالها، ومش لازم كل واحد يدس أنفه فيها.. صحيح المعيشة غالية والأسعار نار، لكن الحياة ماشية، وطول ما الناس في حب وتخاف على بعضها، الخير هيزيد والحمد الله رئيسنا السيسي راجل وطني وشريف وبيعمل على حل مشكلات البلد بأسرع وقت».
أما طارق بائع العرقسوس والعصائر، وهو شاب في الثلاثين، فيبدو وجهه مرحا وبشوشا وهو يرتب عربته الجوالة ويزينها، على ناصية ميدان الحجاز بحي المهندسين بالجيزة، في انتظار الزبائن قبل نحو ساعتين من الإفطار، يصف طارق انطباعه برمضان هذا العام، بأنه هادئ، والناس في حالها.. ويقول إنه لم يرفع الأسعار، رغم ارتفاع المواد الخام للعصائر.. وحين أساله عن سبب ذلك يقول: «الحمد الله في كل الأحوال عندي هامش ربح معقول، الرضا والقناعة كنز، بس الناس تفهم وتقتنع، وتعرف إن الجشع مش هيطول من عمرها لحظة».
وحين أسأله عن اختفاء السياسة من كلام الناس، يقول: «البلد تعبت من السياسة، ولو كل واحد أدى عمله بذمة وضمير، هذا هو معنى السياسة الحقيقي برأيي».
ويفاقم ارتفاع حرارة الجو من هذا المشهد، حيث يضطر الكثير من المواطنين، إلى المكوث في البيت، أمام أجهزة المكيفات والمراوح، الأمر الذي يقلص من فرص الاحتكاك في الشارع، ونبش الكلام في السياسة، ولو على سبيل إزجاء الوقت والتسلية الرمضانية.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.