مثقفون أميركيون يناقشون مفهوم البطولة

بيتر سنغار  -  ديفيد ويلسون  -  ديفيد راند
بيتر سنغار - ديفيد ويلسون - ديفيد راند
TT

مثقفون أميركيون يناقشون مفهوم البطولة

بيتر سنغار  -  ديفيد ويلسون  -  ديفيد راند
بيتر سنغار - ديفيد ويلسون - ديفيد راند

في الشهر الماضي، عقدت مؤسسة «أبطال كارنغي» مهرجانها السنوي لتقديم جوائز لناس غامروا، وواجهوا الموت، لإنقاذ آخرين. هذه واحدة من مؤسسات الملياردير اندرو كارنغي الذي أسس (قبل مائة عام تقريبا) مؤسسات خيرية، منها: جامعة كارنغي (ولاية بنسلفانيا)، ومركز كارنغي (واشنطن العاصمة)، وقاعة كارنغي للموسيقى (نيويورك).
في مهرجان «أبطال كارنغي» (عقد في «قاعة كارنغلي»)، تسلم عشرون أميركيًا جوائز، منهم باتريك لاروس (ولاية يوتا): أنقذ طفلا كان يتزحلق فوق بحيرة متجمدة، ثم سقط إلى قاع البحيرة. وشارلز جوردون (ولاية تكساس): أنقذ فتاة كانت تمشى في متنزه قريب من ثلاثة كلاب تدربت على عض الناس.
مع المهرجان، كانت هناك ندوة عن «البطولة»، وعلى ضوء النقاش في الندوة، استمرت سلسلة مناقشات، في الصحف، والتلفزيونات، والإنترنت عن الموضوع. كان بطل هذه المناقشات هو كان ولسلي أوتري. هذا هو عامل البناء الذي كان، في عام 2007، ينتظر قطار مترو (تحت الأرض) في نيويورك. عندما اقترب القطار، وقع رجل فوق طريقه. وفي الحال، قفز أوتري، وحضن الرجل، ليرقدا معا على طريق القطار. وفي معجزة نادرة، مر القطار عليهما دون أن يصابا بأي أذى.
منذ ذلك الوقت، صار «بطل المترو» من مشاهير أميركا. زار البيت الأبيض، وكرمه الكونغرس، وأخرجت عنه أفلام ومسلسلات تلفزيونية.
في مهرجان «أبطال كارنغي» نفسه، قال ديفيد راند، أستاذ علم النفس في جامعة ييل (ولاية كونيتيكات): «أعتقد أن أغلبية الناس ترى أن أغلبية الناس أنانيون. يقولون إن الشخص الذي يغامر، أو يضحي بحياته، لإنقاذ شخص آخر من الموت، يفكر كثيرا، ويتردد كثيرا، قبل أن يفعل لذلك. ويدل هذا التردد على أن التضحية ليست في أعماقنا. لكني لا أتفق مع هؤلاء. أعتقد أن الذين يضحون يفعلون ذلك دون تفكير كثير. وعندي ما يثبت ذلك».
هذه إشارة إلى بحث أجراه، في العام الماضي، مع مجموعة من طلابه. سألوا خمسين شخصا من الذين فازوا بجوائز «أبطال كارنغي»: هل فكرت كثيرا قبل أن تغامر؟ ألم تخف من الموت؟
وقالت نسبة 79 في المائة منهم إنهم لم يفكروا كثيرا، لا في المغامرة، ولا في الموت.
واستنتج راند أن هذا يعني أن «البطولة جزء من عقلنا الباطني قبل أن تكون جزءا من عقلنا الواعي. ليست البطولة نتيجة تفكير عقلاني. إنها نتيجة فطرة طبيعية»، وأضاف: «نسميها بطولة. لكنها، في الحقيقة، نوع متطرف من العطف والتعاون».
وقال إنه، بالإضافة إلى أسئلة «الأبطال»، أجرى مع طلابه أبحاثا في معامل قسم الطب النفسي في الجامعة أوضحت الآتي:
أولا: كلما قل وقت اتخاذ القرار، تغلبت العاطفة على العقلانية.
ثانيا: كلما زادت قرابة الشخص، زادت العاطفة لإنقاذه.
ويرى ديفيد ويلسون، أستاذ الأحياء والأجناس في جامعة بنغهامتون (في نيويورك)، ومؤلف كتاب: «هل يوجد شيء اسمه الإيثار (التضحية)؟»، أنه «توجد نظريتان هنا: نظرية داروين التي تعتمد على أن البقاء للأصلح، التي، طبعا، لا تؤمن بالإيثار. ونظرية إثبات الترويزم (الإيثار)، التي طبعا، ترى عكس ذلك».
وأضاف: «ليس هذا موضوع جينات، أو خلايا دماغ، أو أشياء موروثة. الذي يغامر وهو مستعد لأن يضحي بحياته لا يترك جينات يتوارثها الذين بعده، ولم يفعل ما فعل بسبب جينات ورثها من الذين قبله. الذي يشارك فقيرا في نقوده، الذي يشارك جوعانا في أكله يفعل ذلك ليس لإيمانه بالفردية (إنديفيديواليزم)، ولكن بالمجتمعية (كوميوناليزم)».
لكن، لم ينفِ ويلسون ميل الإنسان نحو الفردية. ولم ينفِ كذلك الأنانية والمحسوبية. لكنه فرق بين حالتين، اعتمادا على تطور الإنسان منذ أن كان يسكن الكهوف، واعتمادا على الانتماءات القبلية:
أولا: داخل القبيلة، توجد منافسات حول الأموال، وحول النساء، وحول الأطفال.
ثانيا: عندما تتنافس قبيلة ضد أخرى، تتوقف المنافسات، ويميل رجال القبيلة نحو توحيد صفوفهم، والتعاون مع بعضهم بعضا، والتضحية في سبيل بعضهم بعضا.
وعاد إلى نظرية داروين، وقال: «هذا هو البقاء للأصلح، للقبيلة الأصلح، لا للفرد الأصلح».
وانتقد ويلسون داروين في موضوع آخر تضحية الجنود في سبيل بعضهم البعض (يحمي جنديا آخر وهو يطارد العدو)، أو «تضحية» سائق سيارة لسائق سيارة أخرى (يسمح له بتغيير خط سيره). وقال ويلسون إن ذلك يحدث على أساس المثل الأميركي: «حك ظهري، أحك ظهرك»، وإن هذا أبعد ما يكون عن نظرية داروين.
وشارك في النقاش بيتر سنغار أستاذ الأخلاق البيولوجية في جامعة برنستون (ولاية نيوجيرسي)، ومؤلف كتاب: «كيف تكون الأحسن؟ الإيثار والأخلاق»، بقوله: «لا يكفي أن تساعد الناس في حيك، أو مدينتك. يجب أن تستعمل الرياضيات ليكون إيثارك أكثر فائدة».
قال سنغار إن بعض طلابه في جامعة برنستون أكملوا الجامعة، وذهبوا إلى «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك)، وحصلوا على وظائف لها رواتب عالية. وبدأوا يرسلون تقريبا نصف رواتبهم لمكافحة العمى في أفريقيا. قال إنهم تعمدوا ذلك، وخططوا له مسبقا. وإنهم اختاروا بين أن يساهموا في الولايات المتحدة بشراء كلب يقود أعمى، ويكلف 40 ألف دولار، وأن يساهموا في أفريقيا بمحاربة التراكوما التي تسبب العمى، وذلك مقابل 100 دولار للشخص الواحد.
حسب رأي سنغار، «يوجد فرق بين إيثار وإيثار»، لكن، هل يعنى هذا أن «بطل مترو» نيويورك كان يجب أن يفكر مسبقا في الشخص الذي أنقذ حياته؟ وكيف يفعل ذلك، وأمامه جزء من الثانية ليقرر إذا سيقع على خط القطار وينقذ الشخص، أو لا؟
واضح أن سنغار يركز أكثر على الجانب الأخلاقي في الإيثار. ولهذا، لا يتحدث عن مغامرة تهدد حياة الشخص، ولكن عن مساهمة يقدمها الشخص.
ربما هو على حق، وذلك لأنه يتخصص في الفلسفة الأخلاقية. وفي هذا، ابتعد عن التضحية بالروح، وفضل الحديث عن التضحية بالمال.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.