ما دور حرب أوكرانيا في تحول الجيش الألماني من الدفاع إلى الهجوم؟

برلين تعمل مع تل أبيب لتطوير منظومتها العسكرية

لابيد مع شولتز في برلين خلال الإعلان عن اتفاق لتطوير منظومة ألمانيا العسكرية (إ.ب.أ)
لابيد مع شولتز في برلين خلال الإعلان عن اتفاق لتطوير منظومة ألمانيا العسكرية (إ.ب.أ)
TT

ما دور حرب أوكرانيا في تحول الجيش الألماني من الدفاع إلى الهجوم؟

لابيد مع شولتز في برلين خلال الإعلان عن اتفاق لتطوير منظومة ألمانيا العسكرية (إ.ب.أ)
لابيد مع شولتز في برلين خلال الإعلان عن اتفاق لتطوير منظومة ألمانيا العسكرية (إ.ب.أ)

منذ فترة طويلة وألمانيا تشهد تغيرات تاريخية، لعل أهمها تلك المتعلقة بجيشها وأنظمتها الدفاعية. فألمانيا حرصت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أن تبقى دولة «ضعيفة عسكريا»، من جهة لطمأنة جيرانها الأوروبيين، ومن جهة أخرى كعقاب لنفسها على ما ارتكبته آلياتها العسكرية في الماضي. ولكن اعتداء روسيا على أوكرانيا في فبراير (شباط) الماضي، قلب هذه السياسة المترسخة في العقلية العسكرية الألمانية منذ نهاية الحرب، ودفع بمستشارها الاشتراكي أولاف شولتز إلى الإعلان عن تخصيص ميزانية ضخمة قيمتها ١٠٠ مليار يورو لإعادة تأهيل الجيش الهرم. وكان قرار شولتز لافتا أكثر؛ كونه جاء من مستشار ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي لطالما عارض داخل البرلمان التدخلات العسكرية للجيش الألماني ضمن مهمات دولية في الخارج.
وأخذ شولتز إعادة تأهيل القوات العسكرية الألمانية خطوة أبعد عندما وقف إلى جانب رئيس الحكومة الإسرائيلي يائير لابيد في برلين ليعلن عن اتفاق بين الدولتين لتطوير منظومة ألمانيا العسكرية. ورغم أن ألمانيا تملك أحدث الأسلحة وأكثرها تطورا، قد يكون بعض منها ساعد أوكرانيا على قلب المعادلة العسكرية مؤخرا، فإن لجوءها لإسرائيل لتطوير منظومتها الدفاعية هذه، يحمل دلالات سياسية مهمة.
وذكر شولتز في المؤتمر الصحافي مع لابيد، كيف دفع «الاعتداء الروسي» بألمانيا إلى تغيير سياستها الدفاعية، وكيف خصص ميزانية خاصة لتطويرها، مضيفا أن ألمانيا ستعمل مع إسرائيل أيضا في هذا الجانب خاصة أنها «تملك عرضا قويا يتعلق بمنظومة دفاع سهم ٣». وتعد هذه المنظومة من أحدث المنظومات الدفاعية، وهي من صناعة إسرائيلية، ويمكن للصواريخ التي تحملها المنظومة أن تخترق الغلاف الجوي للأرض، وتعترض أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو نووية. وتعتمد ألمانيا منذ عقود على الحماية العسكرية من الولايات المتحدة التي تنشر صواريخ نووية في مواقع سرية داخل ألمانيا، ولديها قواعد عسكرية واسعة تستخدمها لعملياتها في المنطقة. ومنذ سنوات، ترتفع الأصوات المطالبة باستقلالية ألمانيا عن الولايات المتحدة فيما يتعلق بدفاعها، ولكن برلين لم تتجرأ على اتخاذ تلك الخطوة إلا بعد التدخل الروسي في أوكرانيا. ويكرر شولتز مؤخرا أن لدى ألمانيا «الكثير للحاق به» فيما يتعلق بالأنظمة الدفاعية لألمانيا.
ولم يعط شولتز ولابيد تفاصيل كثيرة عن الاتفاق الذي ما زال لم يتم التوقيع عليه بعد، ويبدو أنه في طور التفاوض. وقال لابيد عندما سئل عنه، بأنه يدل «على التزامنا الكامل بأمن ألمانيا وأوروبا، ويتعلق بالحاجة لكي تتمكن الديمقراطيات من أن تدافع عن نفسها، وأن نكون جزءا من هذه الجهود». وأضاف «ألمانيا هي واحدة من أقرب أصدقائنا في أوروبا».
وجاءت هذه الصداقة الخاصة بين إسرائيل وألمانيا نتيجة ماض سيئ، وقد ظهر ذلك جليا في الزيارة التي قام بها شولتز مع لابيد بعد لقائهما في برلين، إلى قصر فانزي القريب من برلين، حيث التقى الرجلان بناجين من المحرقة. ويحمل القصر دلالات تاريخية مؤلمة لألمانيا، فهو المكان الذي استقبل اجتماعا لكبار المسؤولين النازيين عام ١٩٤٢ واتخذ فيه القرار بما يعرف بـ«الحل النهائي» الذي أجاز القتل الجماعي لليهود.
ولا يمر يوم في ألمانيا من دون أن يلاحقها تاريخها، ولا من دون أن تذكرها إسرائيل به. فقبل أسبوع من حضور لابيد إلى برلين، جاء ضيفا على العاصمة الألمانية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ الذي التقى بنظيره الألماني فرنك فالتر شتاينماير واستمع منه لاعتذار حول دور ألمانيا في عملية ميونيخ. وكانت زيارة هرتزوغ لإحياء الذكرى الخمسين على وقوع العملية التي قتل فيها ١١ لاعبا إسرائيليا خلال الألعاب الأولمبية على يد مسلحين فلسطينيين، قتل ٥ منهم يوم العملية. وأنقذت ألمانيا نفسها من فضيحة في اللحظات الأخيرة بعد موافقتها على دفع تعويضات جديدة لعائلات ضحايا اعتداء ميونيخ الذين كانوا هددوا بمقاطعة الاحتفال بالذكرى في حال ظلت ألمانيا رافضة لدفع التعويضات.
وجاءت زيارة لابيد أيضا على وقع جدل تسببت به زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل بضعة أسابيع، وكلامه عن «٥٠ هولوكست» أثناء المؤتمر الصحافي المشترك مع شولتز. وأخذت الأسئلة حول عدم مواجهة شولتز لعباس بعد كلامه هذا، حيزا كبيرا من المؤتمر الصحافي لشولتز ولابيد في برلين. ومع أن عباس أوضح لاحقا إلى أنه لم يقصد «نكران المحرقة» فإن الانتقادات لشولتز لم تتوقف، ووجد نفسه في موقع الدفاع عن إسرائيل وعن أكثر من مرة.
ورغم كل هذا، يبدو أن إسرائيل ما زالت عاجزة عن تحقيق هدف واحد مع ألمانيا: إقناعها بالتخلي عن المفاوضات النووية مع إيران. فهي لم تنجح بمقايضة ألمانيا بالتخلي عن هذه المفاوضات مقابل منظومة دفاعية متطورة والغاز الذي وعدتها به لتعويض الغاز الروسي. فبقي شولتز مصرا على أن الأطراف الغربية «ما زالت صبورة» في انتظار رد إيران على التوقيع على الاتفاق، من دون حتى أن يلوح بخيارات أخرى في حال رفضت إيران التوقيع، في وقت كان ضيفه الإسرائيلي يتحدث عن أن «الحرية بحاجة للدفاع عنها بالقوة أحيانا». ويقول: «البعض قد يعتقد أن الشراكة العسكرية بين ألمانيا وإسرائيل هي سخرية التاريخ، ولكن أعتقد أن هذا يعكس أننا تعلمنا الدروس الضرورية من الماضي. الكلام وحده لا يمكنه أن يوقف الشر».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
TT

لندن وطوكيو وروما تطلق مشروعها لبناء طائرة قتالية جديدة

تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)
تصميم طائرة مقاتِلة من الجيل السادس لبرنامج القتال الجوي العالمي «GCAP» مغطاة بألوان العَلم الوطني للمملكة المتحدة (أ.ف.ب)

اتفقت المملكة المتحدة وإيطاليا واليابان، اليوم الجمعة، على إنشاء شركة مشتركة لبناء طائرتها المقاتِلة الأسرع من الصوت، والمتوقع أن تجهز في عام 2035، في إطار برنامج يحمل اسم القتال الجوي العالمي «GCAP».

وأعلنت الشركات المصنّعة الثلاث المسؤولة عن تطوير الطائرة المقاتِلة، الجمعة، في بيان، أنها وقّعت على اتفاقية إنشاء الشركة التي تملك كلٌّ منها ثُلثها. والشركات هي: «بي إيه إي سيستمز (BAE Systems)» البريطانية، و«ليوناردو (Leonardo)» الإيطالية، و«جايك (JAIEC)» اليابانية، التي أنشأتها، على وجه الخصوص، شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.

وأنشئت الشركة المشتركة، التي ستبدأ أنشطتها منتصف عام 2025، في إطار برنامج القتال الجوي العالمي الذي أُعلن في عام 2022 بالشراكة بين لندن وروما وطوكيو. وستحلّ الطائرة الضخمة ذات الذيل المزدوج على شكل حرف V محل طائرات «إف-2» (F-2) اليابانية ومقاتِلات يوروفايتر الإيطالية والبريطانية. ومن المتوقع أن يمتد عمرها الافتراضي إلى ما بعد عام 2070، وفقاً للبيان.

وفي حال احترام الجدول الزمني، الذي وضعه القائمون على المشروع، فإنها ستدخل الخدمة قبل خمس سنوات على الأقل من الطائرة التي يبنيها مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي «SCAF» الذي تُنفذه فرنسا وألمانيا وإسبانيا.