المعارضة السورية تطلق هجومًا معاكسًا على مواقع النظام من شمال القنيطرة للوصول إلى غوطة دمشق الغربية

«جيش الحرمون» حاصر بلدة درزية.. وقيادته تدعوهم لعدم «زج أبنائهم في المواجهة»

أفراد من الجيش السوري الحر في موقع متقدم بجبهة محافظة القنيطرة قرب خط الفصل في الجولان (رويترز)
أفراد من الجيش السوري الحر في موقع متقدم بجبهة محافظة القنيطرة قرب خط الفصل في الجولان (رويترز)
TT

المعارضة السورية تطلق هجومًا معاكسًا على مواقع النظام من شمال القنيطرة للوصول إلى غوطة دمشق الغربية

أفراد من الجيش السوري الحر في موقع متقدم بجبهة محافظة القنيطرة قرب خط الفصل في الجولان (رويترز)
أفراد من الجيش السوري الحر في موقع متقدم بجبهة محافظة القنيطرة قرب خط الفصل في الجولان (رويترز)

شن مقاتلو المعارضة في جنوب سوريا أمس، هجومًا معاكسًا على قوات النظام في ريف محافظة القنيطرة الغربي، بهدف الوصول إلى الغوطة الغربية بضواحي العاصمة دمشق، وقطع خطوط إمداد القوات الحكومية إلى القنيطرة، في حين بدا أن الهجوم «محاولة للالتفاف من الغرب على مقاتلي حزب الله اللبناني الذين تقدّموا في فبراير (شباط) الماضي في مثلث درعا - القنيطرة - ريف دمشق.. والاقتراب من معاقلهم في مزرعة بيت جن الحدودية مع لبنان»، بحسب مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن.
وفي حين أحرز مقاتلو المعارضة الذين ينتمون إلى «جيش الحرمون» تقدمًا في منطقتي التلال الحمر وتل بزاق، اللتين تصلان ريف القنيطرة الشمالي بالغوطة الغربية لدمشق، أفاد عبد الرحمن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن مقاتلي المعارضة «يحاصرون بلدة حَضَر الدرزية المواجهة مباشرة لبلدة مجدل شمس السورية (وهي درزية أيضًا) التي تحتلها إسرائيل في هضبة الجولان»، مشيرًا إلى أن السيطرة على هذه البلدة ستتيح للمعارضين التقدم باتجاه مناطق انتشار مقاتلي حزب الله في بلدة مزرعة بيت جَن السورية الواقعة في أسفل جبل الشيخ، والمنطقة الحدودية مع جنوب شرقي لبنان. هذا، وتوجهت قيادة «جيش الحرمون» أمس إلى القرى الدرزية في المنحدرات والسفوح الشرقية لجبل الشيخ (حرمون) برسالة، دعت فيها «الأخوة أهالي القرى الدرزية إلى عدم زجّ أبنائهم في مواجهة مع (جيش الحرمون)، حيث يسعى النظام لوضعهم على واجهة القتال ليخلق جوًا من الاقتتال بين الأخوة». وتزامن ذلك مع تأكيد القائد العسكري في «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» المعارض، المشارك في «جيش الحرمون»، أن «(جيش الحرمون) عازم على تطهير الأرض من رجس هذا النظام وأزلامه فلا تجعلوا أبناءكم من بينهم».
ويأتي الهجوم من شمال محافظة القنيطرة، بعد أربعة أشهر على إحراز القوات الحكومية السورية مدعومة بمقاتلي حزب الله اللبناني، تقدمًا في مثلث ريف دمشق الغربي - القنيطرة - درعا، في محاولة لإبعاد الخطر عن دمشق من الريف الجنوبي الغربي للقنيطرة، ومنع المعارضة من التقدم باتجاه العاصمة انطلاقًا من الجنوب. وتوقف الهجوم عند تل الحارة الاستراتيجي في فبراير الماضي.
ومحافظة القنيطرة التي تشكل قسمًا منها أراضي الجولان المحتل منطقة حساسة تبعد نحو 70 كيلومترا جنوب غربي العاصمة دمشق، وشهدت اشتباكات متعددة بين جماعات المعارضة المختلفة وجيش النظام السوري ومسلحين متحالفين معه. ولقد أكد متحدث باسم «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» لـ«الشرق الأوسط»، أن الهجوم «كبير ومفاجئ، ومن شأن العملية أن تحسم مصير الغوطة الغربية لدمشق». بينما ذكر ناشطون أن فصائل «جيش الحرمون» سيطرت على تلّتي غرين وبزاق العسكريتين بريف القنيطرة الشرقي، بعد تسللها إلى مواقع قريبة منها والاشتباك مع القوات السورية النظامية التي كانت تتمركز فيها لساعات عدة. وجاء التقدم بعد ساعات من السيطرة على «التلال الحمر»، وهي مرتفعات حدودية أنشأت قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد مواقع عسكرية فيها، ويقول ناشطون إنها تستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بالقصف.
ويضيف هؤلاء أنها تقع على خطوط التماس مع إسرائيل، وأصبحت، في ظل الثورة السورية، من النقاط المهمة بالنسبة للنظام السوري لأنها تطل على أغلب بلدات القنيطرة والريف الغربي من محافظة درعا، وقد استخدمها جيش النظام لرصد تحركات المقاتلين المعارضين والقيام بقصف البلدات التي يجري التحرك منها، وأهمها مناطق ريف درعا الغربي وبلدات محافظة القنيطرة.
وأفاد ناشطون أمس باندلاع مواجهات بين القوات النظامية والفصائل المعارضة في محاولة من الأخيرة السيطرة على قرية جبا، التي تقع على خط الإمداد الرئيسي للقوات النظامية المتمركزة في بعض القرى والتلال شمال القنيطرة. ويرجع عبد الرحمن أسباب تقدم قوات المعارضة إلى كون الهجوم «منظمًا»، فيما «لا يمتلك النظام قوة كافية لصد الهجمات على كل الجبهات». وقال إن «جبهة النصرة»، تعد «من الفصائل القوية في المنطقة».
وكانت مصادر المعارضة أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن «جيش الحرمون» الذي تشكل حديثًا، يضم مقاتلين من «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام»، و«حركة أحرار الشام الإسلامية»، و«حركة شهداء الشام الإسلامية» و«جبهة النصرة»، و«لواء السيد المسيح»، و«لواء أسامة بن زيد»، و«لواء توحيد العاصمة»، و«لواء فرسان السنة»، و«لواء عمر بن الخطاب». وكتب عصام الريس، المتحدث باسم قوات المعارضة، على «تويتر» أن الجماعات المشاركة في العملية وقعت اتفاقا لا يشمل «جبهة النصرة» (جناح «القاعدة» في سوريا). وأوضح الريس أن الجماعات المشاركة في الهجوم تقاتل تحت راية «الجيش السوري الحر». وسبق أن حاربت «جبهة النصرة» في جنوب سوريا من قبل، لكنها ليست الجماعة المعارضة الرئيسية فيه خلافا لما يحدث في مناطق أخرى من البلاد.
وحسب متحدث باسم «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» لـ«الشرق الأوسط»، فإن أبرز الإنجازات، «تمثلت في فتح طريق لبلدة مزرعة بيت جَن الاستراتيجية المحاصرة.. ومحاصرة عدد من السرايا العسكرية في محيط التلال الحمر ومنع تقدم الإمداد العسكري من بعض ميليشيا الدفاع الوطني إليها»، لافتًا إلى «الحصول على صواريخ حرارية مضادة للطائرات من نوع (كوبرا)، تم اغتنامها من مواقع عسكرية في التلال الحمر». ونشر «جيش الحرمون» صورًا تظهر مقاتلاً يحمل أحد تلك الصواريخ.
وأعلن المتحدث باسم «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» أن الهدف من المعركة «إحكام السيطرة على التلال الحمر وبعض سرايا الجيش المنتشرة حوله، وإيقاف نزيف القصف اليومي على المناطق المحررة من مرتفعات التلال.. والسعي الحثيث لفتح قنوات وممرات اتصال بين الريف الغربي للعاصمة دمشق مع الريف الشمالي لمحافظة القنيطرة تمهيدًا للوصول إلى ريف دمشق الغربي وفك الحصار عن ضاحية داريا التي تعد أول نقطة عبور إلى العاصمة السورية».
وتحاصر قوات النظام في هذا الوقت مقاتلي المعارضة في داريا وبلدة خان الشيح، وهي أبرز المناطق المحيطة بالعاصمة السورية من ناحية الغرب.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.