المكبَّات المفتوحة مصدر لأقوى غازات الاحتباس الحراري

الصور الفضائية تكشف انبعاثات الميثان من أحزمة النفايات

شاحنة تفرغ نفايات في أحد المكبات بجزيرة غواديلوب الفرنسية (أ.ف.ب)
شاحنة تفرغ نفايات في أحد المكبات بجزيرة غواديلوب الفرنسية (أ.ف.ب)
TT

المكبَّات المفتوحة مصدر لأقوى غازات الاحتباس الحراري

شاحنة تفرغ نفايات في أحد المكبات بجزيرة غواديلوب الفرنسية (أ.ف.ب)
شاحنة تفرغ نفايات في أحد المكبات بجزيرة غواديلوب الفرنسية (أ.ف.ب)

مع ازدياد أعداد البشر وارتفاع مستويات الدخل، تزداد كميات النفايات، سنة بعد سنة، وترتفع أكوام القمامة في كل مكان. وتترك مواقع التخلُّص من النفايات، مطمورة أو مكشوفة، آثارها السلبية الواضحة على صحة الإنسان وسلامة البيئة، كما أنها تساهم في تغيُّر المناخ؛ فالغازات التي تنبعث منها هي الأقوى أثراً على الاحتباس الحراري، مع أن عمرها أقصر من ثاني أكسيد الكربون الناجم عن حرق الوقود. وفي حين تتفاوت الانبعاثات بين المطامر الصحية والمكبات العشوائية، لكن الدراسات الأخيرة أظهرت تولُّدها في جميع الحالات. ويُذكر أن انبعاثات الميثان، من النفايات ونشاطات صناعية وزراعية أخرى، تبلغ 11 في المائة من مجمل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، لكن مساهمتها في ارتفاع الحرارة تتجاوز 25 في المائة. وقد وجد تقرير صدر أخيراً عن «وكالة الطاقة العالمية» أن الصين والهند وروسيا أكبر مصادر لانبعاثات غاز الميثان في العالم، من مصادر متعددة. لكن انبعاثات تخمُّر النفايات تأتي أيضاً من مناطق عدة أخرى، حيث أظهرت دراسة استندت إلى صور فضائية عالية الجودة، نُشرت بداية شهر أغسطس (آب) الحالي، أن انبعاثات غاز الميثان الصادرة من أحزمة النفايات في العالم، مهما كان حجمها، ترتفع بما يتجاوز التقديرات السابقة بأضعاف؛ فقد ثبت من تحليل بيانات صور الأقمار الاصطناعية لمكبات النفايات في دلهي ومومباي في الهند، ولاهور في باكستان، وبوينس أيرس في الأرجنتين أن انبعاثاتها تتجاوز ما كان مقدّراً بما بين 1.4 و2.6 ضِعف. وكانت صور فضائية سابقة بيّنت تسرّباً كبيراً للميثان من مطمر للنفايات ملاصق للعاصمة الإسبانية مدريد. وقد أوضح يوانس ماساكرز، كبير مؤلفي التقرير وعالم المناخ في المعهد الهولندي لدراسات الفضاء، أن «هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها صور فضائية عالية الدقة لحساب كميات الميثان المنبعثة من مطامر النفايات على أنواعها».

النفايات والميثان

تشير تقديرات «البنك الدولي» إلى أن العالم أنتج عام 2020 نحو 2.24 مليار طن من النفايات الصلبة، أي ما يعادل 0.79 كيلوغرام للشخص في اليوم. ومع النمو السكاني السريع والتحضُّر، من المتوقع أن يزداد تولُّد النفايات بنسبة 73 في المائة حتى سنة 2050، لتصل الكمية السنوية إلى 3.88 مليار طن، أي ما يقارب إنتاج كميات من النفايات بوزن هرم خوفو كل 13 ساعة.
ويتباين إنتاج الفرد من النفايات بين بلدٍ وآخر، وداخل المجتمعات المحلية نفسها، تبعاً لمستويات الدخل، حيث ترتفع كمية النفايات مع ازدياد القدرة على الشراء وانتشار ثقافة الاستهلاك. وفيما لا تزيد نِسَب استرجاع المخلّفات عن طريق التدوير أو التحويل لسماد عن 17 في المائة عالمياً، فإن 1.86 مليار طن من النفايات يتم التخلُّص منها عن طريق الرمي العشوائي، أو الدفن في مطامر النفايات، أو الحرق في المرمِّدات.
وتعدّ إدارة النفايات السليمة أمراً ضرورياً لبناء مدن مستدامة وصالحة للعيش، لكنها لا تزال تمثّل تحدياً للعديد من البلدان النامية. وفي معظم البلديات حول العالم، تستهلك إدارة النفايات 20 إلى 50 في المائة من الميزانية السنوية، ويتطلّب تقديم هذه الخدمة الأساسية أنظمة متكاملة فعّالة ومستدامة ومدعومة اجتماعياً. وعندما تغيب الإدارة السليمة للنفايات، تزداد نواقل الأمراض كالحشرات والقوارض، ويتعزز العنف الحضري نتيجة غياب الثقة بالمؤسسات، وترتفع ملوّثات الهواء كغاز الميثان، الذي يساهم في تغيُّر المناخ العالمي.
واستناداً إلى حجم النفايات المتولّدة، وتكوينها، وكيفية إدارتها، تشير تقديرات «البنك الدولي» إلى أن نحو 5 في المائة من الانبعاثات العالمية لغازات الاحتباس الحراري المكافئة لثاني أكسيد الكربون تأتي من معالجة النفايات الصلبة والتخلُّص منها، وهذا يمثّل ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غاز الميثان الناتجة عن الأنشطة البشرية، بعد تسرّبات استخراج الوقود الأحفوري، وما ينبعث عن زراعة الرز وتربية الحيوانات.
ويتحرر غاز الميثان بشكل أساسي من خلال التخلُّص من النفايات في المكبات المكشوفة ومدافن النفايات التي لا تحوي أنظمة لتجميع غازات المطمر. وعندما تُلقى النفايات في موقع التخلُّص النهائي، تخضع لمرحلة تحلل هوائي تؤدي إلى توليد القليل من الميثان، وفي غضون عام أو أقل تنشأ الظروف اللاهوائية، وتبدأ البكتيريا في تحليل النفايات وتوليد الميثان.
وتتكوَّن غازات المطمر مناصفة بين الميثان وثاني أكسيد الكربون، مع كميات صغيرة من المركّبات العضوية الغازية الأخرى. ويُعتبر الميثان من أقوى غازات الدفيئة، حيث تصل فعاليته في حبس الحرارة إلى 36 مرة فعالية ثاني أكسيد الكربون، ولكن أثره لا يتجاوز المائة سنة، وهي تعتبر فترة قصيرة مقارنة بثاني أكسيد الكربون.
وتمثّل مدافن النفايات الصلبة البلدية ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غاز الميثان ذات الصلة بالبشر في الولايات المتحدة، وهي تشكّل 14.5 في المائة من هذه الانبعاثات، أي ما يعادل غازات الاحتباس الحراري المنطلقة من نحو 20.3 مليون سيارة ركّاب لمدة سنة واحدة، أو انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من 11.9 مليون منزل نتيجة استخدام الطاقة لمدة سنة كاملة.
وقد أظهر تحليل صور الأقمار الاصطناعية الأخير أن مكب نفايات بوينس أيريس يطلق وحده نصف انبعاثات النفايات الصلبة في الأرجنتين، وهو أمر متوقع باعتبار أن سكان العاصمة الأرجنتينية يمثّلون 40 في المائة من تعداد سكان البلاد. كما أن مكب نفايات لاهور يطلق 10 في المائة من انبعاثات النفايات الصلبة في باكستان، رغم أن تعداد سكان هذه المقاطعة لا يتجاوز 5 في المائة من تعداد سكان البلاد.

تجارة الكربون لتمويل معالجة النفايات

يمكن تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من قطاع إدارة النفايات الصلبة عن طريق التقاط وجمع ومعالجة غاز الميثان المتولّد في المطامر، وتحويل النفايات العضوية إلى سماد بدلاً من تركها تتحلل في مكبات النفايات. ويمكن لتجارة الكربون، أي بيع الدول النامية جزءاً من حصص الانبعاثات المسموحة لها إلى دول أخرى، تأمين تمويل للمشاريع التي تقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ومنها معالجة النفايات. وقد أعطت غلاسكو المناخية أولوية لتخفيض انبعاثات الميثان.
ويمكن لمشاريع إدارة النفايات التي تقلل الانبعاثات أن تبيع تخفيضات معتمدة على نظام تداول عام أو خاص للانبعاثات. وقد أنشأ الاتحاد الأوروبي، ودول مثل نيوزيلندا وسويسرا، وولايات مثل كاليفورنيا الأميركية وأونتاريو الكندية، أنظمة تداول للانبعاثات. وعلى سبيل المثال، جرى تمويل العديد من مشاريع تجميع الغاز في الأراضي في البرازيل جزئياً عن طريق بيع تخفيضات الانبعاثات، من خلال مرفق شراكة الكربون التابع لـ«البنك الدولي».
ومن خلال آلية التنمية النظيفة، التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ، تستطيع البلدان الغنية الاستثمار في مشاريع خفض الكربون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل للوفاء بالتزاماتها المناخية. وقد أتاحت هذه الآلية تنفيذ العديد من مشاريع معالجة النفايات خلال الأعوام الماضية، بما فيها مصانع تحويل المخلّفات العضوية إلى سماد في بنغلاديش وأوغندا.
وتقلل الجهود المبذولة لإضفاء الطابع الرسمي على إدارة النفايات من انبعاثات غازات الدفيئة على نحو ملموس. وعلى سبيل المثال، خلصت دراسة أجرتها شركة «زيرو ويست يوروب» إلى أن الاتحاد الأوروبي يمكنه التخلُّص من نحو 200 مليون طن من انبعاثات غازات الدفيئة سنوياً بحلول 2030، بتطبيق ممارسات إدارة النفايات المحسنة. كما يمكن للدول العربية تحسين مساهماتها المناخية المحددة وطنياً عن طريق إدخال تحسينات معتبرة في قطاع إدارة النفايات الصلبة. وباستثناء دول مجلس التعاون الخليجي، تتراوح نسبة مخلفات الطعام والنفايات العضوية الأخرى بين 50 و70 في المائة من تركيب النفايات المنزلية في البلدان العربية، وهي تشكّل المصدر الأساسي للميثان المنبعث في مواقع التخلُّص النهائي.
وفيما تبلغ نسبة النفايات التي يتم التخلُّص منها في مطامر مجهزة بأنظمة لجمع غازات المطمر 89 في المائة في الجزائر و37 في المائة في المغرب، وتطبّق السعودية والإمارات ومصر ولبنان أنشطة استرجاع بالتدوير والتحويل إلى سماد تتراوح بين 15 و30 في المائة، لا تزال باقي الدول العربية تتخلّص من مُجمل نفاياتها في مكبات عشوائية أو مطامر مراقبة لا تتوفر فيها تقنيات جمع ومعالجة غازات المطمر.
كما يمكن التخفيف من انبعاثات قطاع إدارة النفايات الصلبة، من خلال تحسين جمع النفايات، والحدّ من تولّد النفايات، وإعادة استخدام المنتجات، وإعادة التدوير، وإدارة النفايات العضوية، والتقاط غازات الدفيئة من أجل الحرق أو استعادة الطاقة. ويُعدّ تحسين كفاءة الحركة والزمن لآليات الجمع، واختيار الوقود الأنظف، واستخدام المركبات الموفّرة للوقود، من الأساليب المحتملة لتقليل انبعاثات النقل.
ويمكن التقاط غاز الميثان الناتج عن المطامر وحرقه، وتحويله إلى طاقة، أو استغلاله في تدفئة المباني، أو استخدامه كوقود للمركبات. كما يمكن للمحارق المجهزة لتحويل النفايات إلى طاقة أن تقلل من انبعاثات غازات الدفيئة أثناء توليد الكهرباء أو الطاقة الحرارية عند تشغيلها بفعالية، ووفقاً للمعايير السليمة بيئياً. لكنها ذات متطلبات فنية ومالية مرتفعة نسبياً. وتُظهر دراسة حول التحسينات الأساسية لقطاع إدارة النفايات في إندونيسيا، مثل زيادة معدلات جمع النفايات من 65 في المائة إلى 85 في المائة وإدخال دفن نفايات خاضع للرقابة للتخلص من النفايات، إمكانية خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 21 في المائة. ولذلك تلحظ الحكومة الإندونيسية تخفيضات غازات الدفيئة من قطاع النفايات كعنصر مهم في مساهماتها المحددة وطنياً بموجب «اتفاقية باريس للمناخ».
إن تحسين إدارة النفايات الصلبة، بدءاً بتطبيق قواعد الاقتصاد الدائري لإنقاص الاستهلاك وتقليل المخلفات، وانتهاءً بمعالجة النفايات السليمة بتحويلها إلى سماد أو التقاط انبعاثاتها في موقع التخلُّص النهائي، تتطلب مقاربة اقتصادية وبيئية شاملة تراعي صحة الإنسان وسلامة البيئة وخفض الانبعاثات.



لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)
تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)
تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير، وفق صحيفة «لوموند» الفرنسية.

كيف تتكون الأعاصير؟

تتشكل الأعاصير فوق المحيط عندما تكون درجة حرارة الماء مرتفعة للغاية - فوق 26 درجة على عمق لا يقل عن 50 متراً. وهذا يسبب تبخراً شديداً، وبالتالي نقل الرطوبة من المحيط إلى الغلاف الجوي. وتكون نتيجة ذلك تشكُّل السحب العاصفة التي تتجمع معاً، وتدور معاً، وتكتسب القوة أثناء تحركها.

تحدث هذه الظواهر بشكل رئيسي بين مايو (أيار) وأكتوبر (تشرين الأول)، حول خط الاستواء.

يتم الحديث عن إعصار عندما تتجاوز سرعة الرياح 119 كم/ساعة، وعن عاصفة استوائية إذا كانت الرياح أقل عنفاً.

لماذا يصبح الإعصار أكثر شدة؟

بما أن المحيط أكثر دفئاً، فإنه يطلق المزيد من بخار الماء؛ مما يوفر طاقة إضافية للأعاصير. فالجو الأكثر دفئاً يحمل المزيد من الماء؛ مما يسبب هطول أمطار غزيرة. ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى رياح أقوى. ومع ارتفاع حرارة المحيطات، نتيجة تغيّر المناخ، أصبحت هذه الظواهر تتمتع بمخزون أكبر من الطاقة المتاحة. وتنتج أحياناً بعنف شديد، على شكل رياح أو أمطار.

وليس من المؤكد أن ارتفاع درجة الحرارة يزيد من عدد الأعاصير، وفق «لوموند».

والأمر الواضح هو أن الأعاصير أصبحت أكثر شدة، مع المزيد من الدمار - كما حصل في الإعصارين القويين المتتاليين اللذين ضربا الولايات المتحدة في أكتوبر الحالي.

وفقاً لدراسة نُشرت بعد وقت قصير من ضرب إعصار «ميلتون» فلوريدا، كانت الأمطار أقوى بنسبة 20 في المائة إلى 30 في المائة بسبب تغيّر المناخ، وكانت الرياح أكثر شدة بنسبة 10 في المائة. وبشكل أكثر عمومية، وفقاً لمايكل مان، عالم المناخ، فإن «القدرات التدميرية للأعاصير ازدادت بنحو 40 في المائة بسبب ارتفاع درجات الحرارة الذي حدث بالفعل».