NOPE
لا تنظر لفوق... هناك زائر فضاء متوحش
إخراج: جوردون بيل [الولايات المتحدة - 2022] | عروض عامّة
ممتاز ★★★★
على كثرة الغزوات التي قامت بها مخلوقات الفضاء، بات متعذراً أن يجد الواحد منا فيلماً جديداً في نوعه ومفاداته، بل أساساً في أحداثه. سيهبط أهل الفضاء في أشكال شتى ليستعمروا الأرض لأسباب مختلفة. كل سبب منها بات متكرراً بحد ذاته. هناك غزو ناتج عن محاولة استعمار الأرض وقهر من عليها. أو أن هناك غزوات لوحوش فتّاكة تحرّش بها العلماء الأرضيون فهبطوا فوقها لتدميرها. أو أن أسباب الحياة فوق الكواكب الأخرى لم تعد مناسبة، فشد أهل الفضاء الرحال للهجرة إلى الأرض التي بدت لهم مليئة بالحياة.
الميزة الأولى لفيلم جوردان بيل هي أنه مختلف عما سبق. نعم هناك صحن طائر ومخلوقات ما فيه وهجوم على البشر، لكن المخرج بيل، وقد كتب السيناريو بنفسه، لم يكترث لتحليل السبب الذي من أجله هبط ذلك الصحن الفضائي فوق ولاية كاليفورنيا. وهذا رائع لأنه لو دخل تعامل مع الأسباب والدوافع لكان عليه أن يُقنع بها أو يعالجها كما الأفلام السابقة.
ميزة ثانية في هذا الفيلم المهم، هي أن الفيلم هو أكثر من فيلم رعب. هو فيلم رعب وخيال - علمي ووسترن أيضاً. وعلى الجانب لديه ما يقوله حول هوليوود والعالم اليوم.
القصّة ذات خيوط بسيطة: رجل اسمه أوتيس (دانيال كالويا) وشقيقته إميرالد (كيكي بالمر) ورثا مزرعة خيول يؤجرانها للشركات التي ترغب في تصوير أفلام وسترن وسواها. الأحداث تقع في الزمن الحاضر لكنها تعيش وداعة سينما الأمس وتوحي بها. ذات يوم يلحظ أوتيس وضعاً غريباً في السماء. شيء مختف وراء الغيوم يثير ذعر الجياد، وسريعاً ذعره وشقيقته والشاب الذي قام بنصب الكاميرات التي ستصوّر ما سيحدث.
أوتيس رجل قليل الكلام. عقلاني وواقعي. شقيقته هي رجل أعمال في الداخل. تدرك سريعاً أن ما يقع يمكن أن يعني الكثير لها ولأخيها. تحاول ترويج ما يقع لجلب الإعلام ولا بأس من منتج سينمائي يشارك في الحضور والتصوير لكي يصنع فيلماً مقابل عائدات مادية.
لكن الصحن الطائر لا ينتظر طويلاً قبل أن يغير مجدداً على المزرعة ويمتص البشر والجياد ويدور فوق المكان عن قرب باحثاً عن ضحايا. المجابهة صعبة. العقل البشري أمام القوّة المفرطة للمجهول. ومن دون الإفصاح عن الأحداث والنهاية، كما لا بد من القول، غير متوقعة. محتملة لكنها بالتأكيد غريبة مثل الفكرة التي بنى عليها المخرج عمله.
جوردان بيل كان سبق وأن قدّم قبل 4 سنوات فيلماً تشويقياً جيداً وناجحاً عنوانه «اخرج» (Get Out) والمشترك بين الفيلمين حقيقة أن المخرج يختار حكاية تعمل بشروط هوليوودية لكنها تحتوي على أبعاد لا تقترفها هوليوود إلا قليلاً.
هناك في «اخرج» قصّة شاب أفرو - أميركي وصديقته البيضاء المدعوَّين إلى بيت والديها في حي من أثرياء البيض. ينطلقان إلى المكان بكل سرور ويستقبلهما والداها بترحاب. بالتدرّج السهل يكتشف بطل الفيلم أن صديقته دبّرت مع أهلها استحواذه واستعباده كما حدث مع أفرو - أميركي آخر بات يعمل خادماً صامتاً في بيت العائلة.
النوع تشويقي والقالب هو عن استمرار سقوط الأفرو - أميركيين في مخالب الطبقة البيضاء، وبالتالي هو فيلم عن العنصرية والمجتمع يختلف عما سبقه من أفلام.
هنا أيضاً يتبدّى الفيلم كتشويق ورعب، لكن المضمون مختلف. أوتيس وشقيقته لديهما تلك المزرعة الواقعة في خارج المدينة. يكافحان لاستمرارها وتحقيق عيشٍ كاف من ورائها. حين يأتي ذلك الصحن من اللامكان يذودان عنها لكن ما هو هذا الصحن؟ لماذا هو مختلف عن باقي الصحون الطائرة من حيث إنه بلا قصّة خلفية أو دوافع.
هنا يمكن تمرير قدر من الاحتمالات أهمّها أن أول ما بدأ أوتيس يشعر بالعبء الاقتصادي ينبري له ذلك الصحن الطائر كما لو كان قدراً لا مفك منه ما يدل (أو يوحي) على أن وظيفته في الفيلم اجتماعية ترمز إلى الوضع الاقتصادي الذي يعيشه الشقيقان.
هو أيضاً يحتوي على القدر المناسب من الحديث عن العنصرية: مرتان يرد ذكر الصناعي إدوارد مايبريدج الذي نصب كاميراته متلاصقة ليصوّر الحصان وهو راكض لتبيان ما إذا كانت أرجله الأربعة ترتفع عن الأرض معاً أو لا. في المرّتين تذكير بأن راكب الحصان كان شخصاً أسود أهمله التاريخ وإن لم يهمل مايبريدج الأبيض. ليست هذه أقوى نقاط الفيلم المسجلة لصالحه، لكنها تُستخدم لإعلان واقع وهو أن السود وتاريخ الغرب الأميركي متلازمان لكن ما نراه غالباً هو البيض وذلك التاريخ.
ما يجعل الفيلم مختلفاً كذلك عن معظم الأفلام التي تتحدّث عن الغزو، لجانب طروحاته المذكورة، حقيقة أن المخرج يختار الكاميرا لكي تلعب دور المعبّر عن وجهة النظر. إنه أوتيس الذي يتطلّع من وجهة نظره. وحين الانتقال إلى شقيقته فإن الكاميرا سريعاً ما تعبّر عن وجهة نظرها حيال ما يقع. ثم هناك الكاميرا (واحدة فيلم والأخرى فيديو) وكلاهما يلتقطان ما يحدث. وجهة النظر هنا ليست ترميزاً لرأي. إنها ليست وجهة نظر فيما يحدث بل تنتقل الكاميرا لعيني الشخصية لنرى منهما ما يعرضه المخرج. بذلك تفعيل لرؤية سيكولوجية كذلك. وهذا التفعيل ينقلب إلى عنصر بالغ الأهمية عندما يكتشف أوتيس أن الوحش الطائر يتبادل النظر مع الضحية إذا ما نظرت إليه. بمعنى أن الإنسان لا يستطيع أن ينظر إلى الصحن الطائر لأن الصحن الطائر سيستقبل نظراته ويحدد مكانه ويجذبه إلى داخله.
بعض ذلك التحذير (لا تتطلع إلى الوحش) كان ورد كذلك مع الحصان. خلال تصوير دعائي يطلب أوتيس، وهو خبير الجياد، ألا يحدّق أحد العاملين في الحصان لأن ذلك يوتّره. ما بين عيون الجياد وعيون البشر وعين الوحش علاقات لا بد من سبرها في هذا الفيلم المصنوع، رغم كثرة دلالاته كعمل تشويقي لا تستطيع أن تتركه يمضي من دون أن تشاهد كل لحظة منه.
هناك الكثير مما يقع في «نوب» (أو «لا» إذا شئنا الترجمة). يصوّر جوردان كل شيء مستلهماً عمله من موهبة في الكتابة وفي الإخراج كما في منح الصورة الحركة المطلوبة على غرار الأفلام الهوليوودية معززة بما يفشل معظمها في الذهاب إليه من مضامين وأبعاد.
ضعيف ★ وسط ★★ جيد ★★★
ممتاز ★★★★ تحفة ★★★★★