ألغام الحوثيين... رسائل خفية للقتل وأدوات لتفخيخ مستقبل اليمنيين

ألغام حوثية تم نزعها في الساحل الغربي لليمن (سبأ)
ألغام حوثية تم نزعها في الساحل الغربي لليمن (سبأ)
TT

ألغام الحوثيين... رسائل خفية للقتل وأدوات لتفخيخ مستقبل اليمنيين

ألغام حوثية تم نزعها في الساحل الغربي لليمن (سبأ)
ألغام حوثية تم نزعها في الساحل الغربي لليمن (سبأ)

بمضي الوقت وسقوط آلاف الضحايا؛ باتت لدى اليمنيين خبرة كبيرة في تجنب الألغام. إلا أن هذه الخبرة لا تكفي أمام تفنن الميليشيات الحوثية في زرعها وتمويهها حتى على فرق نزع الألغام، وجاءت السيول لتنقلها خارج حقولها، لتتفاقم الكارثة، بينما تستمر الميليشيات في زرع مزيد منها لتفخيخ مستقبل حياة اليمنيين.
الأسبوعان الماضيان شهدا سقوط عدد من المدنيين ضحايا للألغام الحوثية في مناطق متفرقة، وحتى لحظة كتابة هذه القصة؛ فإن آخر الضحايا هو أحد أفراد الفرق الهندسية لنزع الألغام في منطقة الضباب غرب محافظة تعز، وبحسب المرصد اليمني للألغام، فإن اللغم الذي انفجر به كان يعمل بمستشعر حراري زرعه الحوثيون.
كما قتل مدني آخر أثناء ما كان يعمل على جرافته في منطقة الحوك التابعة لمحافظة الحديدة (غرب)، بينما قتل ثلاثة آخرون في مديرية عبس التابعة لمحافظة حجة (شمال غرب)، في حين أصيب 7 مسافرين من اللاجئين الإثيوبيين في منطقة اللبنات بمحافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء، بينهم 5 نساء، ومواطن في مديرية الدريهمي قرب مدينة الحديدة.
وأعلن المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن (مسام)، عن نزع 1167 لغماً خلال الأسبوع الماضي، منها 11 لغماً مضاداً للأفراد، و486 لغماً مضاداً للدبابات، و662 ذخيرة غير متفجرة، و8 عبوات ناسفة، ليرتفع عدد الألغام التي نُزِعت خلال أغسطس (آب) الماضي إلى 3709 ألغام.
وبحسب موقع «مسام» على الإنترنت؛ فإن عدد الألغام المنزوعة منذ بداية المشروع بلغ 356 ألفاً و24 لغماً زرعتها ميليشيات الحوثي في مختلف المحافظات والمناطق التي مرت منها.
في غضون ذلك، كشف المدير التنفيذي للمرصد اليمني للألغام فارس الحميري عن خطط وأساليب حوثية مستحدثة في زراعة الألغام، وبتقنيات جديدة لم تكن معروفة من قبل بهدف إلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية بالمواطنين والفرق الهندسية لنزع الألغام والعسكريين وحتى المواشي، مؤكداً أن الميليشيات جعلت مناطق عديدة تطفو على حقول من الألغام العشوائية، وبشبكات متنوعة.
واتهم الحميري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» الحوثيين بالاستمرار في عملية زرع الألغام بكل أشكالها، حيث نشروا مؤخراً ألغاماً بحرية باتجاه جزر يمنية قبالة ميدي في محافظة حجة، وباتجاه أرخبيل حنيش وقرب سواحل الخوخة في البحر الأحمر غرب البلاد، إضافة إلى زرع مزيد من الألغام في مداخل مدينة تعز الشرقية والغربية والشمالية.
وأوضح الحميري أن الحوثيين يعتمدون على زراعة الألغام محلية الصنع، وطوروا حديثاً هذه الألغام بشكل لافت، وهو على ما يبدو نتاج خبرات عسكرية أجنبية، حيث يزرعون ألغاماً حرارية وأخرى تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وألغاماً تعمل بالكاميرات، وبعضها مزود بمجسات ذات حساسية عالية، إضافة إلى العبوات المموهة بطرق احترافية.
وينوه الحميري بأن زرع الحوثيين للألغام لم يكن لأغراض عسكرية، إذ إن عملية الزرع المفرطة استهدفت مناطق مأهولة وطرقات ومنشآت خدمية ومزارع ومناطق لرعي الماشية، دون أن يكون هناك تفريق بين هدف عسكري ومدني.
كما كشف أن الميليشيات الحوثية عمدت إلى استهداف الفرق الهندسية التي تعمل في مجال النزع والتطهير، وذلك بوضع أكثر من لغم، بعضها فوق بعض، ودفنها في التراب، وهذا يمثل أحد الأساليب لاصطياد العاملين في مجال التطهير، إضافة إلى زراعة أكثر من لغم بطريقة الربط المشترك بمجس واحد، وكذا ربط بعض حقول من الألغام بعدة كاميرات ليتم الانفجار بشكل متزامن ليحدث أكبر قدر من الخسائر.
وأضاف أن الفرق الهندسية تواجه صعوبات كبيرة في عمليات التطهير نتيجة التقنيات التي أدخلها الحوثيون في الألغام والشراك الخداعية والعبوات المموهة، حيث تسببت حوادث عدة في سقوط ضحايا بصفوف العاملين في مجال النزع.
وأوضح الحميري أن المرصد الذي يديره وثق زراعة الحوثيين للألغام البلاستيكية، وهو نوع يصعب اكتشافه ويمثل خطراً كبيراً، حيث يمكن أن يبقى لسنوات طويلة تحت الأرض دون أن يتعرض للصدأ أو التلف.
وتشير التقديرات الرسمية التي حصل عليها المرصد اليمني للألغام، إلى أن الحوثيين زرعوا نحو مليون لغم، وهي تقديرات تستند في جزئية منها إلى حجم التسليح بالألغام في مخازن الجيش قبل الانقلاب في عام 2014، لكن الكميات أكثر من ذلك بكثير. وبحسب تقديرات المرصد نفسه؛ فإن معظم الألغام التي يتم انتزاعها هي ألغام محلية الصنع وليست من الألغام المشتراة، التي كانت ضمن تسليح القوات المسلحة اليمنية، وكانت الإحصائيات والدراسات في مطلع عام 2014، تشير، بعد سنوات من الجهود المضنية، إلى أن اليمن على وشك إعلانها منطقة خالية من تلوث الألغام؛ إلا أن زراعة الحوثيين للألغام خلال سنوات الحرب عادت باليمن إلى قائمة أكثر الدول الملوثة بالألغام.
وخلال فترة الهدنة تراجعت حدة الأعمال القتالية في البلاد، وحاول عدد من الأسر النازحة العودة إلى منازلها، إلا أن الألغام ظلت عائقاً كبيراً أمام إمكانية العودة، خصوصاً بعد سقوط عدة ضحايا خلال عودتهم إلى منازلهم أو مزارعهم.
وتتجدد مطالبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من المنظمات والجهات الرسمية بالضغط على الحوثيين للتوقف عن زراعة مزيد من الألغام، وتسليم الخرائط، وتقديم الدعم والمساندة للفرق العاملة في مجال التطهير.
وكرر المرصد اليمني للألغام عبر «الشرق الأوسط» دعوته مكتب المبعوث الأممي لإفراد مساحة من النقاش خلال فترة الهدنة لوضع المعالجات المناسبة لكارثة الألغام لوقف سقوط مزيد من الضحايا.
وخلال زيارتها لمركز إعادة التأهيل والأطراف الصناعية في ‎العاصمة المؤقتة بعدن، ومستشفى السبعين في العاصمة صنعاء؛ ناشدت نائبة المدير التنفيذي لمنظمة اليونيسيف حنان سليمان، جميع الأطراف، ‎حماية الأطفال والمدنيين أينما كانوا، وإزالة الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحرب.
والأسبوع الماضي، اتهم مدير البرنامج الوطني للتعامل مع الألغام أمين العقيلي، ميليشيات الحوثي بمواصلة زراعة الألغام رغم الهدنة المعلنة برعاية أممية، مؤكداً وجود أعداد جديدة تضاف إلى أرقام الألغام التي زرعتها قبل الهدنة، مطالباً المجتمع الدولي بالضغط على الميليشيا للتوقف عن زراعة الألغام وتسليم خرائط حقول الألغام التي زرعتها سابقاً.
وفي حين كشفت السيول كثيراً من حقول الألغام التي لم تكن معروفة؛ فإنها نقلت الألغام إلى مناطق جديدة، ووفقاً للعقيلي، فإن أماكن انتشار الألغام لم تعد محدودة أو معلومة، وتحتاج إلى جهود كبيرة، خصوصاً أن أغلبها عبارة عن أجسام غريبة أو مشبوهة.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.