على مدار 70 عاماً، هي فترة حكم ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، التي رحلت عن عالمنا الخميس، عاصرت الملكة عشرات الملوك والحكام العرب، وزارت نحو 13 دولة عربية، بينها المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات. واحتفظت طوال هذه السنوات بعلاقات وصفت بـ«القوية»، مع الأسرة الملكية الحاكمة في المنطقة العربية. ورغم غياب مصر عن قائمة زياراتها الملكة الخارجية، فإنه على ما يبدو أنها فوضت هذه المهمة إلى نجلها، الذي ورث عنها عرش بريطانيا الملك تشارلز الثالث، والذي زار مصر 3 مرات حتى الآن.
بدأت زيارات الملكة للمنطقة العربية عام 1954، بعد نحو عامين من توليها العرش، بزيارة مدينة عدن في اليمن، وكانت وقتها إحدى المستعمرات البريطانية، ولم تكن الزيارة التي استغرقت يوماً واحداً «رسمية». وإن وثقها مؤرخون من اليمن. ويقول بعض المؤرخين إن الملكة توجهت في نفس العام من اليمن في زيارة سريعة إلى طبرق في ليبيا، لكن زيارة ليبيا لم ترد في تقرير أعدته صحيفة تليغراف البريطانية، مؤخراً، معتمدة على بيانات من قصر باكينجهام، حول رحلات الملكة الخارجية، قالت فيه إن «الملكة غطت خلال فترة حكمها أكثر من مليون ميل، وزارت 117 دولة حول العالم».
ووثق تقرير تليغراف عدة زيارات خارجية للملكة إلى المنطقة العربية، ففي الستينات من القرن الماضي زارت السودان، وعام 1979 قامت بجولة خليجية شملت كلاً من السعودية، والكويت، والبحرين، والإمارات، وعُمان، وقطر، وعام 1980 زارت تونس والمغرب والجزائر، بينما زارت الأردن عام 1984، وعام 2010 قامت الملكة الراحلة بجولة خليجية شملت عمان والإمارات.
الدكتور عبد المنعم سعيد، الخبير السياسي، عضو مجلس الشيوخ المصري، أوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الملكة كان لها علاقات قوية مع الأسر الملكية في المنطقة العربية، خصوصاً الأسرة الهاشمية، وارتبطت زياراتها لدول المنطقة بأوقات هادئة، وفترات كانت تريد فيها المملكة التقرب من بيوت الحكم العربية، وبناء الجسور معها». مشيراً إلى أن «الملكة لم يكن لها مواقف سياسية من الأزمات في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية، لا دعماً ولا تشجيعاً، وذلك لطبيعة النظام السياسي البريطاني الذي يضع مثل هذه المواقف ضمن مسؤوليات رئيس الوزراء، في حين يكون دور الملكة التحرك لتحقيق تقارب مع بعض الدول التي تشغل المملكة المتحدة».
ملكة بريطانيا خلال زيارتها للإمارات (وام)
سمير تكلا، مؤسس ومدير المجموعة البريطانية - المصرية، تحدث لـ«الشرق الأوسط» هاتفياً من لندن، عن لقاءاته بالملكة، وقال إنه «التقى بها مرتين، وكلتاهما خلال لقائها وسلطان عُمان، الأولى كانت عام 1979 حيث شاركت في ترتيب زيارة الملكة لمسقط، والثانية كانت في لندن عام 1984، حيث كنت ضمن الوفد المرافق للسلطان العُماني في زيارته للندن». ووصف تكلا العلاقات المصرية - البريطانية بـ«الدفء»، مشيراً إلى أن «الملك تشارلز زار مصر أكثر من مرة، كانت إحداها رحلة شعر العسل بعد زواجه من الأميرة الراحلة ديانا».
ولم تتضمن جولات الملكة الخارجية زيارة إلى مصر، لكن نجلها الملك تشارلز زارها 3 مرات كان آخرها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، برفقة زوجته كاميلا، حيث التقى والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكانت الزيارة الأولى لتشارلز عام 1981 بصحبة الأميرة ديانا، بعد أيام من زواجهما، أما الزيارة الثانية فكانت عام 2006 في إطار جولة شملت السعودية ومصر والهند تهدف لـ«لتعزيز التسامح بين الأديان».
حول أسباب عدم زيارة الملكة إليزابيث الثانية لمصر، طوال فترة حكمها يقول سعيد إن «معظم زيارات الملكة الخارجية كانت تتم في أوقات الهدوء، وكون مصر في قلب منطقة مليئة بالصراعات، ربما كان سبباً في عدم حدوث زيارة رسمية، وإن كان الأمر قد ترك للملك تشارلز الذي زار مصر 3 مرات»، مشيراً إلى أنه «التقى تشارلز في واحدة من زياراته للقاهرة، وكان منفتحاً على الإسلام في وقت ساد فيه القلق من الإسلاموفوبيا».
بطبيعة طول فترة حكمها عاصرت الملكة عدداً كبيراً من الملوك والرؤساء العرب، حيث عاصرت جميع ملوك السعودية بدءاً من الملك عبد العزيز آل سعود، وحتى الملك سلمان بن عبد العزيز. كما عايشت 3 رؤساء لدولة الإمارات العربية المتحدة، منذ تأسيسها على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحتى الرئيس الحالي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وعاصرت حكام مصر منذ الملك فاروق الأول، مروراً بالرؤساء محمد نجيب، وحتى الرئيس السيسي.
كما عاصرت 3 ملوك للأردن من الملك طلال بن عبد الله، وحتى الملك الحالي عبد الله الثاني، ورئيسين للسلطة الفلسطينية هما ياسر عرفات والحالي محمود عباس. و6 أمراء للكويت، و3 سلاطين لعمان، و5 حكام لقطر، و3 ملوك للبحرين. وجميع رؤساء تونس منذ إعلان الجمهورية عام 1957. و6 رؤساء جمهورية، و4 رؤساء دولة للجزائر منذ أحمد بن بلة عام 1962، وصولاً للرئيس الحالي عبد المجيد تبون. و3 ملوك للمغرب من الملك محمد الخامس، وحتى الملك الحالي محمد السادس. و13 رئيساً للبنان، و14 رئيساً لسوريا. كما عاصرت الملك فيصل الثاني في العراق، وجميع رؤساء الجمهورية حتى الرئيس الحالي برهم صالح.