عن خصوصية الحداثة وكونيتها!

نظرة نقدية مشبعة بالحس التاريخي يمكنها إزالة الشعور العميق بغربة الفكر العربي عن الحداثة كنظرة هذا الزائر إلى «غرنيكا» لبيكاسو (أ.ف.ب)
نظرة نقدية مشبعة بالحس التاريخي يمكنها إزالة الشعور العميق بغربة الفكر العربي عن الحداثة كنظرة هذا الزائر إلى «غرنيكا» لبيكاسو (أ.ف.ب)
TT

عن خصوصية الحداثة وكونيتها!

نظرة نقدية مشبعة بالحس التاريخي يمكنها إزالة الشعور العميق بغربة الفكر العربي عن الحداثة كنظرة هذا الزائر إلى «غرنيكا» لبيكاسو (أ.ف.ب)
نظرة نقدية مشبعة بالحس التاريخي يمكنها إزالة الشعور العميق بغربة الفكر العربي عن الحداثة كنظرة هذا الزائر إلى «غرنيكا» لبيكاسو (أ.ف.ب)

واقعياً تعكس الحداثة، كفلسفة وتجربة، الذائقة الثقافية الأوروبية في المرحلة الأخيرة من تطورها، حيث نضجت المفاهيم الأكثر أساسية، كالعقلنة والأنسنة والعلمنة، وحملت مسمياتها داخل التاريخ الأوروبي، الذي منحها الدلالة والمعنى، وأنتج البنى المؤسسية والأنساق الرمزية المنسوبة إليها: العقلنة باعتبارها تلك الصيرورة التاريخية التي أنتجت فهماً للعالم يقوم على منطق العقل، المتجذر في العلم التجريبي الحديث استقلالاً، وربما انفصالاً، عن منطق الروح الذي هيمن على الحقبة التقليدية، متخللاً أنساقاً كالدين والميتافيزيقا والأسطورة. إنها الصيرورة التي توجت العقل الإنساني متناً أساسياً وقطباً موجباً للتجربة البشرية، وأحالت الدين إلى موضع السلب، بعد أن كان هو المتن الواسع والقطب الموجب. والأنسنة باعتبارها الصيرورة التي جسدت حركة الإنسان الواثقة إلى مركز العالم، باعتباره فاعلاً وجودياً، مشرعاً أساسياً لذاته، متحرراً من سطوة علاقات القهر الخارجية، والتي انطلقت من عصر النهضة، وتصاعدت في ظل المذهب الإنساني، حتى نضجت مع عمل المتنورين الفرنسيين من الموسوعيين، خصوصاً فولتير وديدرو وهولباخ في قلب القرن الثامن عشر، ثم انتصرت بشيوع التنوير ورسوخ النزعة النقدية مع إيمانويل كانط. والعلمنة باعتبارها ثمرة النقد العملي للدين والذي لم ينشغل، كالنقد النظري، بأصول فكرة الألوهية، ولا بجذور الاعتقاد الديني، بل صبّ تركيزه على دور الدين في الحياة اليومية، ودور المؤسسات الدينية في المجال العام، رافضاً تغوِّلها على نظيرتها الدنيوية/ الزمنية، على ذلك النحو الذي كشفت عنه وقائع الهيمنة الكاثوليكية علي العالم القروسطوي.
أما تاريخياً، فلا تعدو الحداثة أن تكون انعكاساً لمسيرة التقدم البشري المطرد، رغم انحناءاتها القصيرة، وتجسيداً للخبرة الإنسانية المشتركة رغم ثقوبها السوداء، وهو ما يمكن ملاحظته إذا ما حررنا المفاهيم المؤسسة للحداثة من القوالب النهائية التي التصقت بها، كشفاً عن تاريخيتها كحوامل راهنة لقيم جوهرية، حملت أسماء بعينها في حقبة تاريخية ما، وأسماء أخرى في حقبة تالية... إلخ؛ ذلك أن المفاهيم الكبرى/ التأسيسية لا يمكن أن تظل ساكنة وهي تخوض في غمار التاريخ، ولا تفقد هويتها تماماً أثناء الارتحال الشاق داخل ثنايا التاريخ؛ إذ تحتفظ بجوهرها المؤسس ثم تضيف إليه ما أمكن لحامليها الجدد أن يضيفوا، أو ما تيسر لمستقبليها من تعديلات فيها. تلك الإضافات والتعديلات تخضع لمنطق التاريخ نفسه وحركة تطوره، ففي مسيرته الصاعدة يمكن لبعض المفاهيم أن تتبلور لتسمى جواهر غير مسماه، ولمفاهيم أخرى أن تُعدَّل لتعبر عن جواهر تم تطويرها، على نحو يجعلها أكثر حضوراً وقدرة على تمثيل زمانها، ولمفاهيم ثالثة أن تندثر، لأن جوهر ما كانت تعبر عنه قد تحلل وتجاوزه الزمن. نقول ذلك رغم استمرارية مضمون تلك المفاهيم كقيم كونية لازمة، وسنن مجتمعية مصاحبة لأي نهضة بشرية، من قبيل تأكيد فاعلية العقل الإنساني أو حرية الإرادة الإنسانية أو الانشغال الإيجابي بالعالم، إذ لا يمكن تصور نهضة حضارية لدى جماعة بشرية تجمد عقلها، أو اُعتقلت إرادتها، أو فقدت اهتمامها بالواقع الدنيوي، وانشغلت فقط بملكوت أخروي أو عالم مفارق.
في هذا السياق، نجد للعقلانية جذوراً ضاربة في الحضارة العربية الكلاسيكية! ولكنها بالتأكيد ليست العقلانية المادية القائمة على النزعتين: الحسية والتجريبية، بل العقلانية الكونية، التي تنظر إلى الطبيعة في سياق مهمتها الاستخلافية، حيث يستدل المسلم من نظامها الشامل الدقيق وقوانينها الكلية المتسقة على وحدانية صانعها، فيكتسب أفقاً عقلانياً تدبرياً. صحيح أنه لم يبلغ أفق العقلانية الوضعية، لكنه كان الأرقى في زمانه، وإلا فعلام استندت النهضة العربية الأولى؟ فالخرافة لا تنتج حضارة.
ونجد أيضاً نزعة إنسانية عربية، لكنها قطعاً لا تماثل نظيرتها الغربية، خصوصاً الكامنة في التنوير اليعقوبي الذي تبنى المركزية الإنسانية، بل انطوت على صيغ أولية كانت فعالة في تحرير الإرادة من الموروث التقليدي الجاهلي القائم على الروح القبيلة والنزعة الجبرية، وهي صيغة تتجلى في النص القرآني الذي يُعلي من حرية الضمير الشخصي في اكتساب العقيدة، ومن قيمة النزعة الفردية في ممارسة العبادة. بل إنه، أي النص القرآني، يؤسس لنمط من الحرية الأنطولوجية، حيث يتموضع الإنسان، كقطب ثانٍ للوجود، في مواجهة الإله، قطب الوجود الأول، حسب النزعة القدرية التي تؤكد قدرته على الاختيار، والتي يمكن استشفافها من بعض آياته المحكمة، أو من تأويلاتها السامقة في علم الكلام المعتزلي والفلسفة الرشدية.
وكذلك نجد نمطاً من العلمانية في التجربة التاريخية الإسلامية، يتجاوب مع النص القرآني في رفض الوصاية الروحية على الضمير الفردي، لكنه نمط مستبد صاغته صراعات السلطة وطموحات العائلات الحاكمة، لم يبلغ يقيناً أفق الديمقراطية الليبرالية. ومن ثم ظلت حرية الفرد في مواجهة السلطة أمراً غير قائم في التاريخ العربي لدوافع عدة، على رأسها عدم نضج مفهوم الحرية بالمعنى السياسي آنذاك، حينما كانت النهضة العربية لا تزال متوثبة قبل عشرة قرون. وهنا يتعين علينا ألا ننسي - ما دمنا نمارس النقد التاريخي - أن الدول الإسلامية الكبرى كافة، عدا العثمانية، كانت سابقة على الدولة التي تصورها الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، والتي جسدت مثالاً بارزاً للشمولية الحديثة. بل إن تلك الدول المتتابعة، التي أعلت ولو ظاهرياً، من شأن القيم الأخلاقية المبثوثة في الشريعة، كانت أرقى من تلك الصورة التي رسمها فيلسوف السياسة الواقعية للممالك الأوروبية الصاعدة ولحال السياسة الدنيوية المفعمة كلياً بالروح النفعية والسلوكيات الانتهازية، وإن ظل لدولة هوبز العلمانية والمستبدة امتيازها الذي لا يمكن تقديره إلا بالقياس إلى الدولة الثيوقراطية التي هيمنت على العصور الوسطى المسيحية.
هكذا، وعبر نظرة نقدية مشبعة بالحس التاريخي يمكن إزالة الشعور العميق بغربة الفكر العربي عن الحداثة، والذي جعل العلاقة مع الغرب معقدة وإشكالية، حيث استمرت مجتمعاتنا، بفعل اندراجها الواقعي في سياق الحضارة الكونية، تواقة إلى الغرف من الهوامش التكنولوجية للحداثة، من دون مقاربة متونها الأساسية ومفاهيمها التأسيسية. والنتيجة النهائية، أن مجتمعاتنا التي امتلكت من التكنولوجيا أرقاها، ظلت زراعية غالباً، ورعوية أحياناً، مغتربة عن قيم الحداثة الاجتماعية وفي قلبها الحرية الفردية، مثلما ظلت دولنا، حاضنة الاستبداد والطائفية والقبلية، ممتنعة على مثل الحداثة السياسية وفي قلبها الديمقراطية. وهكذا تم وضع البنزين بجوار النار: عقل مغلق يواجه عالماً مفتوحاً، وعي تقليدي يمتلك منتجاً ما بعد حداثي، مزاج متطرف يحوز أسلحة فتاكة؛ الأمر الذي أنتج كل عمليات القتل وحفلات التدمير المحيطة بنا. بل يمكننا، بقدر من التأويل الخلاق، أن نرفد الحداثة بقيم إيجابية، روحية وأخلاقية، تحتاج إليها للحد من جموحها المادي وتطرفها الحسي، بما يجعل الإسلام مصدر إلهام يسهم في تصويب مسيرتها، بشرط أن يقدم هذا الإسهام بطريقة تتجاوز الاستعلاء والجذرية، وتبدي تواضعاً حقيقياً أمام تعقيدات الوضع الإنساني، فلا ندعي القدرة على تقديم بديل كامل للوضع القائم وإلا صرنا كالأصوليين، بل فقط على سد بعض الثغرات في البناء الشاهق للحداثة، ومن ثم نتجاوز موقفين متناقضين:
الأول هو الاستسلام لدونية حضارية ترى الحداثة الغربية نموذجاً مثالياً على نحو مطلق، لا بد من احتذائه حتى النهاية، واحتسائه حتى الثمالة، كما رأى التيار العلموي العربي الذي سطع في النصف الأول من القرن العشرين، داعياً إلى القبول بالغرب وقيمه ومعاييره كمرجعية نهائية لنا. والآخر هو الادعاء بخصوصية حضارية مطلقة، هروباً من كل ما هو إنساني ومعاصر، وهو موقف يكشف جوهرياً عن شعور بالهزيمة الحضارية، وإن اختفى خلف قشرة من التعالي الظاهري على الآخر، حيث تصبح الحضارة الغربية (رغم تقدمها) نموذجاً للخواء الأخلاقي في مقابل الحضارة الإسلامية، التي تعد (رغم تخلفها) نموذجاً للكمال الأخلاقي، وكأنهما سفينتان متعارضتان، لا يمكن ركوبهما معاً، حسب أبي الأعلى المودودي، الذي جسد الحد الأقصى للنزعة السلفية وتصوراتها الاختزالية الساذجة عن الذات والعالم.
* كاتب وباحث مصري



واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».