«ساكن متحرك»... رصد مسرحي للتحولات النفسية في حياة ممثل

العمل السعودي يخلو من الحبكة التقليدية ويعتمد قدرات خاصة

العرض المسرحي السعودي «ساكن متحرك» (الشرق الأوسط)
العرض المسرحي السعودي «ساكن متحرك» (الشرق الأوسط)
TT

«ساكن متحرك»... رصد مسرحي للتحولات النفسية في حياة ممثل

العرض المسرحي السعودي «ساكن متحرك» (الشرق الأوسط)
العرض المسرحي السعودي «ساكن متحرك» (الشرق الأوسط)

موسيقى هادئة لا تلبث أن تتصاعد، فيما الظلام مهيمن على فضاء المسرح تماماً... يأتي الصوت الوحيد رخيما هادئا وهو يغني على سبيل «الدندنة» والتسلية: مضناك جفاه مرقده وبكاه- ورحم عوّده حيران القلب معذبه- مقروح الجفن مسهده... وبينما توحي تلك الكلمات بثقافة موسيقية رفيعة تعكس رزانة ووقاراً كونها مطلع قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي الشهيرة التي غناها ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1938على مقام «حجاز»، ينقشع الظلام جزئياً لنشاهد أحد الممثلين وسط كواليس عمله المسرحي اليومي من ملابس وديكورات وإكسسوارات، تعصف به حالات نفسية متناقضة من الصمت والصراخ، والضحك والعبوس، والسكون والتدريبات الرياضية، والتحدث بالفصحى واللجوء إلى العامية المطعمة بعبارات كاملة بالإنجليزية.
هكذا بدت الملامح الأولى للعرض المسرحي السعودي «ساكن متحرك» الذي عُرض مساء الثلاثاء على مسرح «الهناجر»، ضمن فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان «أيام القاهرة الدولي للمونودراما» والتي تستمر حتى 16 سبتمبر (أيلول) الجاري، كما يعاد عرضه على مسرح «روابط» في الثامنة مساء الأربعاء بوسط القاهرة.
وتكمن صعوبة العرض، وتحدياته الجمالية، كونه يعتمد على ممثل واحد فقط، يقع على عاتقه هو بمفرده توصيل عناصر العمل من تصاعد درامي ومشاعر متناقضة فلا أحد غيره يشاركه الحدث أو يبادله الحوار. وحسب نقاد ومؤرخين، فإن «المونودراما» تعد أحد أنواع التجريب والتجديد في فن المسرح حيث تخلو من الحبكة التقليدية، ويعود تاريخها الحديث إلى بعض أعمال الممثل والكاتب المسرحي الألماني جوهان كريستيان براندس (1735 – 1799)، لكن أول من أطلق هذا المصطلح على عمل مسرحي كان الشاعر البريطاني ألفريد تنيسون (1809 – 1892). ومن أبرز خصائص هذا اللون المسرحي الفردية والانعزالية والصراع الداخلي والبحث عن الخلاص الفردي دون الاهتمام بالخلاص الجماعي.
ويؤكد مؤلف المسرحية فهد ردة الحارثي، أنه «حاول في هذا النص الابتعاد عن الشحن النفسي والتفريغ العاطفي الذي يحدث عادةً في حالات نصوص المونودراما التي تعد صعبة لكنها فاتنة»، على حد تعبيره، مشيراً في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أن «هذا اللون من المسرح يتطلب تمكناً خاصاً من المخرج فضلاً عن ممثل يشبه الحواة في قدراته الإبداعية حتى يتمكن من الإمساك بجميع أطراف اللعبة الفنية»، مؤكداً أن «تلك المواصفات تحققت في كل من مخرج العرض أحمد الأحمري وممثله الوحيد بدر الغامدي».
ويضيف الحارثي أن تجربته مع مسرح المونودراما بدأت في منتصف التسعينات من القرن الماضي، حتى أصبحت الحصيلة ثمانية أعمال منها (زين، وخليك رجال، ويوشك أن ينفجر) والتي عُرض معظمها في المغرب والجزائر وتونس وسوريا ولبنان فضلاً عن مصر، مشيراً إلى أنه في «ساكن متحرك» يُحدث نوعاً من التماس مع قضايا المجتمع من خلال يوميات شاب مسرحي.
وكان اللافت في أداء الغامدي حيويته الشديدة كممثل شاب نجح في تقديم أداء حركي متنوع، فضلاً عن التلاعب بنبرته الصوتية ما بين الصياح والهمس، والفصحى والعامية، وهو يروي معاناة الفنان المسرحي من أجل تقديم عمل مختلف وكيف يتحول أحياناً الخلاف بين صناع العرض من تباين في وجهات النظر إلى صراع وضغوط بهدف تحقيق حلم يصنع السعادة أو يجلب الإحباط.
وتلعب الإضاءة أحد أدوار البطولة في العرض، حيث إن الظلام على خشبة المسرح هو القاعدة بينما تتابع كرة الضوء المتحركة حركة الممثل، فيما جاء الديكور بسيطاً يعتمد على بعض مفردات العرض المسرحي.
ويشدد المسرحي السعودي سامي الزهراني، رئيس «فرقة الطائف للمسرح» التي تقدم هذا العمل، على «سعادته البالغة بالأصداء الطيبة التي يحققها العرض في القاهرة كأول مدينة خارج المملكة تستضيف تلك التجربة بعد الطائف وجدة»، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أنه «من المهم للغاية الوجود في محفل عالمي نوعي مثل مهرجان (أيام القاهرة للمونودراما) حيث الجمهور المتذوق والحركة النقدية الفاعلة، فضلاً عن الاحتكاك بتجارب مختلفة من الولايات المتحدة ورومانيا وأوكرانيا وهولندا والمغرب وتونس والأردن والسودان والعراق ومصر».



«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».