كريستينا كيرشنير... أمام تحدي الحفاظ على إرث الأرجنتين «البيروني»

تحت وطأة تهم الفساد والعداء السياسي داخلياً وخارجياً

كريستينا كيرشنير... أمام تحدي الحفاظ على إرث الأرجنتين «البيروني»
TT

كريستينا كيرشنير... أمام تحدي الحفاظ على إرث الأرجنتين «البيروني»

كريستينا كيرشنير... أمام تحدي الحفاظ على إرث الأرجنتين «البيروني»

منذ ظهور «البيرونية» مع خوان دومينغو بيرون أواسط أربعينات القرن الماضي، لم تعرف الأرجنتين حركة سياسية منسوبة لعائلة حتى العام 2003 عندما ظهرت «الحركة الكيرشنيرية». هذه الحركة نهلت من مشارب «البيرونية»، وقامت على المعتقدات الأساسية لحكم الرئيس الأسبق نستور كيرشنير (حتى العام 2007) وزوجته كريستينا التي خلفته في الرئاسة إلى العام 2019. ومع كريستينا، عادت هذه الحركة إلى السلطة ضمن جبهة تقدمية واسعة جمعت بين أطياف التيار البيروني والنقابات التي تدور في فلكه.

في العام 2003 حل نستور كيرشنير ثانياً في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية، إلا أنه صعد إلى سدة الرئاسة بعدما قرر منافسه الرئيس الأسبق كارلوس منعم التنحي، والإحجام عن خوض الجولة الثانية. ولاحقاً، قبل نهاية ولاية الرئيس كيرشنير في العام 2007 أعلنت زوجته كريستينا فيرنانديز كيرشنير ترشحها للانتخابات الرئاسية التي فازت بها من الجولة الأولى بغالبية ساحقة، وخلفت زوجها لتغدو أول رئيسة منتخبة للأرجنتين.
منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم، لم تنقطع كريستينا كيرشنير عن إثارة الجدل في الأوساط السياسية في البلاد. إلا أنه بلغ ذروته مساء الثاني من سبتمبر (أيلول) الجاري عندما نجت بأعجوبة من محاولة اغتيال تعرضت لها على يد رجل برازيلي بعد أيام عاصفة من المظاهرات التي كان ينظمها أنصارها قرب منزلها في العاصمة بوينوس آيرس احتجاجاً على إحالتها مجدداً للمحاكمة بتهم الفساد المالي.

بداية المشوار

ولدت كريستينا فيرنانديز في مدينة تولوسا الصغيرة في ضواحي العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيرس عام 1953. وانطلق نشاطها السياسي على مقاعد كلية الحقوق في جامعة لابلاتا الوطنية عندما التحقت بـ«الشبيبة البيرونية» مطلع سبعينيات القرن الماضي. وهناك في الجامعة، تعرفت إلى رفيقها نستور في العام 1974 ليتزوجا بعد سنة ويؤسسا معاً مكتباً للمحاماة متخصصاً في الدفاع عن قضايا العمال، وأيضاً منتدىً سياسياً يحمل اسم الزعيم السابق الراحل خوان دومينغو بيرون.
وفي العام 1989، فازت كريستينا بأول منصب سياسي منتخب عندما دخلت برلمان مقاطعة سانتا كروز عن الحركة البيرونية. ثم فازت بعد ست سنوات بمقعد في مجلس الشيوخ الوطني عن المقاطعة نفسها التي كان زوجها نستور قد أصبح حاكماً لها.
في تلك الفترة كانت كريستينا من أشد المعارضين لحكومة كارلوس منعم ولقد خاضت معارك طويلة ضد المشاريع الاقتصادية الليبرالية التي أطلقها. ثم في العام 1997 فازت بمقعد في البرلمان الوطني ضمن ائتلاف يضم مجموعة من الأحزاب الموالية للحكومة، لكنها سرعان ما انشقت عن الائتلاف لتقود جبهة معارضة بعد إبعادها عن اللجان البرلمانية التي كانت تنتمي إليها. ومن ثم عادت إلى مجلس الشيوخ في العام 2001 لتتولى رئاسة لجنة الشؤون الدستورية التي أشرفت في تلك الفترة على مجموعة من الإصلاحات في النظام القضائي كان لها كبير الأثر في كشف تجاوزات الأنظمة العسكرية السابقة وملاحقة العديد من رموزها.
بعدها، في العام 2001 انتخبت مجدداً في مجلس الشيوخ عن العاصمة بوينوس آيرس، ثم تترشح بعد ذلك لرئاسة الجمهورية عام 2007 خلفاً لزوجها نستور الذي كان قد أعلن أنه لن يرشح نفسه لولاية ثانية لأسباب صحية.

«الرئيسة»... كيرشنير

كريستينا كيرشنير فازت بانتخابات الرئاسة عام 2007، واتسمت ولايتها الرئاسية الأولى بمواجهات شديدة مع النقابات العمالية التي كان بعضها قد لعب دوراً أساسياً في إيصالها إلى الرئاسة. كذلك واجهت سلسلة من الإضرابات في عدد من القطاعات الحيوية، وخاضت صراعاً طويلاً مع مجموعة «كلارين» التي تملك أهم وسائل الإعلام الأرجنتينية وأوسعها نفوذاً.
ولكن رغم الاضطرابات الشديدة التي شهدتها البلاد إبان ولايتها الأولى التي كانت حافلة بالصراعات السياسية الحادة بين التيارات البيرونية التي كانت تشكل دعامتها الانتخابية الأساسية، فإنها عادت لتفوز مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية عام 2011 من الجولة الأولى بما يزيد عن 54 في المائة من الأصوات، محققة بذلك رابع نتيجة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأرجنتينية.
وفي نهاية ولاية كريستينا الثانية عام 2015 أدرجتها مجلة «فوربس» الأميركية المرموقة على قائمة النساء الأوسع نفوذاً في العالم.

في تحالف جديد

وجاء العام 2017، وفيه خاضت الانتخابات العامة على رأس تحالف جديد يهدف إلى إنهاض التيار الكيرشنيري الذي كان يتصدع من الداخل عندما كانت كريستينا تواجه سلسلة من الملاحقات القضائية بسبب تهم الفساد خلال فترة توليها رئاسة الجمهورية. إلا أنها في العام 2019 فاجأت الأوساط السياسية بالاتفاق الذي عقدته مع البرتو فيرناديز، الساعد الأيمن سابقاً لزوجها ورئيس حكومتها الأولى الذي انشق عنها وكان من أشد معارضيها داخل الحركة البيرونية. وحقاً ترشح الاثنان إلى الانتخابات الرئاسية في فريق واحد، هو لمنصب الرئيس وهي لمنصب نائب الرئيس، وهذا مع علم الجميع مسبقاً، أنها هي التي ستكون فعلياً في موقع القيادة. وبالفعل، في الانتخابات التي أجريت ذلك العام، فاز ألبرتو فرنانديز وكريستينا كيرشنير بولاية رئاسية تمتد حتى نهاية العام المقبل.
هنا لا بد من الإشارة، إلى أنه بعد نهاية ولاية كريستينا كيرشنير الرئاسية الثانية في العام 2015، ومن ثم، سقوط حصانتها ضد الملاحقات القضائية، تسارعت وتيرة إعادة فتح ملفات الدعاوى التي كان معارضوها قد رفعوها ضدها في السنوات الماضية. ولكثرة هذه الملفات هددت كريستينا كيرشنير باللجوء إلى «الهيئة الأميركية لحقوق الإنسان» في حال استمرت ضدها تلك الحملة التي أطلقت عليها «المطاردة القضائية»، والتي جمعت حولها تياراً واسعاً من المؤيدين في مواجهة القوى والأحزاب اليمينية التي كانت تسعى إلى إدانتها. وكانت كيرشنير قد اتهمت الرئيس اليميني السابق ماوريسيو ماكري بأنه يقف وراء تلك الحملة للتغطية على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تواجه حكومته.

الملاحقات القضائية وتجميدها

في العام 2017 أصدرت المحكمة العليا قراراً بتجميد الملاحقات القضائية ضد الرئيسة السابقة، وطلبت إعادة النظر في القانون الذي كان صدر قبل أشهر والذي يجيز إعادة فتح الملفات القضائية ضدها. ومن بين أبرز القضايا التي كانت تلاحق كريستينا كيرشنير الاتهام الذي وجهته ضدها النيابة العامة مطلع العام 2015 بإجرائها مفاوضات، إلى جانب وزير خارجيتها آنذاك هيكتور تيمرمان، لتغطية المطلوبين في عملية تفجير المركز اليهودي في بوينوس آيرس وإفلاتهم من العقاب، وذلك تمهيداً لتوقيع «مذكرة التفاهم» مع إيران التي بموجبها تتعهد طهران بشراء كميات ضخمة من الحبوب واللحوم الأرجنتينية مقابل تزويد الأرجنتين بالنفط بأسعار تفضيلية.
وبعدما كان القضاء الأرجنتيني قد قرر إسقاط الدعوى لاعتباره أن «الفعل الجنائي لم يقع»، و«لأن مذكرة التفاهم مع إيران بقيت حبراً على ورق»، عادت محكمة النقض بعد سنتين وقررت إعادة تحريك الدعوى ضد كريستينا بتهمة الخيانة العظمى، بينما كان منسوب العنف السياسي في الأرجنتين يرتفع إلى مستويات لم تعرفها البلاد منذ 40 سنة.

محاولة الاغتيال

في هذه الأجواء المشحونة، وبينما كانت مظاهرات التأييد لكريستينا كيرشنير تتوالى منذ أيام أمام منزلها في العاصمة، ويرفع أنصارها شعارات منددة بالحملة التي تتعرض لها، وقعت محاولة الاغتيال التي دفعت جميع الأحزاب السياسية إلى التضامن معها، بيد أن التوتر في الشارع ظل يتصاعد مهدداً بفصول جديدة من العنف والمواجهات.
أنصار كيرشنير يوجهون أصابع الاتهام إلى المعارضة وإلى وسائل الإعلام بالتحريض ضد الرئيسة السابقة. إلا أن خصومها يزعمون أن محاولة الاغتيال كانت مسرحية مدبرة لإبعاد الأنظار عن الملاحقات القضائية التي تتعرض لها.
في أي حال، تعيش العاصمة الأرجنتينية هذه الأيام حالة من الذهول أمام هذه النقلة النوعية في المواجهات السياسية العنيفة التي أعادت إلى أذهان كثيرين المشاهد التي مهدت للانقلابات العسكرية، وأوصدت أبواب المؤسسات الديمقراطية على أبشع حقبة في التاريخ الأرجنتيني الحديث. كذلك استقطبت هذه الحادثة اهتمام الأوساط السياسية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، بعدما كانت الأنظار مشدودة إلى الاستفتاء حول الدستور الجديد في تشيلي. وللعلم، كان الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فرنانديز قد أعلن اليوم التالي لمحاولة الاغتيال عطلة وطنية ليتمكن المواطنون من التظاهر تضامناً مع نائبته، واصفاً الحادثة بأنها الأخطر منذ نهاية العهود الديكتاتورية.
في هذه الأثناء، يقول المقربون من كيرشنير إن نائبة الرئيس تتهم المعارضة اليمينية ووسائل الإعلام الكبرى بالتنسيق مع الولايات المتحدة لمحاصرتها بالملاحقات القضائية من أجل منعها من الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي هذا السياق ليس مستبعداً أن تعلن كيرشنير قريباً ترشحها للرئاسة، وخاصةً، بعد الخطاب الذي أدلته به يوم الثلاثاء الفائت وأكدت فيه أن «حزب القضاء» الذي قرر إقصائها عن المشهد السياسي لن يثنيها عن مواصلة مسيرتها حتى النهاية. ومما قالته أيضاً إن الملاحقات القضائية لا تستهدفها شخصياً بقدر ما تستهدف الحركة البيرونية، مسترجعة بذلك الحقبة الطويلة التي كانت الحركة محظورة خلال الحكم العسكري.

البيرونيون في الشوارع

وللمرة الأولى منذ سنوات عديدة، عاد البيرونيون إلى التظاهر في الشوارع تحت راية واحدة بعد عقود من التشرذم والصراعات الداخلية التي كان لكريستينا كيرشنير دور بارز في تأجيجها خلال السنوات الأخيرة.
ورغم الدعوات الكثيرة التي صدرت عن القيادات السياسية للتهدئة والتخفيف من حدة الخطاب السياسي، وإصرار أنصار كيرشنير على البقاء في الشارع حتى وقف الملاحقات القضائية ضدها، لم يطرأ أي تعديل على الجدول الزمني لجلسات المحاكمة في الدعوى الجارية ضد الرئيسة السابقة بتهمة الفساد. وبعد أربعة أيام على محاولة الاغتيال، استأنفت المحكمة جلسات الاستماع إلى هيئة الدفاع التي من المقرر أن تستمر حتى نهاية الشهر الجاري، لتفنيد التهم الموجهة إلى كيرشنير في ملف النيابة العامة الذي يشير إلى أنها «... كانت تدير إحدى أوسع شبكات الفساد التي شهدتها البلاد في تاريخها...».
وتحديداً، في مضبطة الدعوى التي أعدتها النيابة العامة، اتهام لكريستينا لكريشنير بتنظيم شبكة للانتفاع الشخصي المباشر من مبالغ ضخمة من المال العام كانت مخصصة لمشاريع البنى التحتية في مقاطعة سانتا كروز، التي تعتبر مهد الحركة الكيرشنرية.
ومن المنتظر أن يصدر الحكم النهائي في قضية الفساد المرفوعة ضد الرئيسة السابقة قبل نهاية العام الجاري، وعندها سيكون للقرار القضائي - سواءً في حال الإدانة أو التبرئة - تأثير مباشر على قرارها الترشح لولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات المقرر أن تجرى أواخر العام المقبل.
أخيراً، في حين تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن 70 في المائة من الأرجنتينيين يعتبرون أن كيرشنير ضالعة في قضايا الفساد المرفوعة ضدها، فهي حتى في حال إدانتها، لن تساق إلى السجن، وذلك لأن منصبها كنائب رئيس الجمهورية يمنحها حصانة ضد التوقيف والاعتقال. بناءً عليه، لا بد من محاكمة سياسية لعزلها وتجريدها من المنصب.


مقالات ذات صلة

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

حصاد الأسبوع تجمع حزبي في إحدى المناطق رافض لإلغاء حكومة مودي المادة 370 (رويترز)

انتخابات تاريخية في جامو وكشمير أمام خلفية إلغاء حكومة مودي وضع «الولاية الاتحادية»

بعد عِقد من الزمن، توافد الناخبون بإقليم جامو وكشمير، ذي الغالبية المسلمة والخاضع للإدارة الهندية، بأعداد قياسية للتصويت للحكومة المحلية في إطار انتخابات...

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة…

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع لقطة من مناظرة الثلاثاء الرئاسية (رويترز)

هل اقتربت أميركا من تغيير هوية «الجيل» الذي يحكم واشنطن؟

يُجمِع خبراء المناظرات الرئاسية الأميركية على أن الانتصارات فيها لا تُترجم بالضرورة فوزاً في الانتخابات، والمرشحون الذين يتألقون في المناظرات لا يفوزون دائماً

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع يقدّم بارنييه نفسه على أنه رجل ينتمي إلى اليمين لكن ليس اليمين البورجوازي القومي المتعصّب بل اليمين الاجتماعي

ميشال بارنييه رئيس الحكومة الفرنسية الجديد... هل يكون الرجل المعجزة الذي ينقذ عهد ماكرون؟

بعد 25 سنة أمضاها ميشال بارنييه في بروكسل (1999 – 2021) مفوضاً أوروبياً متنقلاً في مناصب عديدة، منها مسؤول عن السوق الأوروبية الداخلية ونائب لرئيس المفوضية،

ميشال أبونجم (باريس)
حصاد الأسبوع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني يستقبل رئيس الوزراء الإسباني سانتشيز ورئيسة المفوضية الأوروبية فون در لاين في نواكشوط 
(آ فب)

إسبانيا تحاول التحكّم بهاجس التعامل مع المهاجرين

عندما فازت إسبانيا بكأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، أواسط يوليو (تموز) الفائت، كان النجم الأبرز في الفريق الوطني الأمين جمال، وهو لاعب من أب مغربي وصل قبل 19

شوقي الريّس (مدريد)

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
TT

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة استياء عميق في العديد من الدوائر تجاه إلغاء المادة 370. إلا أنه بدلاً من مقاطعة الانتخابات، دفع القرار الكشميريين إلى التصويت على نحو يتناقض مع الـ30 إلى الـ40 سنة الماضية. في وقت سابق، جرى استغلال مثل هذا الاستياء لدعم النزعة الاستقلالية والتطرف؛ ما أدى إلى صعود تهديدات وتحذيرات من مقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرة، لم تسمح الطوابير الطويلة للناخبين بحدوث ذلك. وتبقى الميزة الأهم في هذه الانتخابات، أنها جاءت سلمية تماماً. وتكشف حقيقة خروج حشود من الناس للتصويت كيف أصبح التصويت في حد ذاته عملاً من أعمال المقاومة والتضامن».

وشرح مالك أن «السنوات الست الماضية من الحكم المستمر لنيودلهي دفع شعب جامو وكشمير للشعور بالتهميش السياسي. وأثار تنفيذ الحاكم غير المنتخب بل المعيّن مركزياً للعديد من القوانين مخاوف عامة الناس. إذ يرى أهل جامو وكشمير أن البيروقراطية التي تديرها الحكومة المركزية - حيث يتولى مسؤولون غير محليين المناصب الإدارية العليا - لا تتناسب مع القضايا والحساسيات المحلية».

من جهته، علّق المحلل السياسي مفتي شوكت فاروقي بأن «قرار الحكومة الهندية إجراء انتخابات يبدو ظاهرياً بمثابة خطوة نحو استعادة الوضع الطبيعي في الإقليم. ولكن، من دون معالجة السبب الجذري للصراع في كشمير - الوضع السياسي غير المحلول، وتطلعات الشعب الكشميري، وانعدام الثقة العميق بين الدولة ومواطنيها - فإن هذه الانتخابات لن تعدو مجرد ممارسة سطحية للديمقراطية».

والحقيقة، كان إلغاء المادة 370 عام 2019، الذي جرّد جامو وكشمير من وضعها الخاص واستقلالها كولاية داخل الاتحاد الهندي، سبباً في تفاقم التوترات. بل تسبّب القرار في انهيار الثقة بين السكان الكشميريين والحكومة الهندية. ونظر كثيرون إلى العملية الانتخابية في ظل الإطار السياسي الحالي، باعتبارها «غير شرعية»؛ لأنها لم تعد تمثل الهوية المميزة للإقليم أو تطلعات أبنائه للحكم الذاتي.

وفي قلب القضية، تكمن الحاجة إلى حل سياسي شامل يعالج تاريخ كشمير الفريد وتطلعاتها ومظالمها. ولا يمكن تحقيق ذلك عبر الانتخابات فقط، بل عبر الحوار الهادف بين الحكومتين الهندية والباكستانية والجهات السياسية المحلية وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن فكرة تقرير المصير، ويدعون إلى استقلال كشمير.

وبالانتقال إلى الانتخابات في كشمير، نجد أن حلبة التنافس راهناً تضم الأحزاب الإقليمية الكشميرية، على رأسها «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي»، والعديد من الاستقلاليين الذين يتنافسون بصفتهم «مستقلين» سعياً إلى استعادة المادة 370 والوضع الخاص لجامو وكشمير. ويتواجه هؤلاء عملياً مع حزب «بهاراتيا جاناتا». وفي تصريح له، قال الرئيس السابق لحكومة الإقليم عمر عبد الله إن كشمير في حاجة إلى «استعادة هويتها» عبر إلغاء الخطوة التي اتخذتها حكومة مودي عام 2019. وفي المقابل، صرح أميت شاه، وزير داخلية مودي، خلال الشهر، بأن وضع الإقليم شبه المستقل «أصبح تاريخاً ولا أحد يستطيع إعادته». وأضاف أنه «لا يمكن للساعة أن تعود إلى وضع 370 عندما كان لدينا دستوران وعَلمان».

في سياق موازٍ، بين القضايا الرئيسية الأخرى في الانتخابات، احتجاز العديد من الشباب الكشميريين في السجون الهندية، وتحديات محلية مثل تفشي المخدرات والبطالة. وتشير تقديرات الحكومة منذ يوليو (تموز)، إلى أن معدل البطالة في كشمير يبلغ 18.3 في المائة، أي أكثر عن ضعف المتوسط الوطني.

وفي هذا الصدد، قال خورشيد أحمد (50 سنة): «هناك الكثير من القضايا التي نواجهها هنا. نحن سعداء لأننا سنرى تغييراً. نريد حكومتنا الإقليمية ونهاية حكم ممثل نيودلهي. قد تفهمنا حكومتنا الإقليمية، لكن لا أحد من الخارج يستطيع ذلك. أنا أدلي بصوتي اليوم لأننا نتعرض للقمع، وقد سُجن الأطفال، ويتعرضون لأفعال غير عادلة. نحن نصوّت اليوم ضد تصرفات مودي في كشمير».

وقال فايز أحمد ماجراي (46 سنة): «كانت السنوات الأربع الماضية صعبة. لقد اتخذت قوات الأمن إجراءات صارمة، والإذلال الذي ألحقه المسؤولون من الخارج بالسكان غرس شعوراً بالعجز. صيغت القوانين المعادية للشعب من دون استشارة السكان المحليين. أنا أصوّت لإنهاء عجزنا. نحن في مرحلة حرجة من التاريخ، والتصويت وسيلتي للتعبير عن رفضي ضد القوى العازمة على تدمير جامو وكشمير مع كل يوم يمرّ».

مع ذلك، يبدو أن بعض مواطني كشمير فقدوا الأمل باستعادة استقلال منطقتهم، مثل سهيل مير - وهو باحث - الذي قال: «لا أعتقد أن المادة 370 ستعود ما لم تحدث أي معجزة»، وتابع أن الأحزاب كانت تقدم وعوداً بشأن استعادة الحكم الذاتي في خضم أجواء «مشحونة سياسياً» للحصول على الأصوات.

في هذه الأثناء، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، دعت سلطات نيودلهي دبلوماسيين أجانب إلى جامو وكشمير لمتابعة الانتخابات. وبالفعل، زار ما يقرب من 20 دبلوماسياً من سفارات مختارة، بينها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا، جامو وكشمير لمراقبة الانتخابات.