بيار شماسيان وطوني أبو جودة ضحكة «بيت الشاعر»

استضافتهما ميشيل تويني في منزل جدها المهيب

ميشيل تويني تتوسط بيار شماسيان من اليمين وطوني أبو جودة من اليسار
ميشيل تويني تتوسط بيار شماسيان من اليمين وطوني أبو جودة من اليسار
TT

بيار شماسيان وطوني أبو جودة ضحكة «بيت الشاعر»

ميشيل تويني تتوسط بيار شماسيان من اليمين وطوني أبو جودة من اليسار
ميشيل تويني تتوسط بيار شماسيان من اليمين وطوني أبو جودة من اليسار

في منطقة بيت مري، يمنح الشجر روح المكان دفئاً عصياً على أمزجة الفصول. كأنه مساحة هائلة تحتضن غابة كثيفة الاخضرار، هو الحيز الذي بنى عليه عميد الصحافة اللبنانية غسان تويني، منزله الزوجي مع شريكة الحياة وآلامها الشاعرة ناديا حمادة. من عمق المكان المهيب، تستلهم حفيدتهما ميشيل تويني، برنامجها «بيت الشاعر»، وهو اسم منحه الراحل للمنزل. في الحلقة ضيفان يلتقيان بأفكار أو شعور، فإذا بفنانَي الكوميديا بيار شماسيان وطوني أبو جودة يمنحان رصانة الأجواء، بسمة.
المنزل هو كيان البرنامج (تعرضه «الجديد» وفيسبوك «النهار»)، لولاه لفَرَغت مساحات؛ بحجارته العتيقة، برائحة الآثار الشاهدة على التاريخ، بالأيقونات المرفوعة على الجدران، وصور الكبار في البرواز. وسط سيمفونية بديعة تشكلها أصوات الزيز وكامل فصيلته في ساعات المساء، يجلس الضيفان في الحديقة على مقربة من غابة شاسعة تملأ العين إحساساً بالانشراح، لتهم محاورتهما بطرح أسئلة المقصود منها دردشة بلا قفازات.
تبدأ من الجذور الإنسانية: الطفولة. البرنامج ليس توقفاً مطولاً على تفاصيل سيرتَي الضيفين، بل على ذكريات محفورة. تربى بيار شماسيان في عائلة من ستة أفراد أغدقوا عليه دلالاً أرادوا منه تعويضاً عن موت الأب وهو في الثالثة من العمر. بدل الهدية في ليلة الميلاد، هدايا بالجملة. وبدل الخمسة قروش «مصروف» الأطفال، وقعت بين يديه آنذاك ليرة كاملة. يصغي إليه صديقه طوني أبو جودة وهو يتحدث عن تذكره أبيه «كحلم»، وما لا يفارق خياله: طاولة العشاء وسيارة دفن الموتى.
وأبو جودة تدلع في الطفولة دلعَ الصبي الوحيد بين ثلاث بنات. يخبر مُحاورته وصديقه عن فارق في مفهوم التربية بين الأمس واليوم: «كنا نتردد قبل الحديث مع الأب، ولم نتجرأ لنكون صداقة معه حتى فترة الجامعة. نحن أصدقاء أولادنا لدرجة أننا نقدم لهم كل شيء. لم يتعلموا تقدير قيمة ما يحصلون عليه وهذه خطيئتنا».
البرنامج نوستالجي، يريد من الضيفين نَفَساً عميقاً يُدخل السكينة. تحضر ميشيل تويني حوارها من خلفيتها في الصحافة والاهتمام بالمسرح، ومن عَبَق الجد ورهبة منزله. تتنقل مع ضيفيها بين مكتب غسان تويني، حيث جلس وسط الهدوء ومرور الهواء فوق أوراق الشجر، يفكر ويكتب. وبين فسحة حولها إلى مسرح جَمَع حينذاك كبار المثقفين. وتفف معهما لتأمل أيقونات يسرح البال في معانيها.
قبل 20 سنة، زار أبو جودة «بيت الشاعر» للمرة الأولى. كانت حفيدة غسان تويني لا تزال بسن صغيرة. يُخبرها عن انبهاره بما رأى وما جاء بعد عقدين ليُجدد رؤيته. «كل زاوية، تاريخ»، يغازل المنزل. فيه كان حقيقياً إلى حد الاعتراف بالعذاب والإجحاف. فحين طلبت منه مُحاورته تدوين بوح لم يُطلع أحداً عليه من قبل، توجه إلى نفسه بكلمات العتب لعدم قدرته على الدفاع عنها، فانقلب الحق معه إلى ضده. شماسيان اختصر كل شيء: «لِمَ على الفنان العمل بالمجان لمصلحة مَن يملكون المال ويرفضون الدفع؟».
لم يشكك أبو جودة، وهو كوميدي ومقلد شخصيات ورسام ومغن، يوماً، بموهبة قلما تجتمع بشخص، «لكن بعض المنتجين والتلفزيونات يُدخلون الشك إلى النفس، فأتساءل: لِمَ لا تحدث هذه التجاوزات خارج لبنان؟». وبينما يقدمان حلقة تُظهر جوانب صادقة، لم يفرطا في وضع نقاط على الحروف. انتقد شماسيان تحول أي كان إلى مشهور بذريعة «السوشيال ميديا»، وتذكر أبو جودة مرحلة كان الوصول فيها شاقاً، لا يستحقه إلا المؤهل للطريق. اليوم، بلغة شماسيان الساخرة، «من (يا جارة الوادي) إلى (تي رشرش)».
الكوميديون الحقيقيون يصرون على الإضحاك وإن اسودت الظروف. يذكر شماسيان وفاة أخيه قبل موعد إحدى مسرحياته بأيام، فأتى بروح الطرافة يخفف عن الناس هم الزمن. المفارقة أن هذه الروح بقيت في أعلاها رغم لحاق الأخت بالأخ بعد عشرة أيام على بداية المسرحية! «الأصعب أن يُضحك الكوميدي سواه وداخله يبكي»، يهز طوني رأسه موافقاً على كلام مَن لم يحبط موتان متقاربان عزيمته.
تلومه زوجته على ما يراه مديحاً: «طفل لا تكبر». يرمي بعضٌ بيار شماسيان بتهكم لأنه لا يزال يجمع أصدقاءه حول «منقل» الفحم، الأحد للغداء. «هذه هوايتي، فطالما القلب لا تجاعيد له، لا قيمة للعمر».
العمر عاملٌ يؤرق طوني أبو جودة ويشغله: «يستطيع الممثل لعب الأدوار حتى الثمانين. فرص الكوميدي تقل كلما تقدم في السن. يفضل المنتجون الشبابَ على الكبار حين يتعلق الأمر بالضحكات». على جلسة شاي قبل ختام الحلقة، تكلم عن الحظ. فيما شماسيان لا يعيره اهتماماً، يصدُق أبو جودة بقوله إنه موجود، بدليل أن بشراً يلهثون للوصول وبشراً تُفتح الأبواب أمامهم. هو من الصنف الأول، يقولها بحسرة. لا يستعمل هاتفاً للتملق ولا يذكر أحداً بمواهبه.
في البرنامج لطافة تجعل مشاهدته واردة. يهبط المساء باكراً في هذه الأيام من الخريف، فتُبدل تويني الفقرات ليسبق خارج المنزل داخله. عظمة الطبيعة لا تقل جمالاً عن عظمة الأثر.



«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.