درنة الليبية تنتقل من سيطرة «داعش» إلى متطرفين آخرين

حكومة الثني تعلن عن مصالحة مع قبيلة العبيدات بعد محاولة اغتياله

أفراد من القوات الموالية للحكومة تعتلي ظهر دبابة في منطقة لاملودة جنوب غربي مدينة درنة الليبية أمس (رويترز)
أفراد من القوات الموالية للحكومة تعتلي ظهر دبابة في منطقة لاملودة جنوب غربي مدينة درنة الليبية أمس (رويترز)
TT

درنة الليبية تنتقل من سيطرة «داعش» إلى متطرفين آخرين

أفراد من القوات الموالية للحكومة تعتلي ظهر دبابة في منطقة لاملودة جنوب غربي مدينة درنة الليبية أمس (رويترز)
أفراد من القوات الموالية للحكومة تعتلي ظهر دبابة في منطقة لاملودة جنوب غربي مدينة درنة الليبية أمس (رويترز)

رغم الانهيار المعلن لسطوة تنظيم داعش على مدينة درنة معقل الجماعات المتطرفة في شرق ليبيا، فإن المدينة ما زالت بعيدة عن سيطرة أي قوات موالية للسلطات الشرعية في ليبيا. وقال مسؤول بارز في الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني لـ«الشرق الأوسط» نعم يبدو أن «تنظيم داعش يلفظ أنفاسه الأخيرة في المدينة، لكن مع الأسف فإن متطرفين آخرين باتوا الآن يسيطرون على مقاليد الأمور فيها».
وتبخر تنظيم داعش وانتهت أسطورته الإعلامية في المدينة، بعدما تمكن تنظيم متطرف آخر يحمل اسم مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها، من استعادة السيطرة على معظم المناطق الحيوية التي استولى عليها تنظيم داعش مؤخرا في المدينة.
وشكل المجلس تحالفا مفاجئا مع السكان المحليين ودارت اشتباكات عنيفة ضد عناصر «داعش»، عززها قيام الجيش الوطني الليبي بشن غارات جوية مكثفة على مواقع تابعة لتنظيم داعش.
ولا يبدو أن ثمة اتصالات تمت بشكل سري أو بعيدا عن الأضواء بين الجيش والتحالف المؤقت، لكن مصادر عسكرية وأمنية تحدثت في المقابل عما وصفته بتصالح المصالح الذي أدى في نهاية المطاف إلى التركيز على العدو المشترك على حد قولها.
وفى علامة على بدء عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة وبمثابة إعلان رسمي عن سيطرته شبه الكاملة على المدينة، أعلن مجلس شورى مجاهدي درنة أنه سيتم قريبا فتح باب الزيارة للمقبوض عليهم من عناصر «داعش» مراعاة لحقوق أسرهم فقط.
كما كشف عن خطة لإنشاء مجلس أعيان ليقوم على الشؤون المدنية والاجتماعية للمدينة، وتعهد بالتعاون معه معاونة اﻷبناء لآبائهم، على حد وصفه.
لكن ثمة شكوك حول الطريقة التي انتهى إليها مصير تنظيم داعش بشكل مفاجئ في درنة، فلا أحد لديه تصور حقيقي عما جرى للمئات من عناصر التنظيم الذين اعتادوا الظهور في عروض عسكرية وهم يجوبون شوارع المدينة قبل بضعة شهور في استعراض للقوة.
ورغم أن مجلس شورى مجاهدي درنة أعلن عن مقتل وإصابة العشرات من المقاتلين الموالين لتنظيم داعش، ومع الأخذ في الحسبان اعتقال عدد مماثل منهم، فإن الغموض يكتنف مصير بقية المقاتلين الذين يقدر عددهم بعدة آلاف.
لكن مصادر عسكرية تتوقع أن يحاول الجيش الليبي قريبا فرض سيطرته على المدينة، ما يعني احتمال اندلاع مواجهات عنيفة ضد المسيطرين الجدد من مقاتلي مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها، الذين طالما جاهروا بعدائهم للجيش ورفضوا الاعتراف بشرعية الدولة.
وفى محاولة لاستغلال غياب أي تواجد رسمي للسلطات الشرعية المعترف بها دوليا، كشف خليفة الغويل رئيس ما يسمى بحكومة الإنقاذ الوطني التي تسيطر على العاصمة طرابلس منذ صيف العام الماضي، عن ارتباط مجلس شورى مجاهدي درنة بحكومته غير المعترف بها دوليا.
وقال الغويل: «نحن نشد على أيدي هؤلاء الثوار الصادقين الذين استطاعوا في وقت قصير جدًا القضاء على هؤلاء الشلة المارقة والغادرة، ورجوع مدينة درنة إلى أحضان الوطن وتحت علم الاستقلال، وتحت حكومة الإنقاذ، وشريعة المؤتمر الوطني».
وأشاد بما وصفه بانتفاضة الشارع في درنة ضد التنظيمات الإرهابية بالمدينة، مثنيا في مقابلة تلفزيونية بثتها قناة «ليبيا الوطنية» على من سماهم بثوار وأهل درنة.
إلى ذلك، أعلن آمر منطقة الجبل الأخضر التابعة للجيش الليبي، العقيد فرج البرعصي المكلف بتأمين المدن والبلدان المحيطة بمدينة درنة، عن تحرير بلدة رأس الهلال، وهي أحد أهم معاقل تنظيم داعش في المنطقة.
وقال البرعصي إن الهجوم على البلدة كان من عدة محاور دون إعطاء مزيد من تفاصيل العملية العسكرية التي حررت البلدة، أو الإشارة إلى حجم الخسائر في صفوف قوات تنظيم داعش.
وتمركز التنظيم في بلدة رأس الهلال منذ نهاية عام 2012. قبل أن يهجرها سكان البلدة أواخر عام 2014.
وقال آمر محور عين مارة العقيد سعد عقوب بأن قوات الجيش بسطت سيطرتها على كافة المناطق على ساحل الجبل الأخضر الواقعة بين مدينة سوسة إلى مشارف رأس الهلال، لافتا إلى أن قوات البرعصي سيطرت على عدة مناطق أبرزها وادي الناقة وكرسة ولاثرون والعرقوب الأبيض، بعد اشتباكات بسيطة مع عناصر تنظيم داعش.
من جهته، أعلن عبد الله الثني رئيس الحكومة الليبية المؤقتة قبوله اعتذارا رسميا قدمته له أمس قبيلة العبيدات بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في مدينة طبرق خلال جلسة استجوابه في البرلمان الشهر الماضي.
وقال مكتب الثني في بيان له بأنه عقد جلسة صلح مع قبيلة العبيدات في بلدة شحات أول من أمس وذلك لرأب الصدع، مشيرا إلى أن القبيلة اعتذرت وأكدت دعمها لمجلس النواب وحكومة الثني وتفعيل الجيش الليبي ودعمه في مكافحة الإرهاب.
من جانبه رأى الثني أن «الوطن يتعرض للكثير من المحن، لا بد أن نطوي صفحة الماضي ونعمل على تحرير كافة الأراضي الليبية من الإرهاب وعلينا جميعا أن ننحني أمام الوطن وننسى مشاكلنا الشخصية».
من جهة أخرى، شدد أعضاء مجلس الأمن على الحاجة الملحة لموافقة الأطراف الليبية على حكومة وفاق وطني، وأعلنوا عن تشجيعهم بقوة لجميع المشاركين في الحوار السياسي على النظر بشكل إيجابي في الطروحات التي تتضمنها المسودة الرابعة التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، برناردينو ليون، والالتزام بإبرام الاتفاق على وجه السرعة.
وكرر أعضاء مجلس الأمن أنه لا يمكن أن يوجد حل عسكري للأزمة في ليبيا وأن التوصل إلى اتفاق سياسي يؤدي إلى تشكيل حكومة وفاق وطني هو أمر يعد ذا أهمية حاسمة فيما يتعلق بإنهاء الأزمات السياسية والأمنية والمؤسسية في ليبيا ومواجهة الخطر المتزايد للإرهاب. ولفتوا إلى أن لجنة العقوبات مستعدة لفرض عقوبات على أولئك الذين يهددون السلام والاستقرار والأمن في ليبيا أو يعرقلون أو يقوضون إتمام انتقالها السياسي بنجاح.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.