بسبب السلاح الروسي... سباق تسلح صامت في غرب أفريقيا

جنود من «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» في مدينة كيدال بمالي 26 أغسطس (أ.ف.ب)
جنود من «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» في مدينة كيدال بمالي 26 أغسطس (أ.ف.ب)
TT

بسبب السلاح الروسي... سباق تسلح صامت في غرب أفريقيا

جنود من «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» في مدينة كيدال بمالي 26 أغسطس (أ.ف.ب)
جنود من «الحركة الوطنية لتحرير أزواد» في مدينة كيدال بمالي 26 أغسطس (أ.ف.ب)

منذ منتصف القرن العشرين والخوف يدفع الحكومات في غرب أفريقيا إلى اقتناء مزيد من الأسلحة. خوفٌ على المقاعد والمناصب، وخوفٌ من المتمردين والجيران، وحتى الخوف من الشعب. إلا أن السنوات الأخيرة ضاعفت الخوفَ مع صعود الإرهاب، فتضاعفت معه الرغبة لدى هذه الحكومات في اقتناء مزيد من السّلاح، لتصبح المنطقة واحدة من أهم الأسواق التي يتنافسُ عليها تجارُه، وكانت دولة مالي المهددة في وجودها والأكثر خوفاً على مستقبلها، في قلب عاصفة الصراع بين تجار السّلاح ومروجيه.
مالي التي احتل تنظيم «القاعدة» قبل عشر سنوات أجزاء واسعة من أراضيها، وعاشت منذ ذلك الوقت حرباً شرسة لاستعادة الاستقرار دون جدوى، يحكمها اليوم بقوة السّلاح، ضباط أغلبهم من مواليد مطلع ثمانينات القرن الماضي، يصفهم خصومهم بالمغرورين عديمي الخبرة والتجربة، بينما يرى فيهم أنصارهم الأبطالَ الذين امتلكوا شجاعة أخذ زمام المبادرة وطرد المستعمر الفرنسي السابق بعد أن عاد تحت ذريعة «الحرب على الإرهاب».
ولكن هؤلاء الضباط في حقيقة الأمر إنما ألغوا صفقات سلاح كانت ستوقع مع الفرنسيين، وتوجهوا نحو روسيا لعقد شراكة عسكرية وأمنية، مكنتهم خلال عامين فقط من امتلاك تجهيزات عسكرية وأسلحة لم يكن الجيش المالي يحلم بها، مع خدمات خاصة تقدمها مجموعة «فاغنر» الروسية، دون أن تُعرف تفاصيل الصفقة، ولا ما ستدفعه مالي الفقيرة مقابل هذا السّلاح، غير أن موسكو بكل تأكيد ربحتْ موطئ قدم لها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، حيث أصبحت تتمركزُ الحرب العالمية ضد الإرهاب، وحيث سوق الأسلحة النشطة والواعدة.
في منتصف شهر أبريل (نيسان) الماضي، جلس الكولونيل آسيمي غويتا رئيس مالي الانتقالي، كان بالقرب منه وزير دفاعه القوي الكولونيل ساديو كامرا، ليتصدرا احتفالية ضخمة بتسليم مروحيات عسكرية وأسلحة متنوعة مقبلة من موسكو، كان السفير الروسي إيغور غروميكو حاضراً إلى جانبهما، مستمتعاً بشمس باماكو الحارقة، ومزهواً بحجم التقدير الذي يحظى به في مدينة شيّدها الفرنسيون مطلع القرن العشرين، حين كانوا أسياد البلد، اليوم يحتفي الماليون بسفير موسكو بعد أن طردوا سفير باريس، وغادر آخر جندي فرنسي بلادهم.

عسكريون ماليون يتسلمون شحنة أسلحة روسية في 9 أغسطس (إ.ب.أ)

لا يهتم الماليون لدخول قادتهم الجدد في صراع جيو - استراتيجي أكبر من دولتهم الهشة والمهددة، وإنما يعقدون كثيراً من الأمل على السّلاح الروسي، من أجل قلب موازين القوة لصالح جيشهم في حربه ضد تنظيمي «القاعدة» و«داعش» اللذين يسيطران على مناطق من البلاد، ولكن هذا السّلاح من شأنه أن يغير المعادلة في شبه المنطقة، فقد أُشعل سباق تسلح صامت بين جيران مالي، وهم يخشون تكرار السيناريو الليبي، حين سقط سلاح القذافي قبل أكثر من عشر سنواتٍ، في أيدي جماعات إرهابية وإجرامية، أشعلت ليبيا وجيرانها في الساحل الأفريقي، حريق لا يزال مستمراً حتى اليوم، بل إن دائرة لهبه تتسع وتتسع.
> جيش مبادر
الضباط الشبان الذين يحكمون مالي، أعلنوا كثيراً من الوعود منذ البداية، ولكن وعدهم الأكبر كان إعادة بناء الجيش، حتى يكون جيشاً مبادراً وقادراً على الهجوم، بدل الاختباء وانتظار هجمات الإرهابيين ليقوم بعد ذلك بردّةِ فعلٍ باردة وبطيئة، كان شعارهم في ذلك «الصعود القوي»، وتحت ذلك الشعار أبرموا اتفاقياتهم مع روسيا، فلم يتأخر سلاح موسكو كثيراً.
السفير الروسي في باماكو أصبح أكثر حضوراً في الإعلام المحلي، وكثيراً ما يوجه إلى الماليين رسائل التطمين؛ تحدث مرة قائلاً إن «روسيا لن تدخر أي جهد في سبيل تعزيز تعاونها مع مالي، على الصعيد السياسي والأمني والعسكري، ولن يقف أي أحد في وجه صداقتنا وأخوتنا»، ثم أضاف: «روسيا ستقف دوماً إلى جانب مالي لمساعدتها، وأنا متأكد من أن مالي من جانبها سوف تساعدنا».
كان التحدي الأكبر أمام حكام مالي الجدد هو تحقيق نتائج على الأرض، لأن ذلك هو السبيل لإقناع شعبهم بأن استبدال الروس بالفرنسيين لم يكن خطأ ولا قراراً طائشاً، وهم الذين يدفعون ثمن قرارهم غالياً على شكل حصار اقتصادي وسياسي فرضته دول غرب أفريقيا المتحالفة مع فرنسا. وبالفعل تحققت سريعاً نتائج على الأرض، وبدأ الجيش المالي في شن هجمات فعالة ضد مقاتلي «القاعدة» و«داعش»، ولكن ذلك لا يعني تحقيق النصر، لأن الجماعات الإرهابية هي الأخرى غيرت استراتيجيتها، واقتربت أكثر من العاصمة باماكو، ذلك ما يؤكده سيديك آبَّا، وهو صحافي وكاتب من النيجر يقيم في فرنسا، مختص في ملفات الأمن والإرهاب في أفريقيا.
سيديك آبَّا الذي ألف كثيراً من الكتب حول التحديات الأمنية في منطقة غرب أفريقيا، من أشهرها كتابه «رحلة إلى عمق بوكو حرام»، قال في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن «التعاون الثنائي بين مالي وروسيا، سمح لسلطات مالي بالحصول على كثير من المعدات العسكرية، منها نصف دزينة من مروحيات سوكوي وميغ 35 وميغ 21، وطائرات شحن الجنود، إلى جانب كميات هائلة من الأسلحة الفردية، وبشكل خاص مدافع الكلاشنيكوف».
> الهجمات الإرهابية
وأكد الكاتب والصحافي النيجري أن السّلاح الروسي «مكن الجيش المالي من تحسين قدرته على التنقل، ليصبح أكثر حيوية وفاعلية، ما غير بعضَ الأمور في الميدان، إذ إنه قبل التعاون العسكري مع روسيا، كان الجيش في وضعية الدفاع عن النفس، تقبع وحداته في الثكنات مكتفية بصد الهجمات الإرهابية، ولكنها لا تبادر أبداً بالهجوم، ومنذ أن توجه الماليون نحو التعاون العسكري مع روسيا، وقطعوا خطوات ملموسة لتطوير هذا التعاون، خصوصاً فيما يتعلق بالقدرات الجوية والاستخباراتية، أصبح الجيش المالي يشن هجمات ضد قواعد الإرهابيين، وهذا بحد ذاته كان تغيراً كبيراً في موازين المواجهة على الميدان».
يضيف الصحافي الذي يتابع عن كثب التطورات على الأرض، أن جيش مالي حقق «بعض النتائج الإيجابية ميدانياً، على شكل انتصارات في وسط البلاد»، إلا أن الصحافي يبدي بعض التحفظ، مشيراً إلى أن «هذا التحسن في قدرات الجيش المالي لا يعني أن الوضع الأمني في منطقة الساحل قد تغير إلى الأحسن، لأنه حتى إن تحسنت الأمور في مالي، إن لم يشمل ذلك بقية الدول المجاورة، فالوضع سيبقى دوماً يسوده التعقيد».
التحسن الذي أدخله السلاح الروسي على قدرات جيش مالي، ووجود مقاتلي «فاغنر» إلى جانب الجنود الماليين، لا يزال غير كافٍ للقضاء على بؤر الإرهاب، وهنا يؤكد الصحافي سيديك آبَّا: «في الوقت الذي يحقق فيه الجيش المالي بعض الانتصارات والنتائج الإيجابية، لا يزال الوضع الأمني معقداً جداً في البلد، إذ إنه منذ أيام قليلة لاحظنا أن الجماعات الإرهابية حققت هي الأخرى توسعاً نحو مناطق جديدة، ونفذت هجمات قبل أيام معدودة في مناطق من مالي لم تكن أبداً داخل دائرة نفوذها، في محافظتي كوليكورو وخاي، جنوب البلاد»، ويضيف في السياق ذاته، أن «الملاحظة الثانية التي توقفنا عندها مؤخراً، هي أن المجموعات الإرهابية نفذت ست هجمات متزامنة في مدن مختلفة، وهو أمر لم يسبق أن حدث في مالي».
> سباق تسلح
النموذجُ الذي قدمته مالي، حين تخلت عن الشراكة التقليدية مع المستعمر الفرنسي السابق، واستبدلت به حضن الدب الروسي، يثير انتباه بقية دول الساحل وغرب أفريقيا التي تراقب التجربة المالية، وفي حالة ما إذا نجحت الأمور في مالي، فسيكون الوضعُ سيئاً بالنسبة للفرنسيين.
تلك هي الفكرة التي يدافعُ عنها مامادو سوادوغو، وهو خبير أمني من بوركينا فاسو، قال في حديث مع «الشرق الأوسط»، إنه لا يستبعدُ اتساع دائرة النفوذ الروسي في غرب أفريقيا، وأضاف: «بإمكان روسيا أن تخلق سوقاً كبرى لبيع سلاحها في المنطقة، إذ يمكننا اعتبار دولة مالي البوابة التي ستدخل منها هذه الأسلحة منطقة غرب أفريقيا، فهنالك عدة دول تراقب الوضع في مالي، وحين تتحقق نتائج ملموسة على الأرض ويقلب السلاح الروسي المعادلة، لا شك أنَّ هذه الدول ستحذو حذو باماكو».
إلا أن الخبير الأمني البوركينابي يستدركُ قائلاً إن «فرنسا تملك نفوذاً قوياً في غرب أفريقيا، حيث مستعمراتها السابقة، وإن كانت قد أخذت على حين غرّة في مالي، فإنها يقظة جداً الآن، وأي دولة تفكر في أن تسلك طريق مالي مستقبلاً ستواجه ضغوطاً قوية لن تكون قادرة على تحملها». ولكن الكاتب النيجري المختص في قضايا الأمن والإرهاب سيديك آبَّا، لديه رأي آخر، إذ يقول: «لست متأكداً من أن النموذج الذي اعتمدته سلطات مالي يثير اهتمام دول الساحل وغرب أفريقيا»، ويشرحُ سيديك آبَّا رأيه بالقول: «على سبيل المثال بوركينا فاسو قررت أن تسلك طريقاً مختلفاً، وهو الاعتماد على نفسها، فشكلت وحدات عسكرية خاصة بمحاربة الإرهاب، وأعادت تمركزها خارج العاصمة، تحديداً في المناطق الأكثر تضرراً من الهجمات».
ويضيف في السياق ذاته، أن «النيجر اختارت تعزيز شراكتها العسكرية والأمنية مع فرنسا، واستقبلت أكثر من ألف جندي فرنسي انسحبوا من مالي، كما توجهت النيجر إلى شراء الأسلحة التركية، فأبرمت صفقة لشراء مروحيات وطائرات من دون طيار تركية الصنع، نفس الطائرات بدأت بوركينا فاسو تخطط لشرائها».
ويؤكد سيديك آبَّا أن «لكل بلد مقاربته الخاصة، ولا أعتقد أن هنالك بلداناً في شبه المنطقة قد تقلد مالي في شراكتها مع موسكو، وأنا شبه متأكد من ذلك»، مشيراً في السياق ذاته إلى أن «السلاح الروسي ليس بالغريب على منطقة الساحل، رغم أن الحديث عنه زاد مؤخراً، ولكننا نعلم أن النيجر اقتنت في السابق مروحيات ميغ من موسكو لمحاربة تمرد الطوارق، وهنالك كميات كبيرة من السلاح الروسي في منطقة الساحل، لعبت أدواراً كبيرة في حركات التمرد والحروب، ومن هنا يمكنني القول إن السلاح الروسي لن يكونَ جزءاً من الحل، ولا أي سلاحٍ آخر».
وعبر الكاتب النيجري عن قلقه حيال سباق «التسلح الصامت» الدائر في غرب أفريقيا، وهو سباق سببه الأول رغبة القوى الدولية في بيع أسلحتها، وقال في هذا السياق، إن «منطقة غرب أفريقيا أصبحت سوقاً كبيرة للسلاح، ولكن هذا السلاح لم يغير أي شيء وإنما زاد من تعقيد الأوضاع الأمنية، إذ يكفي أن نعلم أن نيجيريا من أجل مواجهة جماعة بوكو حرام، أنفقت 1.3 مليار دولار على السلاح الأميركي، خلال حكم دونالد ترمب وما مضى من حكم جو بايدن».
> تهريب السلاح
وفي ظل القلق المتنامي من سباق التسلح الصامت في غرب أفريقيا، يعتقدُ الباحث الموريتاني المختص في الشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك، أن الوضع يجعلُ مالي مقبلة على «السيناريو الأسوأ»، معتمداً على التجارب السابقة للسّلاح الروسي في أفريقيا، ويوضح في حديثه مع «الشرق الأوسط»، أنه «قياساً على بعض البلدان الأفريقية الأخرى، التي دخلتها مجموعة فاغنر، وحظيت بالدعم العسكري الروسي، على غرار ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وغيرها، فإن مالي مقبلة على سيناريو أكثر خطورة مما هو متوقع».
وأضاف في السياق ذاته، أن الدول التي سبق أن دخلها السلاح الروسي، ضمن سباق التسلح العالمي «تشهد نشاطاً كبيراً لمهربي السّلاح، وهذا ما فتح جبهات أمنية أخرى أشد خطورة، وأصبح السلاح نشاطاً تجارياً ومصدر تمويل مربحاً، تستفيد منه حتى الجماعات المسلحة نفسها، وهكذا تنتقل عدوى عدم الاستقرار إلى دول أخرى آمنة، وهذا السيناريو هو ما يُخشى تكراره في منطقة الساحل، بعد الوجود العسكري الروسي المتنامي في مالي».
ولم يستبعد الباحث الموريتاني أن تتحول دولة مالي في المستقبل القريب إلى «مصدر لتهريب السلاح»، وفي ذلك خطر كبير يثير قلق دول الجوار، وأضاف: «السّلاح الروسي المتفقد على مالي سيعمق الانتهاكات الإنسانية والحقوقية في البلد، ويذكي الصراع بين مكوناته الاجتماعية، وستكون (فاغنر) هي الرابحُ الأول حينها، فمن ناحية تستفيد من المتاجرة بالسلاح ونشاط التهريب في المنطقة، ومن ناحية أخرى تستفيد من استغلال موارد مالي الطبيعية، لأن ميزانية الدولة على المدى المتوسط لن تكون قادرة على توفير الـ10 ملايين دولار شهرياً، التي يتحدث الغرب عن أنها مبلغ الصفقة بين باماكو وفاغنر».
ويضيف ولد السالك أن «وسائل إعلام مالية قالت إن فاغنر تمتلك نسبة 78 في المائة من أسهم الشركة الوطنية المسؤولة عن تعدين الذهب وتكريره، كما قالت وسائل إعلام أميركية إن المجموعة الروسية ابتعثت جيولوجيين وخبراء للتنقيب إلى مالي، وكل ذلك يؤكد استغلال موارد مالي مقابل السّلاح، رغم أن فرنسا لم تكن بالطبع استثناء من ذلك، ولن يسلم منه أي حليف دولي آخر، الفرق فقط يكمن في الطرق والآليات»، على حد تعبيره.
> التدخل الدولي
أمام الوضع الأمني المتردي في منطقة الساحل، والمستقبل الغامض والمليء بالشك، لا تتقاعس حكومات دول غرب أفريقيا عن حضور معارض السلاح التي تقامُ عبر العالم سنوياً، وتعقد على هامشها صفقات واتفاقيات تُنفقُ فيها مليارات الدولار، في سباق محموم بدأ يظهر على شكل توتر في العلاقات بين دول المنطقة.
وقال الخبير الأمني البوركينابي مامادو سوادوغو في حديثه مع «الشرق الأوسط»، إن صراع القوى الدولية على سوق السلاح في غرب أفريقيا «أصبح يؤثر على العلاقات بين الدول، وشاهدنا كيف تدهورت العلاقات بين النيجر ومالي، حين قررت الأخيرة التوجه نحو موسكو بدل باريس، وقررت الأولى تعزيز شراكتها مع باريس، وهنا تحضر الأجندات الخارجية لتعقد الوضع على الأرض، لأن التنسيق الأمني بين مالي والنيجر توقف بشكل شبه تام، والمستفيد الأول هو الجماعات الإرهابية، الشيء نفسه حدث بين مالي وبوركينا فاسو، فالعلاقات ليست في أفضل حال، وشاهدنا أيضاً الأزمة التي وقعت بين مالي وكوت ديفوار». وأضاف الخبير الأمني والعسكري أن «الصراع الدولي ألقى بظلاله على شبه المنطقة، فالعلاقات بين دول غرب أفريقيا تعيش واحدة من أصعب فتراتها، وذلك من تداعيات الصراع بين المعسكر الغربي من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى».
أما الكاتب والصحافي النيجري سيديك آبَّا، فيعتقد أن على دول الساحل التوجه نحو «السلاح الأفريقي» كبديل للسلاح الغربي والروسي، مشيراً إلى أن هنالك عدة دول أفريقية تطورت فيها الصناعة العسكرية، على غرار مصر وجنوب أفريقيا، ولكن الكاتب النيجري يقدم فكرته ضمن ما يسميه مشروع «التضامن الأفريقي»، من خلال إيجاد حلول أفريقية للمشاكل الأفريقية. وأوضح الكاتب النيجري أن «التضامن الأفريقي هو الضامن الوحيد لمنع التدخلات الخارجية، التي من شأنها أن تجعل الدول الأفريقية في مواجهة، بعضها مع بعض، فعلى سبيل المثال فرنسا قد تعمل على الإيقاع بين مالي والنيجر، أو الإيقاع بين مالي وكوت ديفوار، وتركيا قد تقوم بالشيء نفسه، والصين أيضاً وروسيا، إنها لعبة المصالح التي تتحكم في كل شيء».
من جانبه، يعتقدُ الباحث الموريتاني المختص في الشأن الأفريقي محفوظ ولد السالك، أن «إيجاد مقاربة أفريقية محلية بعيدة عن الارتهان للأطراف الدولية، تعوقه الوسائل والقدرات، لأن أفريقيا غير قادرة على إنتاج سلاحها ومتطلباتها التنموية، وبالتالي ستظل دائماً بحاجة لسند دولي في معارك الأمن والتنمية والاستقرار».
ويخلص ولد السالك إلى أن «التدخل الأجنبي في أفريقيا يوفر حماية سياسية لكثير من الأنظمة السياسية، التي تريد البقاء في السلطة مهما كلفها ذلك، والثمنُ غالباً ما يكون مدفوعاً من الثروات القابعة في باطن الأرض، من ذهب ونفط وغاز».


مقالات ذات صلة

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

العالم إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

إسقاط مسيّرة قرب قاعدة جوية روسية في القرم

أعلنت السلطات المعينة من روسيا في القرم إسقاط طائرة مسيرة قرب قاعدة جوية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا، في حادثة جديدة من الحوادث المماثلة في الأيام القليلة الماضية. وقال حاكم سيفاستوبول ميخائيل رازفوجاييف على منصة «تلغرام»: «هجوم آخر على سيفاستوبول. قرابة الساعة 7,00 مساء (16,00 ت غ) دمرت دفاعاتنا الجوية طائرة من دون طيار في منطقة قاعدة بيلبيك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

الاتحاد الأوروبي يحذّر موسكو من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل روسيا، اليوم الخميس، من استغلال الهجوم المفترض على الكرملين الذي اتهمت موسكو كييف بشنّه، لتكثيف هجماتها في أوكرانيا. وقال بوريل خلال اجتماع لوزراء من دول الاتحاد مكلفين شؤون التنمي«ندعو روسيا الى عدم استخدام هذا الهجوم المفترض ذريعة لمواصلة التصعيد» في الحرب التي بدأتها مطلع العام 2022. وأشار الى أن «هذا الأمر يثير قلقنا... لأنه يمكن استخدامه لتبرير تعبئة مزيد من الجنود و(شنّ) مزيد من الهجمات ضد أوكرانيا». وأضاف «رأيت صورا واستمعت الى الرئيس (الأوكراني فولوديمير) زيلينسكي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
العالم هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

هجوم بطائرة مسيرة يستهدف مصفاة «إلسكاي» جنوب روسيا

ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، صباح اليوم (الخميس)، نقلاً عن خدمات الطوارئ المحلية، أن حريقاً شب في جزء من مصفاة نفط في جنوب روسيا بعد هجوم بطائرة مسيرة. وقالت «تاس»، إن الحادث وقع في مصفاة «إلسكاي» قرب ميناء نوفوروسيسك المطل على البحر الأسود. وأعلنت موسكو، الأربعاء، عن إحباط هجوم تفجيري استهدف الكرملين بطائرات مسيرة، وتوعدت برد حازم ومباشر متجاهلة إعلان القيادة الأوكرانية عدم صلتها بالهجوم. وحمل بيان أصدره الكرملين، اتهامات مباشرة للقيادة الأوكرانية بالوقوف وراء الهجوم، وأفاد بأن «النظام الأوكراني حاول استهداف الكرملين بطائرتين مسيرتين».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

روسيا تتعرض لهجمات وأعمال «تخريبية» قبل احتفالات 9 مايو

تثير الهجمات وأعمال «التخريب» التي تكثّفت في روسيا في الأيام الأخيرة، مخاوف من إفساد الاحتفالات العسكرية في 9 مايو (أيار) التي تعتبر ضرورية للكرملين في خضم حربه في أوكرانيا. في الأيام الأخيرة، ذكّرت سلسلة من الحوادث روسيا بأنها معرّضة لضربات العدو، حتى على بعد مئات الكيلومترات من الجبهة الأوكرانية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية. تسببت «عبوات ناسفة»، الاثنين والثلاثاء، في إخراج قطارَي شحن عن مساريهما في منطقة محاذية لأوكرانيا، وهي حوادث لم يكن يبلغ عن وقوعها في روسيا قبل بدء الهجوم على كييف في 24 فبراير (شباط) 2022. وعلى مسافة بعيدة من الحدود مع أوكرانيا، تضرر خط لإمداد الكهرباء قرب بلدة في جنو

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.


كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.