جائحة «كوفيد ـ 19» تمحو سنوات التقدم

«التنمية البشرية» حدد مؤشرات أعادت العالم 5 سنوات إلى الوراء... والمساواة بين الجنسين تحتاج 300 عام

سياح أجانب يسيرون أثناء إعلان اليابان تخفيف قيود «كورونا»، وسط طوكيو، أول من أمس (إ.ب.أ)
سياح أجانب يسيرون أثناء إعلان اليابان تخفيف قيود «كورونا»، وسط طوكيو، أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

جائحة «كوفيد ـ 19» تمحو سنوات التقدم

سياح أجانب يسيرون أثناء إعلان اليابان تخفيف قيود «كورونا»، وسط طوكيو، أول من أمس (إ.ب.أ)
سياح أجانب يسيرون أثناء إعلان اليابان تخفيف قيود «كورونا»، وسط طوكيو، أول من أمس (إ.ب.أ)

حذّر تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الخميس، من أن الأزمات التي يعيشها العالم، ولا سيما جائحة «كوفيد 19»، أدت إلى تراجع مؤشرات التنمية 5 سنوات إلى الوراء، وإلى جعل ظروف المعيشة في 90 في المائة من الدول أسوأ خلال عام 2021، ما يثير «الإحباط» في كل أرجاء المعمورة.
وبعدما بقي المؤشر في ارتفاع متواصل منذ عقود، عاد عام 2021 إلى المستوى الذي كان عليه عام 2016، ماحياً بذلك سنوات من التقدم. ويعزى السبب الرئيسي إلى «كوفيد 19»، فضلاً عن الكوارث المناخية التي تتزايد، والأزمات التي تتراكم من دون إعطاء الشعوب وقتاً لالتقاط أنفاسهم.
ولحظ البرنامج أن التقرير الذي يصدر منذ 32 عاماً يؤكد انخفاض مؤشر التنمية البشرية الذي يأخذ في الاعتبار متوسط العمر المتوقع والتعليم والمستوى المعيشي، لعامي 2020 و2021 على التوالي.
وجاءت سويسرا في المركز الأول كأكثر دولة متقدمة في العالم بقيمة 962.0 وفقاً للمؤشر، بالتساوي تقريباً مع النرويج وآيسلندا. وحين صدر التقرير الأول عن البرنامج عام 1990 كانت الولايات المتحدة في المقدمة، ولكنها الآن تراجعت إلى المركز 21. وتذيل المؤشر كل من النيجر وتشاد وجنوب السودان.
وإن كان بعض الدول بدأت تتعافى من تبعات الجائحة، فإن دولاً كثيرة من أميركا اللاتينية وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا والكاريبي لم تكن تعافت بعد حين حلت عليها أزمة جديدة مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأفاد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر أنه حتى في ذروة الأزمة المالية منذ 10 سنين، انخفض المؤشر في دولة واحدة فقط تقريباً من كل 10 دول، مضيفاً أنه «يمكننا وصف أحوالنا على هيئة إحصاءات دائماً. السؤال الأصعب الذي علينا أن نواجهه؛ لماذا لا نتحرك؟». وقال: «نحن نعيش في أوقات مقلقة للغاية، سواء أكان عالم تغمره المياه، أو عالم بلا مياه، أو عالم يحترق أو عالم في وسط الجائحة».
ونقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية أن «هذا يعني أننا نموت في عمر مبكر أكثر، وأننا أقل تعليماً، وأن دخلنا ينخفض»، مشدداً على أنه «عبر هذه المعايير الثلاثة، يمكن تكوين فكرة عن السبب خلف مشاعر اليأس والإحباط والقلق حيال المستقبل التي بدأ الناس يحسون بها». وكذلك قال: «مررنا بكوارث من قبل وحدثت نزاعات من قبل، لكن تضافر ما نواجهه اليوم يمثل انتكاسة كبيرة للتنمية البشرية»، محذراً من أن «الآفاق لعام 2022 قاتمة» على ضوء الانعكاسات الخطيرة للحرب في أوكرانيا على الأمن الغذائي وأمن الطاقة، وهي انعكاسات لم يأخذ بها المؤشر الحالي الذي يتوقف عند أرقام 2021.
ونتج تراجع مؤشر التنمية البشرية إلى حد بعيد عن تراجع متوسط العمر المتوقع بأكثر من عام ونصف عام بين 2019 و2021 (71.4 سنة في 2021 مقابل 73 سنة في 2019)، في حين كان يرتفع بصورة عامة بضعة أشهر كل سنة.
- 5 عوامل
ويحدد التقرير 5 عوامل، يشير أولها إلى «تراجع» لعامين متتالين للمرة الأولى منذ 32 عاماً، في مؤشرات الصحة والتعليم ومستوى المعيشة على مستوى العالم. ويضيف أن «كوفيد 19» فتح «نافذة على واقع جديد»، وليس مجرد انحراف عن العمل كالمعتاد، إذ الموجات المتتالية من متغيرات الوباء الجديدة والتحذيرات من احتمال حدوث أوبئة مستقبلية بشكل متزايد، ساعدت في تكوين جو عام من «عدم اليقين» في العالم. ولكنه استدرك رابعاً «هناك فرصة في عدم اليقين» لأن «هناك كثيراً من الجوانب الإيجابية التي يمكن إثباتها للتكنولوجيا، والتي تساعد، من بين أمور أخرى، على نمذجة آثار تغير المناخ، وتحسين التعلم الفردي، والمساعدة في تطوير جيل جديد من الأدوية». وبناء عليه، يمكننا «رسم مسار جديد من خلال «تحويل مؤسساتنا بحيث تكون أكثر ملاءمة لعالم اليوم».
- صدمة غير مسبوقة
وأوضح واضع التقرير، بيدرو كونسيساو، خلال مؤتمر صحافي، أنه «على رغم من الانتعاش الاقتصادي الكبير في 2021، فإن متوسط الحياة المتوقعة يواصل تراجعه»، واصفاً هذا التراجع بأنه «صدمة غير مسبوقة». وأضاف أنه «في الولايات المتحدة تراجع متوسط الحياة المتوقع عامين، والتراجع أكبر من ذلك في دول أخرى».
كما لفت التقرير إلى «القلق» الذي يعم العالم وسكانه بسبب هذه الأزمات المتراكمة و«انعدام اليقين» الناتج عنها. وقال شتاينر إن «الناس فقدوا الثقة (…) جيراننا يصبحون أحياناً الخطر الأكبر، سواء على المستوى المحلي أو على نطاق الدول. وهذا يشلنا»، مبدياً مخاوف من أن يدفع هذا «الإحباط» البعض نحو التطرف والعنف. وأوضح أنه في هذه الحالة «لن يكون بوسعنا الاستمرار بقواعد اللعبة ذاتها من القرن الماضي التي تركّز على النمو الاقتصادي»، مشدداً على أن «التحول الذي نحتاج إليه يتطلب مؤشرات جديدة؛ نسبة الكربون المتدنية، فوارق أقل، مزيداً من الاستدامة».
وأوصى التقرير بصورة خاصة بتركيز الجهود على 3 محاور، هي الاستثمارات، ولا سيما الطاقات المتجددة، والاستعداد للجوائح المقبلة، والتأمين، بما في ذلك الرعاية الاجتماعية لامتصاص الصدمات، والابتكار لتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات المقبلة.
وفيما دعا التقرير إلى عدم الاستمرار في التوجه المتبع حالياً بخفض المساعدة الإنمائية للدول الأكثر فقراً، رأى شتاينر أن ذلك سيشكل «خطأ جسيماً»، وسيحد من «قدراتنا على العمل سوياً». في حين أن «التغير المناخي والفقر والجرائم الإلكترونية والجوائح تتطلب منا العمل معاً بصفتنا أسرة دولية».
- 300 عام للمساواة
في غضون ذلك، عبّرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة وإدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية عن أسفهما لكون تحقيق المساواة بين النساء والرجال لا يزال يحتاج إلى نحو 300 سنة في ظل استمرار وجود قوانين تمييزية وتفاوت في تولي مواقع المسؤولية وفي المستوى المعيشي، ولاحظت أن الأزمات الحالية «فاقمت» الفوارق بين الجنسين. وأكدت أن «سد الثغرة في الحماية القانونية وإزالة القوانين التمييزية سيتطلب ما يصل إلى 286 عاماً» استناداً على «الوتيرة الحالية للتقدم». وتوقعت الوكالتان أن «يستغرق تمثيل المرأة على قدم المساواة في مناصب السلطة والقيادة في مكان العمل 140 عاماً»، وأن «يستلزم تحقيق التمثيل المتساوي في البرلمانات الوطنية ما لا يقل عن 40 عاماً».
وهذه التوقعات بعيدة جداً عن الموعد الذي حددته أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لتحقيق المساواة بين الجنسين، وهو سنة 2030. وقالت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، سيما بحوث، إنه «من الضروري أن نجتمع الآن على الاستثمار من أجل النساء والفتيات بغية معاودة التقدم وتسريعه».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.