السويد: انتخابات برلمانية اليوم... ولا توقعات بتغيير المعادلة الراهنة

يذهب السويديون اليوم إلى صناديق الاقتراع في انتخابات برلمانية عامة لا ينتظر منها أي تغيير يذكر في المعادلة البرلمانية الراهنة التي ما زال الحزب الاجتماعي الديمقراطي يتقدم فيها على منافسيه، رغم الصعود الذي كان قد حققه اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة بعد تفاقم أزمة الهجرة.
لكن ما يلفت في هذه الانتخابات التي تجري بعد أهم تحول سياسي شهدته البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما قررت الخروج عن حيادها، أو عدم انحيازها التقليدي لتطلب الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، هو أن جميع الأحزاب تغاضت عن هذا الموضوع خلال الحملة الانتخابية، وعن ملف العلاقات المتأزمة مع تركيا التي اشترطت على الحكومة السويدية تسليمها عشرات المطلوبين من الأحزاب التركية التي تصنفها أنقرة على قائمة الإرهاب، مقابل عدم ممارستها حق النقض ضد طلب الانضمام.
وتخشى الجالية التركية التي يزيد عدد أفرادها في السويد على 150 ألفاً، أن يكون هذا التغاضي مؤشراً لتوافق ضمني بين الأحزاب السياسية للتجاوب مع الشروط التركية لرفع الفيتو عن طلب الانضمام إلى المنظمة الأطلسية.
هذه الجالية التي تصوت غالبية أعضائها للحزب الاجتماعي الديمقراطي الحاكم، تعتبر أن الحكومة السويدية خانت الوعود السابقة التي كانت قد قطعتها بعدم تسليم المطلوبين إلى تركيا، وأنه في حال الفوز المرجح لهذا الحزب في انتخابات اليوم وتشكيله حكومة جديدة، فإن ستوكهولم ستتجاوب مع طلب أنقرة وتسلمها المطلوبين الذين لديها من الأحزاب الكردية.
وتجدر الإشارة إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا أحدث هزة واسعة وعميقة في الرأي العام السويدي وبين الأحزاب السياسية، دفعت بالحكومة التي ترأسها الاجتماعية الديمقراطية ماغدالينا أندرسون إلى التحرك بسرعة، بالتنسيق مع فنلندا ودعم الغالبية الساحقة من القوى البرلمانية، إلى طلب الانضمام إلى المنظمة العسكرية الأطلسية. وكان آلاف الأكراد المعروف عنهم تأييدهم الحزب الاجتماعي الديمقراطي، قد أعلنوا تأييدهم لخطوة الانضمام، لكن أحداً منهم لم يكن يتصور العواقب التي ستنجم عن تلك الخطوة.
وفي الأيام القليلة التي سبقت قرار الحكومة السويدية وتلتها، بدا أن الانضمام إلى الحلف الأطلسي كان قراراً حصرياً بيد استوكهولم وهلسنكي، لا سيما أن قادة المنظمة العسكرية كانوا يرددون بأن أبوابها مفتوحة على مصراعيها لهذين البلدين اللذين يتمتعان بنظام ديمقراطي وطيد وراسخ، ويقيمان علاقات وثيقة مع القوات المسلحة الأطلسية التي يشاركون معها في مناورات وتدريبات منذ سنوات. فضلاً عن أن انضمامهما إلى الكتلة الأطلسية، من شأنه أن يعزز قدراتها أكثر من الأعضاء الذين انضموا إليها مؤخراً، مثل مقدونيا الشمالية وألبانيا والجبل الأسود وكرواتيا.
لكن بعد ساعات فقط على إعلان السويد وفنلندا رسمياً طلب الانضمام إلى الحلف، أعلنت تركيا أن قبول طلب الانضمام مرهون بتجاوب البلدين مع مجموعة من المطالب التي كانت قد أعدتها أنقرة، رغم تأكيداتها السابقة بأنها لن تعرقل دخولهما إلى المنظمة العسكرية. إذ صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده لن تسمح لدول حاضنة للإرهاب بالانضمام إلى الحلف الأطلسي، الذي ينص نظامه الداخلي على حق أي دولة عضو في منع انضمام دولة جديدة إليه. يضاف إلى ذلك أن انضمام السويد وفنلندا لم يكن أبداً بالسهولة والسرعة التي أوحت بها التصريحات السابقة للمسؤولين الأطلسيين، إذ يقتضي موافقة الدول الثلاثين بالإجماع، ومصادقة برلماناتها.
وكان من المتوقع أن يكون موضوع الانضمام إلى الحلف الأطلسي والتنازلات التي تطالب بها تركيا، الطبق الرئيسي في الحملة الانتخابية السويدية. لكن غيابه التام عن النقاش السياسي الذي دار خلال الحملة، بدا كأنه ثمرة تسليم الأحزاب بحتمية التجاوب مع مطالب أنقرة كبطاقة دخول إلى المنظمة العسكرية الأطلسية، وقررت التغاضي عنه كلياً.
ويذكر أن الحكومة التركية كانت قد بدأت بطلب تسليمها 33 ناشطاً كردياً ملاحقاً من القضاء التركي، رغم أن بعضهم لم يعد يسكن في السويد، ورفع الحظر الذي كانت قد فرضته الحكومة السويدية على بيع أسلحة ومعدات عسكرية متطورة إلى تركيا بعد أن احتلت القوات التركية بعض المناطق التي يعيش فيها الأكراد في الشمال السوري. وبعد جهود دبلوماسية مكثفة تم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين أنقرة واستوكهولم وهلسنكي خلال القمة الأطلسية التي انعقدت في مدريد أواخر يونيو (حزيران) الفائت، مهد لتوجيه الحلف طلباً رسمياً إلى البلدين للانضمام. لكن أنقرة سارعت إلى الإعلان أن المفاوضات مع البلدين لم تصل بعد إلى خواتيمها، وأن البرلمان التركي لن يصادق على الانضمام قبل استيفاء الشروط المطلوبة.
وفيما يتبدى بوضوح أن الأحزاب السياسية السويدية تتوافق على الاستجابة للمطالب التركية لإنجاز الانضمام إلى الحلف الأطلسي، وحده حزب اليسار الشيوعي يصر على رفض طلب الانضمام ويواصل انتقاداته للحكومة التركية، ويطالب بعدم الرضوخ لشروطها. وكان هذا الحزب قد رفع خلال الحملة الانتخابية شعارات مؤيدة لحزب العمال الكردي الذي سبق لوزير الخارجية السويدية آن ليندي أن قارنته بتنظيم الدول الإسلامية.
يذكر أن بين المطلوبين على اللائحة التركية نائبة في البرلمان السويدي من أصل كردي، هي أمينة كاكابافيه، كان دعمها للحزب الاجتماعي الديمقراطي حاسماً لوصول رئيسة الوزراء الحالية إلى الحكم في الخريف الماضي، وفي منح الثقة لوزير العدل منذ شهرين عندما طالبت المعارضة بإقالته.