عندما وقف قائد الأسطول السادس الأميركي ذلك المساء في حفلة العشاء الرسمي التي يقيمها الحلف الأطلسي (الناتو) سنوياً في مقرّه الرئيسي على أبواب خليج نابولي، وطلب من كبار الضبّاط والضيوف أن يشربوا نخب الحلف الأطلسي، لم يكن يتخيّل أنّ بين الذين رفعوا الكأس إلى جانبه تلك الليلة جاسوسة شابة تابعة للمخابرات العسكرية الروسية، وتبيّن فيما بعد أنها كانت بطلة إحدى أهمّ عمليات التجسس الروسية في عقر دار قيادة القوات الأطلسية في أوروبا.
وكشف تحقيق صحافي دام سنوات عدة أجرته صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية ومجلة «دير شبيغل» الألمانية، تفاصيل مثيرة عن هذه العملية التي قامت بها طوال عشر سنوات تقريباً سيدة غامضة تحمل اسماً وهمياً: ماريّا أديلا كوفلت ريفيرا، وتدّعي أنها وُلدت في البيرو من أب ألماني وأم بيروفية وترعرعت في روسيا بعد أن اضطرت والدتها لتركها في موسكو خلال حضورها الألعاب الأولمبية في عام 1980 والعودة إلى ليما لأسباب عائلية طارئة.
عندما وصلت ماريّا أديلا إلى إيطاليا كانت في الثلاثين من عمرها وتتقن ست لغات، أقامت لفترة بالقرب من روما قبل أن تنتقل إلى نابولي حيث أسست شركة لصناعة المجوهرات استخدمتها لتوسيع دائرة علاقاتها بين الطبقة البورجوازية وكبار موظفي القاعدة العسكرية الأطلسية والأسطول السادس في المدينة. ويقول من عرفها عن قرب إنها كانت بارعة في فنون الإغراء والغواية، وإنها حطّمت أفئدة كثيرة قبل أن تختفي عن الأنظار ويضيع أثرها في العام 2018.
وتبيّن من التحقيقات التي بدأت بعد اختفائها المفاجئ عقب انكشاف هوية العميل الروسي الذي حاول اغتيال المنشقّ سيرغي سكريبال وتاجر الأسلحة البلغاري إميليان غيبريف في لندن، أنّ الخيط الأساسي الذي يربطها بجهاز المخابرات العسكرية التابع للكرملين هو جواز السفر الذي استخدمته للدخول إلى إيطاليا، والذي يحمل رقماً متسلسلاً من المجموعة الخاصة بجوازات السفر التي تستخدمها المخابرات الروسية. واستخدمت ماريّا أديلا ثلاثة جوازات سفر تحمل جميعها أرقاماً متسلسلة مشابهة، لتغطية تحركاتها.
بين عامي 2009 و2011 تنقّلت ماريّا أديلا بين روما ومالطا حيث أقامت علاقة وطيدة مع الصحافية مارسيل دارغي سميث، مديرة الطبعة البريطانية لمجلة «كوزموبوليتان»، التي قالت إنها تعرّفت عليها في حفلة كبيرة أقامتها بمناسبة عيد ميلادها في عام 2010 وأخبرتها بأنها كانت تتابع دراسة حول علوم الأحجار الكريمة في باريس حيث عاشت لفترة وسجّلت لاحقاً إحدى شركاتها الوهمية لبيع المجوهرات، وأنها تتردد على مالطا التي يعيش فيها خطيبها.
في عام 2013 انتقلت إلى نابولي حيث أسست مختبراً للمجوهرات قبل أن تفتتح متجراً لها تحت اسم علامتها التجارية «Serein» في شارع «مانزوني» الذي يضمّ أرقى المتاجر العالمية، واستأجرت شقة فخمة كبيرة مطلّة على خليج المدينة التي يوجد فيها مقر القيادة الأوروبية لقوات الحلف الأطلسي. وبعد أن أصبحت من الشخصيات الاجتماعية المعروفة في المدينة، افتتحت لها غاليري للمنتجات الفاخرة سرعان ما أصبح ملتقى الأثرياء والمشاهير، وكان يتردد عليه القنصل الأميركي وزوجته.
وتفيد المعلومات والبيانات التي جمعها المحققون بأن مارّيا أديلا لم تكن مهتمة بتسويق المنتجات الفاخرة بقدر ما كانت تسعى لترسيخ وجودها في الأوساط الاجتماعية الشهيرة والنافذة. ونجحت في الانضمام إلى نادي الليونز الذي كان قد أسسه ضبّاط القاعدة الأطلسية تحت شعار «القوات الحليفة المشتركة»، والذي يقتصر أعضاؤه تقريباً على المسؤولين في الحلف الأطلسي والأسطول السادس الذين يقودون عمليات الحلف وأنشطة البحرية الأميركية في أوروبا.
وفي عام 2015، ضربت ماريّا أديلا ضربتها الكبرى عندما تمّ تعيينها أمينة للنادي وأصبحت تملك المعلومات الشخصية لكل أعضائه، وأقامت علاقات عاطفية مع عدد من المسـؤولين البارزين بينهم.
ومن كبار المسؤولين الذين أقامت علاقات وطيدة معهم في تلك الفترة كانت الكولونيل شيلا براينت، المفتّشّ العام لقوات البحرية الأميركية في أوروبا وأفريقيا، وهي محامية متخرجة في هارفارد كانت مساعدة للجنرال جيم ماتيس القائد السابق للقوات الأميركية في العراق ووزير الدفاع لاحقاً.
وتقول براينت إنّ علاقتها وزوجها بماريّا أديلا لم تتعدّ الحيّز الاجتماعي، وإنها لم تتحدث معها أبداً في الشؤون العسكرية، وغالباً ما كانا يحاولان مساعدتها لتجاوز المشكلات العاطفية التي كانت تقول إنها كانت تعاني منها مع الرجال... أي مع الضبّاط الأميركيين والألمان والبلجيكيين والإيطاليين في القاعدة.
وتفيد معلومات أخرى بأن ماريّا أديلا كانت أيضاً على علاقة صاخبة مع مديرة نظم البيانات في مقر القيادة الأطلسية، وهي المسؤولة عن إدارة النظم المعلوماتية الحساسة التي استقالت لاحقاً من منصبها.
جاسوسة روسية شقّت طريقها إلى دوائر عليا في «الأطلسي»
جاسوسة روسية شقّت طريقها إلى دوائر عليا في «الأطلسي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة