(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6)‬) فيلمان فرنسيان متباعدان: واحد للتثاؤب وآخر للإثارة

محاكمة أعصاب المشاهدين في«سانت أومير»
محاكمة أعصاب المشاهدين في«سانت أومير»
TT

(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (6)‬) فيلمان فرنسيان متباعدان: واحد للتثاؤب وآخر للإثارة

محاكمة أعصاب المشاهدين في«سانت أومير»
محاكمة أعصاب المشاهدين في«سانت أومير»

بجدارة مع نسبة من الجدال، يمكن اعتبار مهرجان فنيسيا أفضل مهرجان سينمائي في العالم، وهذا يعني أنه أفضل من «كان» و«برلين» والصف المتقدم من المهرجانات الأخرى مثل لوكارنو وكارلوفي فاري وسان سابستيان ولندن وتورونتو.
أسباب ذلك تعود إلى الاختيارات المفتوحة داخل المسابقة وخارجها على مزيج كبير من الأفلام الجيدة حتى وإن كانت الجودة مرهونة بوجهة نظر الجمهور والنقاد. هناك أفلام لم تكن ضرورية (مثل فيلم «القديس أومير» لأليس ديوب الذي شوهد أول من أمس) والذي عُرض ضمن المسابقة وكان الأجر به أن يحتل زاوية بين الأفلام التي حشدت خارجها.
لكن لا بد من سبب وراء إدخاله. ربما لأن مخرجته أفريقية الأصول لأجل القول إن المخرجين ذوي البشرة السوداء متواجدون في هذا الحفل. لكن الفيلم فرنسي الإنتاج كاملاً ما يجعل لون بشرة مخرجه خارج الطرح وهو أحد خمسة أفلام فرنسية بين 23 فيلماً مختاراً للمسابقة بينها خمسة غير أوروبية (هي مكسيكي وأرجنتيني وياباني وإيرانيان) والسائد هنا هو أنه كان يمكن الاستغناء عن ثلاثة أفلام واستبدالها بأعمال أخرى غير أميركية وغير أوروبية.

من «أثينا» لرومين غافراس

- إخراج كسول
«سانت أومير» دراما محاكم يتولى تقديم روائية فرنسية شابة من أصول أفريقية اهتمت بقضية امرأة أفريقية الأصول أيضاً تُحاكم بتهمة ترك طفلتها على شاطئ البحر مما أدى لغرقها. هذا التأسيس والاهتمام يمر في عشر دقائق، باقي الفيلم هو - بمعظمه - عن المحاكمة ذاتها. الكاميرا تنتقل من القاضية إلى المتهمة ثم إلى القاضية ومنها إلى المتهمة طوال الوقت. تقطع قليلاً لتظهر المدعي العام والمحامية والجالسين (مقابل 200 يورو في اليوم) كحضور. وبينهم بالطبع تلك الشابة التي تتابع وتشعر بالألم لكونها مرت بمحنة في طفولتها.
لا يمكن سؤالي عما هي هذه المحنة التي تجعلها تتلوى من الوجع وتتحسس بطنها وتبكي وتتقياً لأن الرابط واهن بين الحالتين. هي لم يكن لديها طفل تركته على الشاطئ أو داخل سيارة بلا منفذ هواء. لكنها تمثل - حسب شهادة المخرجة في كلمتها عن الفيلم - المخرجة ذاتها. تقول في كلمتها: إنها حضرت تلك المحاكمة سنة 2016 وتأثرت بها. لكن هذا التأثير لا وجود له في الفيلم ذاته. إذا كان هناك من وجود فهو الضجر من حكاية ووقائع نسمعها ولا نشاهد منها شيئاً.
هذا إخراج كسول منمق أحياناً ببعض المواقف وبأغنية لنينا سايمون عنوانها Little Girl Blues علينا أن نسمعها كاملة ربما لتملأ بعض الوقت الإضافي.
الحوارات بدورها طويلة وكثيرة في أفلام كثيرة (مثل The Whale وTar) كما لو أن هناك توجهاً للعمل ضد السينما وتفكيك لغاتها السردية والفنية. هناك أفلام كثيرة قامت على الحوار (أفلام انغمار برغمن) وبعضها على مونولوغ فردي (مثل «شرف سري» لروبرت ألتمن) لكنها مصحوبة بعمق ما تطرحه من أحوال الناس وبدكاء معالجتها لدى مخرجيها وهذا لا وجود له لا في «سانت أومير» (بلدة فرنسية) ولا في الغالب مما شاهدناه هنا على هذا المنوال.

مشهد من «أثينا» لرومين غافراس (نيتفليكس - أ.ب)

- شرارة شغب
الأجدى من هذا الفيلم، عمل فرنسي آخر ولو أنه ليس الفيلم الذي لا يخلو من مشاكل.
عنوانه «أثينا» للمخرج رومين غارفاس حول ثلاثة أشقاء يتعاملون مع تداعيات مقتل صبي في الحادية عشرة من العمر على أيدي رجلي بوليس. من دون سبب يُذكر ما ينتج عنه وقوع تظاهرات وأعمال شغب وعنف...
في البداية نجد الكاميرا ثابتة على وجه المجند عبدل (دالي بنصالح) وهو يتقدم نحوها. تتراجع مع تقدمه ثم تدلف معه مؤتمراً صحافياً سيدعو فيه إلى الهدوء والتوقف عن التظاهر. لكن أحد المتواجدين في القاعة يشعل قنبلة مولوتوف ويرميها في القاعة. من هنا، لن تتوقف الكاميرا عن الهرولة مع أبطالها من وإلى وأحياناً حتى عندما يتوقفون عن السير. هذا يخلق حركة دائمة ودؤوبة للكاميرا كما لما أمامها. وما أمامها مئات المتظاهرين يتقدمهم كريم (سامي سليمان) شقيق عبدل الأصغر ويتوسطهما مختار (واسيني مبارك) الذي يحاول منفذاً آخر لإقناع شقيقه كريم بالتوقف عن العنف. ليس هناك من قصص خلفية للثلاثة بل يقفز الفيلم إلى منتصف القتال الدائر بين رجال القانون والخارجين عليه، وبين هذا الفريق الثاني ضد بعضه البعض.
إذ تتلاحق الأحداث في خط واحد لا يهدأ يؤمنه تصوير ماتياس بوكار يعمد المخرج غافراس (ابن كوستا - غافراس) إلى اللقطات الطويلة كحجم وكمدة تصوير للقطة الواحدة (على تفاوت أحياناً). يضيف المخرج إلى الضجيج الناتج عن التظاهرات والصراخ الفردي والعام موسيقى مضطربة (من الفرقة الفرنسية Gener8ion) وبعض المقاطع الأوبرالية لمزيد من التأثير. لكن كل هذا لا ينتج عنه أكثر من تأكيد ما هو حاصل. الفيلم هو كل ذلك الزخم البصري والسمعي لما يقع ويحدث. والعصا ممسوكة، حين يصل الأمر إلى تحديد المسؤوليات، من النصف: نعم هناك وحشية بوليسية انطلقت منها شرارة الشغب، لكن هناك الفقر والعوز والعنصرية التي يواجهها أبناء الضواحي الجنوبية. العنوان مأخوذ عن تراجيديا يونانية كما كان (Les Miserable) مأخوذ عن رواية فكتور هوغو من دون أن يعني ذلك أكثر من استخدام كلمة ذات مرجعية أدبية. الفيلمان ممهوران باسم لادي لي الذي أخرج «البؤساء» وأنتج هذا الفيلم. كما ينتهي فيلمه السابق بورطة وقوع القانون بين المطرقة والحجر يواصل هذا الفيلم الحبكة على هذا النحو كما لو أنه امتداد كامل للحكاية الأولى التي تضمنت مقتل أبرياء صغار أشعل فتيل المشكلة.
إخراج الوحدة الثانية المعنية بتوجيه وإدارة المجاميع وإدارة الكاميرا وجهد الإخراج في «أثينا» رائع، لكن كل شيء هنا هو في نهايته سلسلة طويلة من الحدث ذاته مفروض على المشاهد كما لو كان جداراً يتلقف الحجارة. هذا ليس فناً رفيعاً لكنه شق طريق للمخرج الفرنسي صوب «نيتفليكس» والسوق الأميركية على نحو يؤمل منه المزيد.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

TT

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز)
قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز)

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيسا بـ99 صوتاً، وذلك بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة، ليكون بذلك الرئيس الـ14 للجمهورية اللبنانية، متعهداً بأن تبدأ معه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان».

وحظي عون بتأييد واسع من الكتل النيابية، بمن فيهم الثنائي الشيعي: «حركة «أمل» و«حزب الله» اللذان انضما إلى التوافق في الجلسة الثانية، وأمّنا له نحو 30 صوتاً إضافياً كانت كافية لاعتبارات بمثابة «تعديل دستوري ضمني»؛ كونه حاز أكثر من ثلثي الأصوات المطلوبة للتعديل، انطلاقاً من كون الدستور يفرض استقالته بوصفه قائداً للجيش قبل سنتين من انتخابه، فيما بقي «التيار الوطني الحر» الذي يتزعمه النائب جبران باسيل وحيداً في المعارضة، بعدما رفض الالتحاق بالتوافق حول عون.

وتم انتخاب عون في الدورة الثانية بعدما أخفق البرلمان بانتخابه من الدورة الأولى التي بلغت فيها الأصوات الداعمة له 71 صوتاً من كتل المعارضة التي كانت قد أعلنت دعمها له، ليعود بعدها رئيس البرلمان نبيه بري ويرفع الجلسة ساعتين «لمزيد من التشاور».

وكما كان متوقعاً، ووفق المعلومات التي أشارت إلى توجّه «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) إلى التصويت لقائد الجيش في الجلسة الثانية، بعدما كان يرفض ذلك مقابل دعم شبه كامل من المعارضة، ونجح عون في الحصول على أكثر من ثلثي أصوات البرلمان؛ أي: 86 صوتاً من أصل 128، وهو العدد المطلوب لفوز الرئيس في الدورة الأولى ولتعديل الدستور الذي لا يسمح بانتخاب موظفين من الفئة الأولى وهم في المنصب، كما هي حال عون، وحتى عامين من استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد.

وانطلقت الجلسة الأولى عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، بعد اكتمال النصاب بمشاركة جميع النواب الـ127 ورئيس البرلمان نبيه بري، وحضور الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، والموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان، وسفراء اللجنة الخماسية، وعدد من الدبلوماسيين الذين كان قد دعاهم بري لحضور الجلسة.

وبعد انتهاء المداخلات بدأ التصويت لانتخاب رئيس للجمهورية، وانتهت عملية فرز الأصوات بحصول عون على 71 صوتاً، أما باقي الأصوات المفرزة فتوزعت بين 37 ورقة بيضاء، معظمها من نواب «الثنائي الشيعي»، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين، و14 تحمل عبارة «السيادة والدستور»، من قبل نواب «التيار الوطني الحر»، كما حملت ورقتان اسم شبلي الملاط، وعُدّت 4 أوراق ملغاة.

وبناء على هذه النتائج، أعلن رئيس البرلمان نبيه بري رفع الجلسة لساعتين؛ لمزيد من التشاور، وهو ما لاقى انتقاداً من بعض النواب الذي طالبوا بترك الجلسة مفتوحة والذهاب إلى الدورة الثانية، بحيث يصبح انتخاب الرئيس متطلباً فقط 65 صوتاً، بينما كانت كل المعلومات تشير إلى أن «الثنائي الشيعي» يتّجه للتصويت لصالح عون في الجلسة الثانية، وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قائلاً في حديث تلفزيوني إنه «متفائل بانتخاب رئيس للبنان اليوم»، مؤكداً أنه «سيتم انتخاب رئيس بأكثرية نيابية في الجلسة الثانية».

والأمر نفسه، تحدث عنه نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» جورج عدوان ناقلاً عن رئيس البرلمان نبيه بري تأكيده أنه «سيتم انتخاب رئيس للجمهورية اليوم الخميس، ولن نجادل بقضية إبقاء الجلسة مفتوحة أو رفعها؛ لأننا نريد انتخاب رئيس».

وبالفعل، انتهت نتيجة الجلسة الثانية بحصول عون على 99 صوتاً، بينها أصوات نواب «حزب الله» و«حركة أمل»، فيما تمسك «التيار الوطني الحر» بموقفه الرافض، وانتخب نوابه بورقة «السيادة والدستور»، وانتخب 9 نواب بورقة بيضاء إضافة إلى ورقتين حملتا اسم شبلي الملاط، أما الأوراق الملغاة فبلغت 5.

مداخلات نيابية: بين دستورية انتخاب عون وعدمها

وشهدت الجلسة الأولى بعد تلاوة مواد دستورية وأخرى من النظام الداخلي للمجلس حول الانتخاب، مداخلات من عدد من النواب، بعضهم رأى أن انتخاب عون مخالفة دستورية، على غرار النواب: ملحم خلف، وجميل السيد، ورئيس التيار «الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي بقي متمسكاً بموقفه الرافض لانتخاب عون، حتى بعد تجاوب «حزب الله» و«حركة أمل»، وكان قد بذل جهوداً حتى الساعات الأخيرة للتوصل معهما إلى توافق على مرشح وهو ما لم ينجح.

ورأى باسيل في كلمته «أننا أمام عملية تعيين»، موضحاً أن «الأصول الدستورية لا تحتمل تفسيراً، ولا نريد رئيس الجمهورية ببداية عهده يكون يخالف الدستور»، فيما أكد النائب بلال عبد الله، عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» التي كانت أول من أعلنت تأييدها لعون قبل أسابيع، أن «الدستور وسيلة لحماية الدولة والمجتمع، وما نريده هو الحفاظ على الوطن».

وأشار النائب وضاح صادق إلى أن «البلد في حال احتضار، وواجبنا منع النزيف»، وقال: «في الجلسة الأخيرة لانتخاب الرئيس تم إدراج اسم قائد الجيش جوزيف عون في محضر الجلسة الأخيرة، بعد نيله صوتاً، ما يعني قانونية ترشيحه».

وكانت مداخلة للنائب ميشال معوض قال فيها: «وصلنا إلى هذه المرحلة؛ لأن السيادة أصبحت وجهة نظر، والدستور أيضاً. لنطوِ هذه الفترة من الشغور الرئاسي، حان الوقت لننتخب رئيساً صارماً ليس ضعيفاً ولا رمادياً».

وفي مداخلة له، قال نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب: «نحن أمام فرصة حقيقية لإنهاء الشغور، وأتمنى ألا نخرج من هذه القاعة قبل إيجاد حل وانتخاب رئيس، وهذه الفرصة لن تتكرر إذا فشلنا».