شركات النفط الصخري في أميركا تواجه أزمة ديون بربع تريليون دولار

«أوبك» تدافع عن حصتها السوقية بدلاً من الدفاع عن أسعار النفط

جانب من محطة لمعالجة الصخر الزيتي والطاقة في إستونيا.. وهي واحدة من كبرى المحطات في العالم (غيتي)
جانب من محطة لمعالجة الصخر الزيتي والطاقة في إستونيا.. وهي واحدة من كبرى المحطات في العالم (غيتي)
TT

شركات النفط الصخري في أميركا تواجه أزمة ديون بربع تريليون دولار

جانب من محطة لمعالجة الصخر الزيتي والطاقة في إستونيا.. وهي واحدة من كبرى المحطات في العالم (غيتي)
جانب من محطة لمعالجة الصخر الزيتي والطاقة في إستونيا.. وهي واحدة من كبرى المحطات في العالم (غيتي)

فوق السطح كل شيء يبدو هادئًا بالنسبة لشركات النفط الصخري في الولايات المتحدة؛ حيث إن الإنتاج لم يتأثر كثيرًا منذ أن بدأت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تطبيق سياستها الجديدة بالدفاع عن حصتها السوقية بدلاً من الدفاع عن أسعار النفط التي تركتها تهبط إلى نصف مستواها تقريبًا عن منتصف العام الماضي.
ولكن تحت السطح هناك أزمة من نوع آخر كشفت عنها وكالة «بلومبيرغ» الخميس الماضي، وهي أزمة الديون التي تواجهها هذه الشركات والتي على أثرها بدأ بعضها في إعلان إفلاسه. فبحسب ما ذكرته «بلومبيرغ»، فإن الاقتراض وإصدار السندات، وهما الأداتان الماليتان اللتان استخدمتهما شركات النفط الصخري في التوسع وزيادة إنتاجها في السنوات الثلاث الماضية، هما نفساها الأداتان اللتان باتتا اليوم تهددان استقرارها ووجودها.
وقدرت «بلومبيرغ» حجم الديون على شركات النفط الصخري بنحو 235 مليار دولار أي أقل قليلاً من ربع تريليون دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، وهو ما يشكل زيادة قدرها 16 في المائة عن ديونها في العام الماضي. والسبب في تراكم الديون بهذا الشكل الكبير على شركات النفط الصخري هو أن هذه الشركات تحتاج لحفر كميات هائلة جدًا من الآبار، وللاستمرار في الحفر، فإنها تحتاج للنقد، وهذا ما جعلها تقترض بهذا الشكل المهول.
وكشف تقرير «بلومبيرغ» أمرا مهما جدًا؛ وهو أن الشركات حاليًا قامت باستقطاع جزء كبير من أرباحها لسداد الفوائد على هذه الديون؛ حيث إن هبوط أسعار النفط أثر على الموقف النقدي للشركات. وذهب فوق 10 في المائة من أرباح 27 شركة من بين 62 شركة على مؤشر «بلومبيرغ» لشركات النفط المستقلة في أميركا الشمالية، لسداد الفوائد على ديونها.
وبدأت الديون في الضغوط على التصنيف الائتماني لشركات النفط الصخري المستقلة، التي في الغالب ما تكون صغيرة إلى متوسطة الحجم. وأعطت وكالة التصنيف الائتماني «ستاندارد آند بورز» تصنيف «خردة» أو «مضاربة» لائتمان 45 شركة من بين 62 شركة على مؤشر «بلومبيرغ».
ونقلت «بلومبيرغ» عن توماس واترز، أحد محللي الائتمان في «ستاندارد آند بورز» قوله: «إلى متى سيستمر هؤلاء في فعل ما يفعلونه والفرار بفعلتهم؟»، في إشارة منه إلى استخدام شركات النفط الصخري أرباحها لسداد ديونها وتغطية مشكلاتها المالية. «أغلب هذه الشركات يبحث عن النجاة، وهناك مشكلة سيولة كبيرة».
ويبدو الوضع معقدًا جدًا بالنسبة للمراقبين من الخارج؛ إذ إنه على الرغم من كل هذه المشكلات المالية التي تواجهها شركات النفط الصخري، فإن إنتاجها لم يتأثر كثيرًا خلال النصف الأول من العام الماضي حتى مع هبوط أعداد الحفارات في الولايات المتحدة إلى نصف ما كانت عليه في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يقول المحلل الكويتي المستقل كامل الحرمي الذي التقى بعض منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة قبل شهرين، إن الشركات هناك تقوم بإجراءات شديدة لتخفيض نفقاتها حتى تستمر في الإنتاج ولا تخرج من السوق. وأضاف أن كثيرا من هذه الشركات طور أساليب الحفر لتخفيض النفقات؛ حيث بدأ بعضها في استخدام كميات أقل من المياه لتكسير الصخور تحت الأرض لإنتاج النفط الصخري.
ويقول الحرمي إن البنوك ما زالت تقرض شركات النفط الصخري نظرًا لأن هناك تفاؤلا حيال مستقبل أسعار النفط، ويضيف: «أنا شخصيًا ما زالت متفائلاً حيال أسعار النفط في العام المقبل، ويبدو أن المستثمرين متفائلون بأن تقوم (أوبك) بتغيير رأيها والدفاع عن الأسعار في الفترة المقبلة؛ إذ إن (أوبك) معروفة بتغيير رأيها المفاجئ وعدم الثبات على سياسة واحدة».
والحرمي من الأشخاص الذين يطالبون بأن تستفيد دول الخليج من انخفاض أسهم شركات النفط الصخري وإعلان بعضها الإفلاس بسبب تراكم ديونها؛ إذ إن هذه الظروف هي المناسبة لدخول دول الخليج لشراء حصص هناك. واستشهد الحرمي بالكويت؛ حيث تفكر شركة الاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبيك) التابعة للدولة في الاستثمار بمشروع للنفط الصخري في كندا.
وأعلنت «كوفبيك»، إحدى الشركات التابعة لـ«مؤسسة البترول» الكويتية، في أكتوبر الماضي أن شركتها التابعة «كوفبيك كندا» توصلت إلى اتفاق للدخول في شراكة استراتيجية مع شركة «شيفرون كندا المحدودة»، وهي شركة تابعة ومملوكة بالكامل لشركة «شيفرون كوربوريشن»، لتطوير الموارد الصخرية الغنية بالمكثفات النفطية في حوض دوفرني في كندا، من خلال الاستحواذ على حصة بنسبة 30 في المائة من مجمل أصول «شيفرون»، وذلك مقابل مبلغ إجماليه 1.5 مليار دولار أميركي، يجري سداده على مدى فترة من الزمن.
ويعتمد إنتاج النفط الصخري على تقنية تعرف باسم التكسير الهيدروليكي؛ حيث يضخ المنتجون كميات كبيرة من المياه والرمال وبعض المواد الكيماوية تحت ضغط شديد إلى باطن الأرض لتكسير الصخور لتسمح للنفط العالق بينها بالخروج إلى السطح. وبسبب هذه الأساليب، فإن معدل انخفاض إنتاج البئر الواحدة في السنة الأولى يتراوح بين 60 و80 في المائة، وهو ما يتطلب أن تقوم الشركات بحفر آبار جديدة طيلة الوقت لتعويض الهبوط الحاد في الآبار القائمة أو القديمة.
وبالنسبة للحفارات، فقد أظهر تقرير من شركة «بيكر هيوز» للخدمات النفطية، أول من أمس، أن إجمالي عدد حفارات النفط قيد التشغيل في الولايات المتحدة انخفض بمقدار أربعة فقط هذا الأسبوع، مواصلا التراجع للأسبوع الثامن والعشرين على التوالي، وليصل إلى 631 حفارا، وهو الأدنى منذ أغسطس (آب) 2010. وكان عدد الحفارات قد سجل ذروة بلغت 1609 في أكتوبر الماضي.
وجاء تراجع عدد الحفارات العاملة في أعقاب هبوط أسعار النفط الأميركي للعقود الآجلة بأكثر من 60 في المائة من نحو 107 دولارات للبرميل في يونيو (حزيران) من العام الماضي، إلى أدنى مستوى في ست سنوات قرب 42 دولارا في مارس (آذار) مع زيادة المنتجين في الولايات المتحدة ومنظمة «أوبك» ومنتجين آخرين إنتاجهم إلى مستويات شبه قياسية على الرغم من ركود في الطلب العالمي.
وخفضت شركات الطاقة الأميركية الإنفاق، لكن من المتوقع أن تزيد عدد الحفارات العاملة مرة أخرى مع تعافي أسعار عقود النفط الأميركي إلى متوسط حول 60 دولارا للبرميل منذ بداية مايو (أيار) الماضي.
وأظهر تقرير «بيكر هيوز» أيضا أن شركات الحفر زادت عدد الحفارات في حوضي «برميان» و«باكن» للنفط الصخري هذا الأسبوع في علامة أخرى على أن ارتفاع أسعار الخام يقنع المنتجين بزيادة إنتاجهم بعد ركود للنشاط استمر ستة أشهر.
ويختم الحرمي: «هناك شيء لا نفهمه كلنا عن النفط الصخري؛ فمع كل هذا الانخفاض في الحفارات وتراكم الديون، لا يزال الإنتاج مستمرًا ولم ينخفض سوى بصورة بسيطة، ولن ينخفض بصورة كبيرة في توقعي. ولا أحد حتى الآن لديه إجابة واضحة حول كيفية حدوث هذا».



«بنك إسرائيل» يُبقي الفائدة دون تغيير للمرة الثامنة وسط حالة عدم يقين اقتصادي

مبنى «بنك إسرائيل» في القدس (رويترز)
مبنى «بنك إسرائيل» في القدس (رويترز)
TT

«بنك إسرائيل» يُبقي الفائدة دون تغيير للمرة الثامنة وسط حالة عدم يقين اقتصادي

مبنى «بنك إسرائيل» في القدس (رويترز)
مبنى «بنك إسرائيل» في القدس (رويترز)

أبقى «بنك إسرائيل» أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعه الثامن على التوالي يوم الاثنين، بعد أن شهد التضخم تراجعاً طفيفاً، لكن حالة عدم اليقين الاقتصادي استمرت بسبب الحرب المستمرة بين إسرائيل وحركة «حماس» في غزة.

وكان «البنك المركزي الإسرائيلي» قد عبّر عن قلقه إزاء المخاطر المتزايدة التي يتحملها المستثمرون في إسرائيل، والتي شهدت انخفاضاً ملحوظاً بعد الارتفاع الحاد الذي سُجل عقب اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وقرّر البنك إبقاء سعر الفائدة القياسي عند 4.50 في المائة، وفق «رويترز».

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، خفض البنك المركزي سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس بعد تراجع التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي في ظل تداعيات الحرب. ومع ذلك، حافظ البنك على سياسة الفائدة المستقرة في الاجتماعات التالية في فبراير (شباط)، وأبريل (نيسان)، ومايو (أيار)، ويوليو (تموز)، وأغسطس (آب)، وأكتوبر، ونوفمبر (تشرين الثاني).

وقد توقّع 12 من أصل 13 محللاً استطلعت «رويترز» آراءهم عدم رفع أسعار الفائدة في هذا الاجتماع، بينما توقّع أحدهم خفضها بمقدار ربع نقطة مئوية.

وفي نوفمبر، انخفض التضخم السنوي في إسرائيل إلى أدنى مستوى له في أربعة أشهر، مسجلاً 3.4 في المائة، رغم أنه بقي أعلى من النطاق المستهدف للحكومة الذي يتراوح بين 1 في المائة و3 في المائة.

وأشارت توقعات موظفي «بنك إسرائيل» إلى أن العجز في الموازنة سيصل إلى 7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، على أن يستمر في الانخفاض إلى 4.7 في المائة في 2025، و3.2 في المائة في 2026. أما التضخم، فمن المتوقع أن يصل إلى 2.6 في المائة في 2025، بانخفاض عن التوقعات السابقة التي كانت 2.8 في المائة، في حين سيظل سعر الفائدة القياسي في نطاق 4 في المائة إلى 4.25 في المائة في الربع الرابع من عام 2025.

وفيما يتعلق بالاقتصاد الإسرائيلي، كشفت توقعات موظفي «بنك إسرائيل» أن النمو الاقتصادي سيصل إلى 4 في المائة في 2025، بزيادة طفيفة عن التوقعات السابقة التي كانت 3.8 في المائة. كما توقّع البنك أن يحقق الاقتصاد الإسرائيلي نمواً بنسبة 0.6 في المائة في 2024، متجاوزاً التوقعات السابقة التي كانت 0.5 في المائة.

وقال البنك في بيانه: «في ضوء التطورات الجيوسياسية، يستمر التعافي في النشاط الاقتصادي بوتيرة معتدلة، بينما تواصل قيود العرض في بعض الصناعات إعاقة تضييق الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الفعلي ومستواه المتوقع وفقاً للاتجاهات طويلة الأجل».

وأضاف: «من المتوقع أن تؤدي التعديلات الضريبية، لا سيما الزيادة في ضريبة القيمة المضافة، إلى جانب استمرار قيود العرض وارتفاع الطلب، إلى زيادة التضخم في النصف الأول من العام، بينما من المرجح أن يتباطأ التضخم ليصل إلى النطاق المستهدف في النصف الثاني من العام».

وأشار البنك إلى أن علاوة المخاطر في البلاد تراجعت بشكل ملحوظ، كما يتضح من مقايضات مخاطر الائتمان لمدة خمس سنوات، والفارق بين سندات الحكومة المقومة بالدولار والعائد على سندات الشيقل، رغم أن هذا المستوى لا يزال مرتفعاً نسبياً مقارنة بفترة ما قبل الحرب.

وأوضح البنك أن النشاط في قطاع البناء لا يزال دون مستوياته قبل الحرب، متأثراً بشكل رئيس بالقيود المستمرة على القوى العاملة، والتي لا تزال تمثل تحدياً كبيراً. وفي ظل استمرار الحرب، تركز سياسة اللجنة النقدية على ضمان استقرار الأسواق والحد من حالة عدم اليقين، إلى جانب استقرار الأسعار ودعم النشاط الاقتصادي. وسيتم تحديد مسار أسعار الفائدة بناءً على تقارب التضخم مع الهدف المحدد، واستمرار استقرار الأسواق المالية، والنشاط الاقتصادي، والتوجهات في السياسة المالية.