قال المدير الفني السابق لمانشستر يونايتد، لويس فان غال، ذات مرة لماركوس راشفورد: «أنت تركض أكثر من اللازم». كان ذلك بين شوطي المباراة التي لعبها مانشستر يونايتد أمام ميتلاند الدنماركي في بطولة الدوري الأوروبي. وكان أحد أشهر المديرين الفنيين في العالم يحاول توجيه نصائحه وتعليماته إلى المهاجم الشاب البالغ من العمر 18 عاماً آنذاك، الذي ظهر لأول مرة مع الفريق الأول لمانشستر يونايتد.
وقال فان غال لراشفورد: «ابقَ بين الجزء العرضي لمنطقة الست ياردات، وسوف تسجل». وفي الشوط الثاني، نفذ راشفورد تعليمات فان غال، وتمكن بالفعل من إحراز هدفين من مسافة قريبة من المرمى، وفاز مانشستر يونايتد بخمسة أهداف مقابل هدف وحيد، ورأى فان غال أن راشفورد قدم ما يكفي لكي يشارك في التشكيلة الأساسية لمانشستر يونايتد للمرة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز، وكان ذلك أمام آرسنال في نهاية ذلك الأسبوع.
أنهى راشفورد ذلك الموسم محرزاً ثمانية أهداف، وانضم إلى قائمة المنتخب الإنجليزي بقيادة المدير الفني روي هودجسون في نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2016، والأهم من ذلك كله أنه كان هناك شعور بأن هذا اللاعب الشاب يمتلك قدرات وإمكانات تؤهله لأن يكون لاعباً من الطراز العالمي ولأن يصل إلى أي مكانة يريدها.
وكان فان غال واضحاً تماماً بشأن دور راشفورد في الفريق؛ حيث قال: «إنه مهاجم حقيقي. يمكنه تسجيل الأهداف، لكن يمكنه أيضاً أن يكون محطة هجومية وأن يربط بين خطوط الفريق». لكن لسوء الحظ، أقال مانشستر يونايتد فان غال وعيّن بدلاً منه مديراً فنياً لديه فكرة مختلفة تماماً عن دور قلب الهجوم، ومدى ملاءمة راشفورد لفلسفته الهجومية.
لقد جاء المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو، الذي يفضل المهاجمين أقوياء البنية الذين يجيدون ألعاب الهواء ويجيدون اللعب وظهورهم للمرمى. تعاقد مانشستر يونايتد مع المهاجم السويدي العملاق زلاتان إبراهيموفيتش في موسم مورينيو الأول في «أولد ترافورد»، كما جاء روميلو لوكاكو في موسمه الثاني. وعلى النقيض من ذلك، وجد راشفورد نفسه يشارك في المباريات لفترات محدودة، وتم تغيير مركزه ليلعب كجناح أو في بعض الأحيان كمهاجم ثانٍ.
راشفورد بحاجة إلى الانتقال للوصول إلى مستوى النخبة (أ.ف.ب)
وفي المقابلات الصحافية، تحدث مورينيو أيضاً عن نقاط قوة راشفورد، قائلاً: «لن أقول إنه لا يمكن أن يلعب كمهاجم صريح أبداً. يمكن أن يكون خطيراً في التحولات الهجومية، كما يمكنه أن يكون لاعباً جيداً للغاية إذا لعب على الأطراف، وربما يكون ذلك أفضل له من اللعب في مركز رأس الحربة الصريح. لكنه يشعر بأنه مهاجم صريح».
وهكذا وقبل أن يبلغ من العمر 21 عاماً، وجد راشفورد نفسه منقسماً بين مركزين أو ثلاثة مراكز مختلفة على الأقل، بل ولم يشارك في أي من هذه المراكز لفترات طويلة وفي مباريات متتالية. وأقيل مورينيو وجاء بدلاً منه المدير الفني النرويجي أولي غونار سولسكاير، الذي اعتمد على راشفورد كمهاجم صريح في البداية، قبل أن يغير مركزه ليلعب كجناح أيسر. وجنباً إلى جنب مع أنتوني مارسيال وماسون غرينوود، ولاحقا إدينسون كافاني، قدم راشفورد أفضل مستوياته على الإطلاق خلال الفترة بين عامي 2019 و2021؛ حيث سجل 43 هدفا في جميع المسابقات.
عند هذه النقطة، تعاقد مانشستر يونايتد مع كريستيانو رونالدو. لقد كانت عودة رونالدو في صيف عام 2021 مصدر إثارة حقيقية لراشفورد، لكن عندما ننظر الآن إلى الوراء سنجد أن هذه هي اللحظة التي ضل فيها راشفورد طريقه؛ حيث أصبح محاصراً في فريق فاشل ونظام مشوش يعاني من البطء الشديد في كل المستويات تقريباً، وهو الأمر الذي يحد من قدراته الهجومية كثيراً.
وبدأ راشفورد الموسم الماضي وهو لا يزال يعاني من آثار الصدمة الناجمة عن إهداره لركلة الجزاء الحاسمة في المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية 2020، والتعافي من جراحة في الكتف. ثم عاد إلى فريق يعاني من حالة من الفوضى. ثم رحل سولسكاير وجاء المدير الفني المؤقت رالف رانغنيك، وهكذا وجد راشفورد نفسه في موسمه السابع كلاعب محترف مطالباً باللعب وفق طريقة الضغط العالي على الخصم التي أصبحت هي الخطة العصرية لمعظم الفرق في كرة القدم الحديثة.
واتفق الجميع خلال الموسم الماضي على أن مستوى راشفورد قد تراجع بشكل ملحوظ في جميع النواحي باستثناء شيء واحد فقط. لقد تراجع عدد أهدافه، وعدد تمريراته الحاسمة، وعدد تسديداته على المرمى، وعدد لمساته في الثلث الأخير من الملعب، لكن الشيء الغريب حقاً هو أن الاعتراضات وقطع الكرات التي قام بها راشفورد في ذلك الموسم كانت هي الأكثر بالمقارنة بأي موسم آخر منذ بداية اللاعب مع مانشستر يونايتد. ويعني هذا بطريقة ما أن التطور قد اكتمل: تمكن أربعة مديرين فنيين على مدار ستة أعوام من تحويل المهاجم الشاب صاحب أفضل مهارات فردية في إنجلترا إلى لاعب يعتمد على القوة البدنية في وسط الملعب.
بالطبع، لا يقع اللوم بالكامل على المديرين الفنيين الذين تولوا تدريب راشفورد؛ حيث إن جزءاً كبيراً من حالة الارتباك التي يعاني منها راشفورد حول الدور الذي يجب أن يلعبه يعود إلى راشفورد نفسه، الذي لم يكن حاسماً منذ أن كان يلعب في أكاديمية الناشئين بشأن نوع اللاعب الذي يريد أن يكون عليه. وقال راشفورد: «لقد حاولت دائماً تدريب نفسي على اللعب في جميع المراكز الثلاثة في المقدمة. إذا كان لديك لاعب يمكنه اللعب في أكثر من مركز، فهذا يعني أن فرصه في اللعب ستكون أكبر».
وتعد هذه هي المشكلة الأساسية فيما يتعلق براشفورد. إن إحباط رانغنيك المتكرر من فشل راشفورد الواضح في الالتزام بخططه التكتيكية ليس مفاجئاً عندما نضع في الاعتبار أن اللاعب لم يتلقَّ بالكاد أي تعلم تكتيكي يناسب لاعباً بهذا الحجم. فمن حيث الجوهر والروح، لا يزال راشفورد هو نفس اللاعب الذي كان عمره 18 عاماً: متحمس، وناكر للذات، وموهوب للغاية، وحريص قبل كل شيء على المشاركة في اللعب والركض أكثر من اللازم.
من المعروف في عالم كرة القدم أن معظم المهاجمين يتسمون بالأنانية والغطرسة، وربما هذا هو الجزء الذي يفتقده راشفورد تماماً. من نواحٍ عديدة، هناك أوجه تشابه هنا مع واين روني، الذي كان يريد أن يفعل كل شيء، وكان بحاجة إلى المدير الفني المناسب الذي يساعده على صقل موهبته ويمنحه دوراً مميزاً حتى يمكنه إظهار قدراته وإمكاناته كما ينبغي.
لكن راشفورد لم يجد قط المدير الفني الذي يساعده على القيام بذلك. كان ينبغي أن تكون هذه سنوات تألقه ووصوله إلى قمة مستواه، لكنه بدلاً من ذلك أمضى هذه السنوات وهو يحاول التكيف مع طرق اللعب المختلفة للمديرين الفنيين الذين تعاقبوا على القيادة الفنية لمانشستر يونايتد، ووجد نفسه معزولاً بسبب الافتقار إلى التدريب على مستوى عالمي، والافتقار إلى الرؤية، والعقلية قصيرة المدى. وكان هذا واضحاً مرة أخرى في رد الفعل المذعور على البداية السيئة للنادي: مطالب بإحداث ثورة وتمزيق كل شيء والبدء من جديد، والإسراع في إبرام صفقات في اللحظات الأخيرة بشكل غير مدروس: ألفارو موراتا، ويانيك كاراسكو، وكريستيان بوليسيتش، وبيير إيمريك أوباميانغ.
وبالتالي، فإن السؤال المطروح الآن هو: إلى أي مدى سيكون راشفورد مستعداً للاستمرار في ذلك؟
لقد فقد بالفعل مكانه في تشكيلة المنتخب الإنجليزي، وبات من غير المرجح المشاركة في نهائيات كأس العالم المقبلة في قطر. هناك حديث عن انتقال محتمل إلى باريس سان جيرمان، الذي ربما يمكن القول ببساطة إنه يعاني من شكل مختلف من أشكال الفوضى، لكن على الأقل لديه مدير فني - كريستوف غالتيير - لديه سجل حافل فيما يتعلق بتطوير المهاجمين الشباب مثل فيكتور أوسيمين ونيكولاس بيبي. وعلى مدار سنوات، كان راشفورد يبدو وكأنه يسير في مسار مشابه: على وشك الانتقال إلى المرحلة التالية ليكون أحد لاعبي النخبة في العالم، ومن المرجح الآن أنه لن يتمكن من قطع هذه الخطوة إلا إذا انتقل إلى نادٍ آخر.
الانتقال سبيل راشفورد للوصول إلى مستوى «لاعبي النخبة»
تغيير المدربين بكثرة في مانشستر يونايتد يعني أنه لن يحقق مبتغاه بسهولة
الانتقال سبيل راشفورد للوصول إلى مستوى «لاعبي النخبة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة