انقلابيو اليمن يستحدثون سجوناً جديدة ويوسعون معتقلات سابقة

بغرض استيعاب المزيد من المختطفين والمعارضين لسلطتهم

سجناء أجبرتهم الجماعة الحوثية على الاستماع لدروس طائفية في الحديدة (إعلام حوثي)
سجناء أجبرتهم الجماعة الحوثية على الاستماع لدروس طائفية في الحديدة (إعلام حوثي)
TT

انقلابيو اليمن يستحدثون سجوناً جديدة ويوسعون معتقلات سابقة

سجناء أجبرتهم الجماعة الحوثية على الاستماع لدروس طائفية في الحديدة (إعلام حوثي)
سجناء أجبرتهم الجماعة الحوثية على الاستماع لدروس طائفية في الحديدة (إعلام حوثي)

مع استمرار الميليشيات الحوثية منذ انقلابها في إيقاف التنمية وإحداث تدهور حاد بالخدمات الأساسية لدرجة أن اليمن بات يعاني نتيجتها أسوأ مجاعة على مستوى العالم، أقدمت الميليشيات في الفترة الأخيرة على استحداث سجون إضافية وأجرت عمليات توسعة لمعتقلات سابقة، لاستيعاب المزيد من المختطفين والمعارضين لأعمالها الانقلابية.
في هذا السياق، أفادت مصادر يمنية حقوقية لـ«الشرق الأوسط»، باستحداث الجماعة على مدى شهرين ماضيين عشرات السجون والمعتقلات الجديدة، إلى جانب تسخيرها ملايين الريالات في سبيل إجراء توسعة لعدد من السجون الخاضعة لها. وبهدف تمكين الميليشيات من استيعاب أعداد أخرى من المختطفين الجدد، كشفت المصادر عن إنشاء الجماعة خلال ثمانية أسابيع أكثر من 35 سجنا جديدا بأماكن عدة في صنعاء العاصمة وإب والبيضاء وغيرها.
وذكر ثلاثة نشطاء حقوقيون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن المعتقلات الجديدة ستضاف إلى نحو 275 سجنا كانت استحدثتها الميليشيات على مدى الأعوام الماضية في أماكن غير مخصصة للاحتجاز ولا تخضع لأبسط المعايير الدولية.
وفيما تركز الميليشيات منذ انقلابها على استحداث المعتقلات وتشييد المقابر، يرى السكان في مناطق سيطرتها أن ذلك أمر اعتيادي يليق بالجماعة التي «لا تؤمن إلا بثقافة الموت والقمع والتنكيل والابتزاز والتدمير».
ويهاجم «س.و» وهو ناشط في محافظة إب الجماعة الحوثية في حديثه لـ«الشرق الأوسط» ويقول إن اليمنيين لا يحتاجون إلى سجون ومعتقلات أومقابر، بل هم بأمس الحاجة إلى مرتبات وخدمات أساسية ومشتقات وغاز طهي وتعليم وصحة بعيدا عن أي تمييز أو طائفية، وبحاجة إلى بلد يتعايش فيه الجميع دون أي تفرقة عنصرية أو مذهبية.
وعلى صعيد تحركات الانقلابيين نحو إجراء عمليات توسعة للسجون الخاضعة لهم، أقر قادتهم في محافظة إب قبل يومين إنزال مناقصة خاصة بمشروع توسعة السجن المركزي في المحافظة بتمويل من وزارة داخليتهم ، التي يديرها عم زعيم الجماعة عبد الكريم أمير الدين الحوثي، وفق ما أوردته النسخة الحوثية من وكالة «سبأ».
وتجاهل اجتماع قادة الميليشيات التطرق إلى ما تعانيه محافظة إب ونحو 22 مديرية تابعة لها من غياب لأبسط الخدمات وتوقف تام لمشاريع التنمية مع تفشي الفساد وما تشهده من فوضى أمنية عارمة زاد معها معدل الجرائم من أعمال القتل والنهب والسرقة، التي يقف خلف كثير منها عصابات مرتبطة بقادة في الجماعة.
وتواصلا لعمليات توسيع السجون الحوثية الحالية، نظرا لارتفاع أعداد المعتقلين والمخفيين قسرا، أفادت وسائل إعلام الجماعة بأن قادتها في محافظة البيضاء تابعوا سير أعمال توسعة السجن المركزي في مركز المحافظة.
وكان أحدث تقرير حقوقي محلي وثق أكثر من ألفي حالة إخفاء قسري لمختطفين ارتكبتها الميليشيات الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب.
وأكدت المنظمة اليمنية للأسرى والمختطفين في تقريرها أنها وثقت «2002 حالة اختفاء قسري في سجون الجماعة بينهم 125 طفلا و1861 رجلا و16 امرأة».
وأشار التقرير إلى أن المناطق تحت سيطرة الجماعة احتوت على عدد كبير من السجون والمعتقلات العامة، حيث تم إخفاء آلاف المعارضين والناشطين المناهضين للجماعة، ومورس بحقهم مختلف أنواع التعذيب والانتهاكات الخطيرة.
ويعد إنشاء السجون من الأولويات عند كل توسع يقوم به الحوثيون، إذ تتزايد في المناطق الجديدة أعداد السجون، ويقوم الحوثيون بنقل السجناء من مراكز الشرطة إلى أماكن سرية ومجهولة دون أوامر قضائية.
وأكد التقريرأن الميليشيات تدير 639 سجنا منها 230 سجناً رسمياً و298 سرياً، إضافة إلى استحداث 111 سجناً خاصاً موجودة داخل أقبية المؤسسات الحكومية كالمواقع العسكرية، وأخرى موجودة في مبان مدنية كالوزارات والإدارات العامة، تأتي العاصمة صنعاء في المرتبة الأولى بواقع 110 مواقع للتعذيب والاحتجاز تليها محافظة إب بـ91 موقعا، ثم محافظة الحديدة بـ78 موقعا، كما توزعت البقية على بقية المحافظات. وتتوزع كثير من سجون الانقلابيين، وفق التقرير، في مراكز غير رسمية وغير مخصصة للاحتجاز، ومنها المباني السكنية والمدارس والجامعات، وكلها أماكن ، قال التقرير إنه لا تتوافر فيها أدنى المعايير الدولية والوطنية اللازم توافرها في أماكن الاحتجاز، فيما يتعلق بالنظافة والتهوية الجيدة، وتأمين الرعاية الصحية الضرورية، فضلاً عن نقص شديد في الماء والكهرباء والمستلزمات الأساسية، حسب المنظمة.
وأكدت المنظمة توثيقها عدد 178 حالة تعذيب مفض إلى الموت بينهم 10 أطفال و3 نساء بالإضافة إلى عدد 16 حالة موت بسبب الإهمال الطبي المتعمد، حيث جاءت محافظة الحديدة في المرتبة الأولى بواقع 40 حالة تليها العاصمة صنعاء بواقع 37 حالة ثم محافظة تعز بـ20 حالة ثم بقية المحافظات.
وأشارت المنظمة إلى أن 27 سجينا توفوا بعد الإفراج عنهم من سجون ميليشيات الحوثي وتأتي العاصمة في المرتبة الأولى بـ8 حالات تليها محافظة تعز بـ6 حالات ثم محافظة عمران بـ3 حالات ثم بقية المحافظات.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

المشرق العربي جانب من إخضاع الحوثيين سكاناً في مدينة الحديدة للتعبئة القتالية (فيسبوك)

الحوثيون يُخضعون إعلاميين وناشطين في الحديدة للتعبئة

بعد أن أخضعت العشرات منهم لدورات تدريبية تعبوية، منعت الجماعة الحوثية إعلاميين وصحافيين وناشطين حقوقيين في محافظة الحديدة اليمنية (223 كلم غرب صنعاء) من العمل.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي جرافة حوثية تهدم محلاً تجارياً في إحدى المناطق التابعة لمحافظة الضالع (فيسبوك)

اعتداءات مسلحة أثناء تحصيل الحوثيين جبايات في الضالع

يتهم سكان محافظة الضالع اليمنية الجماعة الحوثية بارتكاب ممارسات إجرامية خلال تحصيل إتاوات تعسفية وغير قانونية من الباعة والتجار والسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مركز الملك سلمان وقع اتفاقية تعاون لتنفيذ مشروع العودة إلى المدارس في اليمن (واس)

«مركز الملك سلمان» يوقع اتفاقيات لتعزيز التعليم والصحة في اليمن

وقع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية»، اتفاقيات متنوعة لتعزيز القطاع التعليمي والطبي في محافظات يمنية عدة يستفيد منها ما يزيد على 13 ألف فرد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي انتهاكات جسيمة بحق الصحافة والصحافيين ارتكبتها الجماعة الحوثية خلال سنوات الانقلاب والحرب (إعلام محلي)

تأسيس شبكة قانونية لدعم الصحافيين اليمنيين

أشهر عدد من المنظمات المحلية، بالشراكة مع منظمات أممية ودولية، شبكة لحماية الحريات الصحافية في اليمن التي تتعرّض لانتهاكات عديدة يتصدّر الحوثيون قائمة مرتكبيها.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أطفال مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خلال مشاركتهم في مخيم ترفيهي (فيسبوك)

الموت يهدّد آلاف مرضى السرطان في إب اليمنية

يواجه الآلاف من مرضى السرطان في محافظة إب اليمنية خطر الموت بسبب إهمال الرعاية الطبية وسط اتهامات للجماعة الحوثية بنهب الأدوية والمعونات

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».