أثار إعلان منصة «يوتيوب» عن مزايا جديدة لدعم المحتوى التعليمي، تساؤلات حول اتجاه منصات التواصل الاجتماعي نحو «المحتوى الجاد الخدمي» لتحقيق نموذج عمل ربحي مستحدث. وسط تباين من بعض الخبراء الذي عدوا «الخطوة تحقق مزيداً من التوازن بين الترفيه والمعرفة»، فيما ذهب آخرون إلى أن «المنصات تبحث عن نموذج ربحي يعينها على المنافسة المحمومة».
«يوتيوب» أعلن في سبتمبر (أيلول) الحالي عن تعزيز خدمات التعلم من خلال عدة مزايا منها، عرض خدمة «مشغل فيديو» يعمل دون انقطاع أو تشويش كما كان في السابق لعرض الإعلانات أو المقاطع ذات الصلة. وأفادت منصة «يوتيوب» عبر المدونة الإخبارية الخاصة بها بأن «93 في المائة من مستخدمي (يوتيوب) يستهدفون الحصول على معلومات، وانطلاقاً من ذلك ذهبت المنصة إلى ضم تحديثات لجعل المحتوى التعليمي أكثر سهولة وتفاعلية للراغبين في التعلم».
أنس النجداوي، الأستاذ المشارك في جامعة أبوظبي، مستشار الأعمال الرقمية، يرى أن «التحول نحو التعليم التفاعلي اعتماداً على المقاطع المصورة المزودة بخدمات تفاعلية (بات ضرورة)». وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن الفكرة كانت قيد البحث، غير أن جائحة (كورونا) سرّعت وتيرة الاعتماد عليها، ومن ثم انتبه (يوتيوب) إلى أهمية هذا المحتوى وانتشار جمهوره». وتابع: «بالفعل بدأ أولى خطواته من خلال شراكات مع بعض الجامعات في وقت سابق، لكن وجود الإعلانات والمقاطع الترويجية التي من شأنها تشتيت الانتباه بما لا يتناسب مع الهدف من تقديم محتوى تعليمي، كان أمر شديد الإزعاج، مما تسبب في تردد الجهات التعليمية فيما يخص الاعتماد على (يوتيوب)، لذا كان قرار (يوتيوب) احتضان المحتوى التعليمي من دون فواصل إعلانية لتجربة (أكثر متعة)».
ويشير النجداوي إلى أن «خطوة (يوتيوب) لن تؤثر على التعليم فحسب، بينما هذا من شأنه يشجع على تقديم المحتوى القيّم والجاد»، لافتاً إلى «ثمة تحول نحو المحتوى التعليمي والمعرفي يشهده العالم الرقمي بشكل عام، حيث نرى ثورة وطفرة واضحة في أساليب التعلم تشارك فيها مواقع التواصل وصناع المحتوى».
عن المنافسة مع «تيك توك»، التي يرى البعض أنها سبب مباشر لتوسع خدمات «يوتيوب». شرح النجداوي: «بعيداً عن الأرقام، فـ(يوتيوب) لا يزال منصة يُحسب لها الحساب فيما يخص المقاطع المصورة، لا سيما التفاعلية منها أو الـ(فيديو ستريمينج) بسبب جودة المحتوى، وطول مدة العرض التي تسمح بمزيد من عرض المعلومات الدقيقة على عكس (تيك توك)».
ووفق تقرير شركة «آبتوبيا» المتخصصة في متابعة سوق التطبيقات، فإن «تطبيق (تيك توك) احتل المركز الأول في قائمة التطبيقات الأكثر تنزيلاً على أجهزة المستخدمين خلال العام الماضي»، وهو «ما أثار حفيظة التطبيقات الراسخة مثل (يوتيوب)، لا سيما أنه ينافس في مساحة مقاطع الفيديو»، بحسب مراقبين. بدوره يرى رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، أنها «خطوة ليست وليدة اللحظة كما يعتقد البعض». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، أن «(يوتيوب) منبثقة من شركة (ألفابت) المالكة لـ(غوغل)، والمعنية بمجالات التعليم، سبق وتابعنا تطوراً ملحوظاً في مزايا (غوغل كلاس روم) المخصص لإدارة منظومات العمل التعليمية و(غوغل ميت) للاتصال المرئي، وهما تطبيقان يعتمدان بشكل كبير على محتوى (غوغل) من الفيديو».
بينما الجديد في مشروع «يوتيوب» التعليمي، هو مركز المحتوى الإعلاني. ويوضح الطراونة أنه «وفقاً لتقارير نشرتها (ذا فيرج) و(بلومبرغ) وصل (يوتيوب) رسائل من المستخدمين في القطاع التعليمي حول مقدار التشتت الذي تتسبب فيه إعلانات (يوتيوب) والفيديوهات المقترحة ذات الصلة، والتي في غالب الأحيان لا تتناسب مع الأجواء التعليمية». وشرح «كل ما سبق يضاف له بزوغ نجم بعض المنصات التعليمية الرقمية في الأعوام الماضية، مثل (لينكد إن) المملوكة لمايكروسوفت، و(كورسيرا) وغيرهما، كان دافعاً إضافياً لتسريع عجلة التطوير في (يوتيوب) وشقيقاتها».
«وتحظى منصة (يوتيوب) بنحو 2.6 مستخدم خلال عام 2021»، حسب تقرير نشرته وكالة التسويق الرقمية «أومنيكور» بفلوريدا، في مارس (آذار) الماضي. وأشار التقرير إلى أن «(يوتيوب) حقق أرباحاً بقيمة 28.8 مليار دولار في عام 2021. بزيادة قدرها 30.4 في المائة عن عام 2020. وجميعها بيانات تشير إلى صدارة المنصة رغم المنافسات».
وهنا يقول الطراونة إنه «وفقاً لدراسة نشرها مركز (بيو) للأبحاث، ما زال (يوتيوب) - رفقة (تيك توك) - يتربع على عرش منصات الترفيه الأكثر استقطاباً للشباب، وهو ما يعني أن استراتيجية (يوتيوب) سواء في تقديم مقاطع الفيديو القصيرة، أو التوسع في تقديم (المحتوى الجاد)، (حققت هدفها) في الحفاظ على مكانتها رغم المنافسة».
وأعلنت «يوتيوب» عبر مدونتها الإخبارية «عزمها عقد شراكات مع مؤسسات تعليمية كبرى، فضلاً عن دعمها لصناع المحتوى التعليمي، من خلال تحصيل اشتراكات مدفوعة من قبل المستخدمين الراغبين في الحصول على خدمات تعليمية مثل، دورات اللغات الأجنبية أو شرح المواد الأكاديمية».
ووفق الخبراء فإن «دعم المحتوى التعليمي يلقي بظلاله على زيادة عدد مستخدمي (يوتيوب)، مما يعني مزيداً من التفاعل على المنصة بشكل عام، وهو ما انتبهت له المنصة».
عن النموذج الربحي الذي تقدمه «يوتيوب». يرى النجداوي أن «المنصة تكسر (النمط الكلاسيكي) المعتمد على الإعلانات، وتذهب إلى تحقيق الاستغلال الأمثل بالأدوات المتاحة»، مضيفاً: «تتبع (يوتيوب) نموذج (التعود) بدعم صناع المحتوى التعليمي وحثهم على الاستمرار، حتى يعتاد عليها المستخدم وتتحول إلى جزء من نمط الحصول على المعلومات، ثم يتحول إلى خدمات المحتوى المدفوع، مما يعود على مقدم الخدمة (صانع المحتوى) والمنصة أيضاً».
عودة إلى الطراونة الذي يرى أن «المؤسسات الإعلامية يمكن لها أن تستفيد من هذا النموذج الربحي»، موضحاً أن «جميع المنصات تبحث عن أدوات ربحية جديدة، وما تقدمه (يوتيوب) يُعد نموذجاً يمكن الامتثال له». وأضاف الطراونة أن «ثمة مؤسسات إعلامية بارزة لها (تجارب حية) في مجال تقديم الخدمات التعليمية، بهدف التوسع في مصادر الربح، وكذلك رفع مستوى الصحافيين والدارسين للإعلام، غير أنه يمكن تحقيق مزيد من الأرباح على شاكلة ما تقوم به (يوتيوب)، لا سيما أن التعليم مجال مرغوب من قبل المستخدمين ودعمه يتطلب أقل قدر من التسويق والاستثمار، بينما يعتمد أكثر على استغلال معطيات بالفعل راسخة لدى المنصات مثل الانتشار».
ويوافقه الرأي النجداوي، الذي يقول إن «المؤسسات الإعلامية اتجهت بالفعل نحو التنوع في مصادر الربح، لذلك تقديم خدمات تعليمية ربما يسهم في تحسين الأوضاع المالية، مثل إطلاق أكاديميات بهدف إعداد كوادر مدربة، تستطيع أن تدخل سوق العمل بشكل سريع، وكذلك بيع دورات تدريبية للدراسين».
المحتوى التعليمي على «يوتيوب»... منافسة الترفيه والمعرفة

المحتوى التعليمي على «يوتيوب»... منافسة الترفيه والمعرفة

لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة