إسرائيل تضع برنامج ملاحقة قضائية لمن يديرون حملة مقاطعتها في أوروبا

استندت الى القوانين الأوروبية التي تعاقب التمييز وأشكال العنصرية

إسرائيل تضع برنامج ملاحقة قضائية لمن يديرون حملة مقاطعتها في أوروبا
TT

إسرائيل تضع برنامج ملاحقة قضائية لمن يديرون حملة مقاطعتها في أوروبا

إسرائيل تضع برنامج ملاحقة قضائية لمن يديرون حملة مقاطعتها في أوروبا

كشف النقاب، خلال بحث برلماني أمس، أن الحكومة الإسرائيلية وضعت برنامجًا لملاحقة قضائية لمن يديرون الحملة لمقاطعتها في أوروبا. وتستند إسرائيل في ذلك، إلى قانون ساري المفعول في دول الاتحاد الأوروبي، يحظر التحريض العنصري. فتعتبر المقاطعة تحريضًا عنصريًا ضد اليهود لكونهم يهودًا.
وقالت وزيرة العدل، آييلت شكيد، إن «هذه المطاردة تأتي ضمن الحملة الإسرائيلية الواسعة التي أقرتها الحكومة، لصد حملات المقاطعة التي تدار في أوروبا، وبعضها يقتصر على مقاطعة المستوطنات في الضفة الغربية، وبعضها تتسع لتشمل إسرائيل برمتها». وأضافت: «سنحاربهم بسلاحهم، فقد كانت منظمات المقاطعة توجهت إلى المحاكم في عدة دول أوروبية لإعطاء شرعية قانونية لنشاطاتها، ففشلت فيها جميعًا. وتبين أن المقاطعة محظورة في هذه القوانين. ولذلك، جاءت الفكرة بأن نقلب مخططهم على رؤوسهم، فنتقدم نحن بالدعاوى ضدهم بتهمة التمييز العنصري ضد اليهود».
وكانت لجنة التعليم في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، قد أجرت بحثًا خاصًا حول المقاطعة وأبعادها، شارك فيه عدد من رؤساء المؤسسات المتضررة، مثل رؤساء الجامعات ورجال الأعمال وأصحاب المصانع في المستوطنات، إضافة إلى النواب. وافتتح الأبحاث رئيس اللجنة، يعقوب مارغي، من حزب «شاس» لليهود الشرقيين المتدينين. فقال إن العالم الغربي يتعامل بازدواجية تجاه قضية حقوق الإنسان، فهم يحاربون إسرائيل وحدها، بينما يصمتون على دوس حقوق الإنسان في إيران واليمن وسوريا. ولذلك - تابع - فإن هذه المقاطعة لا تستهدف الدفاع عن حقوق الفلسطينيين، بل هي لا سامية وموجهة ضدنا كيهود.
وقال رئيس الجامعة العبرية في القدس، البروفسور بن ساسون، إنه «لا توجد بعد مقاطعة جارفة للجامعات الإسرائيلية، لكن توجد مقاطعة خفية تتم بصمت. فلا يدعون العلماء الإسرائيليين لكثير من المؤتمرات والأبحاث». وقال إن «السكوت على ذلك اليوم سيؤدي إلى تفاقم الظاهرة وانتقالها لما هو أكبر وأخطر».
ووقف نائب المعارضة من «المعسكر الصهيوني»، إيتسيك شموئيلي، إلى جانب الحكومة في الوقوف ضد المقاطعة، قائلاً إنها «تساعد المتطرفين في إسرائيل الذين يحاولون إجهاض عملية السلام وبرنامج التسوية على أساس الدولتين». وحذر الحكومة من الاستمرار في سياستها، قائلا: «نحن نقف معكم ضد المقاطعة، ولكن عليكم أن تفهموا أن السبيل الصحيح لمواجهة المقاطعة، ليس في البرامج الدعائية ولا في الدعاوى في القضاء، بل في دفع عملية السلام بشكل حقيقي. فالعالم لن يدافع عنا طويلاً ونحن في حالة الجمود هذه».
وشارك النائب عن «القائمة المشتركة» مسعود غنايم (الحركة الإسلامية)، في النقاش، فاعتبر المقاطعة بأنواعها «أداة سياسية شرعية تستخدم للضغط من أجل تغيير سياسة معينة، وهذا هو هدف الدعوات لمقاطعة إسرائيل. لكن من المريح لحكومة إسرائيل وأحزابها الصهيونية الهروب من الواقع ومن المسؤولية، ومن مواجهة حقيقة سياسة إسرائيل الاحتلالية والقمعية ضد الفلسطينيين، والادعاء بأن المقاطعة هي (لا سامية) و(عنصرية) وهدفها تدمير دولة إسرائيل واليهود، وذلك في محاولة لتحويل إسرائيل إلى ضحية مسكينة أمام الرأي العام العالمي». وتساءل النائب غنايم: «ألم يحن الوقت لتسأل إسرائيل نفسها: لماذا وصلتم إلى هنا؟ لماذا جرى ويجري تحوّل الرأي العام، خصوصًا في أوروبا ضد إسرائيل؟ إن السبب الرئيسي للمقاطعة هو سياسة القمع والاحتلال والتنكيل اليومي بالفلسطينيين.
هذه هي الحقيقة التي تحاولون التهرب منها. وسؤالي الأهم لكم: كيف ستواجهون المقاطعة الخارجية هذه الأيام، ولديكم وزيرة ثقافة اسمها ميري ريغف، تتبع سياسة المقاطعة والحرمان في الداخل لكل مسرح أو نشاط فني يناقض قناعاتها السياسية اليمينية، ولكل من يخالفها الرأي؟».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.