الجنرالات وليس أوباما سعوا لتقليص المشاركة العسكرية في العراق

دعوا الرئيس الأميركي إلى توخي الحذر وجعل العراقيين يعتمدون على أنفسهم أكثر

الجنرالات وليس أوباما سعوا لتقليص المشاركة العسكرية في العراق
TT

الجنرالات وليس أوباما سعوا لتقليص المشاركة العسكرية في العراق

الجنرالات وليس أوباما سعوا لتقليص المشاركة العسكرية في العراق

في الوقت الذي كان فيه الرئيس باراك أوباما يدرس كيفية وقف تقدم تنظيم داعش في العراق، جاءت المفاجأة في خروج أقوى أصوات المقاومة لتعزيز المشاركة الأميركية من مصدر غير متوقع: المؤسسة العسكرية التي أنهكتها الحروب والتي ازدادت شكوكها حيال إمكانية نجاح القوة في حسم صراع تؤججه مظالم سياسية ودينية.
وقد شكل كبار المسؤولين العسكريين، الذين كثيرًا ما سعوا للسماح باستخدام قوة قتالية أكبر للتغلب على الانتكاسات التي شهدتها ميادين القتال على امتداد العقد الماضي، خلال المناقشات التي جرت في البيت الأبيض أخيرًا، الصوت الداعي باستمرار لتوخي الحذر في العراق. ويعكس هذا التحول في موقف القادة العسكريين تضاؤل الخيارات الجيدة، والخوف من تكبد مزيد من القتلى في حرب لا تبدي القيادات السياسية الأميركية التزاما حقيقيًا تجاهها، في الوقت الذي يظهر العراقيون إرادة محدودة لخوضها.
من جانبه، قال مسؤول عسكري: «بعد الأعوام الـ12 الماضية في الشرق الأوسط، أصبح تركيز كبار القيادات العسكرية الآن منصبًا على تفهم ماهية الغرض الأكبر، بمعنى ما الغاية التي نبغي الوصول إليها من وراء ذلك؟».
ويأتي هذا التردد من قبل المؤسسة العسكرية ليدحض الأقاويل الشائعة داخل واشنطن حول مساعي الرئيس الحذر لكبح جماح جنرالاته المتعطشين للقتال.
وتجلى موقف البنتاغون من نقاشات البيت الأبيض في أوضح صوره بعد التراجع المفاجئ للجيش والشرطة العراقيين من الرمادي الشهر الماضي. فخلال الأيام التي تلت هذا الانسحاب، جمع أوباما أعضاء فريق الأمن الوطني المعاونين له بهدف إصلاح الاستراتيجية المتداعية على هذا الصعيد. وطرح كبار جنرالات أوباما مجموعة من الخيارات، وصفت إحداها بـ«عالية الخطورة»، وتقضي بدمج مستشارين أميركيين في الوحدات القتالية العراقية لتوجيه الضربات الجوية الموجهة من طائرات أميركية مقاتلة. كما تقضي الخطة بالاستعانة بطائرات «أباتشي» في شن هجمات، الأمر الذي يحقق نتائج كبيرة في ميادين القتال الحضرية، لكن تبقى الطائرات عرضة لنيران العدو.
وشكل هذا الخيار «عالي الخطورة» تحولاً كبيرًا في استراتيجية البيت الأبيض، التي تعتمد بدرجة بالغة على العراقيين وقدرتهم على قيادة القتال ضد مسلحي «داعش» وإبقاء الأميركيين بعيدًا عن الخطوط الأمامية.
وأعرب بعض كبار مسؤولي وزارة الخارجية عن اعتقادهم أن عناصر الرصد على الخطوط الأمامية والطائرات المروحية الهجومية الأميركية ستوفر عونًا جوهريًا لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي تدعمه الإدارة الأميركية بقوة. ويرى هؤلاء المسؤولون أنه من دون تحقيق بعض الانتصارات الميدانية السريعة، فإن العبادي سيتعرض لضغوط شديدة للاعتماد أكثر على إيران التي ترسم صورتها باعتبارها الشريك الوحيد الفاعل للعراق في خضم حرب طائفية مع «داعش».
إلا أن كبار القادة العسكريين المعاونين للرئيس يرفضون تغيير الاستراتيجية الراهنة على نحو يقلص الاعتماد على القوات العراقية ويدفع القوات الأميركية نحو مشاركة أعمق في القتال. وأبدى الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مثلما الحال مع مسؤولين عسكريين آخرين، تشككه في المكاسب التي يمكن تحقيقها من وراء دمج مستشارين والاستعانة بطائرات مروحية مقاتلة، وما إذا كانت هذه المكاسب تبرر التكلفة المحتملة في الدماء الأميركية، حسبما أفاد الكثير من المسؤولين الأميركيين المطلعين على الأمر.
وبدلاً من ذلك، دعا ديمبسي إلى توخي الصبر، مؤكدًا على أن الحملة الجوية بقيادة واشنطن تلحق الضعف بـ«داعش»، وأن هناك حاجة لتدريب قوة عشائرية سنية وتسليحها لتحقيق مكاسب ميدانية.
من جهته، اعترف الجنرال لويد أوستن، الذي يتولى الإشراف على القوات الأميركية في الشرق الأوسط وعمل على صياغة الخيار «عالي الخطورة»، بأن عناصر الرصد الأرضية والمروحيات يمكن أن تزيد من قوة العمليات العسكرية الأميركية، لكنه أضاف أنه ليست هناك حاجة لها داخل العراق في الوقت الراهن، حسبما أفاد مسؤولون أميركيون.
وبالمثل، أشار وزير الدفاع أشتون كارتر إلى أن عناصر الرصد البرية ليست ضرورية لتعزيز الحملة الجوية التي «تسير بصورة جيدة»، حسبما ذكر مسؤول رفيع بوزارة الدفاع، رفض الكشف عن هويته، مثل الآخرين، لحساسية المناقشات الحالية داخل صفوف الإدارة.
وبالفعل، قرر الرئيس في نهاية الأمر إرسال قرابة 450 مستشارا أميركيا لتأمين قاعدة عسكرية خارج مدينة الرمادي الخاضعة لسيطرة «داعش». ومن المقرر أن يلتقي مستشارون مع شيوخ سنة في المنطقة في محاولة لتعبئة وتدريب آلاف المقاتلين القبليين. ومن المقرر أن يقدم هؤلاء المستشارون أيضا المشورة ومعلومات استخباراتية لمقر القيادة العراقية الذي يتولى الإشراف على القتال الدائر في الرمادي، إلا أنهم لن يرافقوا القوات العراقية في مهام قتالية، رغم أن بعض مسؤولي وزارة الخارجية أكدوا على ضرورة هذا الأمر لضمان إعادة سيطرة العراقيين على الرمادي خلال الأسابيع المقبلة.
من ناحيته، لم يسقط أوباما تمامًا من حساباته الخيارات «عالية الخطورة» التي من شأنها الدفع بمستشارين أميركيين بدرجة أقرب نحو الخطوط الأمامية وداخل القتال، حسبما قال مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى. وأشار الرئيس إلى أنه حال تفاقم الأوضاع، فإنه سيبدي انفتاحًا على فكرة استخدام عناصر رصد برية أو طائرات مروحية هجومية. كما قال الرئيس إنه سيعيد النظر في المسارات الأكثر مخاطرة إذا اقتضت الضرورة لمعاونة القوات العراقية في تحقيق إنجاز كبير، مثل الانتصار في معركة إعادة السيطرة على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من أيدي «داعش»، حسبما ذكر مسؤولون أميركيون.
من بين التحديات الكبرى المرتبطة بدمج مستشاري قتال، العثور على وحدات أمامية عراقية يمكن للقادة العسكريين الأميركيين الوثوق بدرجة كافية في إمكانية بقاء الأميركيين آمنين نسبيًا بها، حسبما ذكر مسؤول عسكري رفيع المستوى في العراق.
يذكر أن أوستن الذي تولى الإشراف على القوات الأميركية في العراق قبل الانسحاب الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) 2011، ضغط للإبقاء على ما يصل إلى 17 ألف جندي أميركي في البلاد لتدريب وتقديم المشورة للقوات العراقية. وقد قلصت إدارة أوباما هذا العدد لأقل من 5 آلاف، لكنها عجزت عن التوصل لاتفاق مع الحكومة العراقية يسمح للقوات بالبقاء. وأعقب ذلك تردٍّ بطيء وانهيار في قوات الجيش والشرطة العراقية التي تكبدت القيادات العراقية تكلفة هائلة لبنائها.
أما ديمبسي فقد فقد 133 جنديا عندما قاد القوات الأميركية في بغداد عام 2003 - 2004، وقد عاد للبلاد بعد عام لقيادة الجيش والشرطة العراقيين بين عامي 2005 و2007. ومثلما الحال مع الكثير من القيادات الأميركية، كان لديه أمل في أن تتمكن القوات العراقية من النجاح بالاعتماد على نفسها بعد رحيل القوات الأميركية عام 2011.
وتساءلت إيما سكاي، مؤلفة كتاب «التفكيك»، التي قضت أربع سنوات في العراق مستشارة رفيعة المستوى للمؤسسة العسكرية الأميركية: «ما الذي تعلمته المؤسسة العسكرية الأميركية من دعمها خلال العقد الماضي للجيش العراقي؟ إن بمقدورنا إمداد الجيش العراقي بالكثير من المعدات والتدريب، لكن ليس بمقدورنا تناول الجانب النفسي والمعنوي للقوات ومدى استعدادها للقتال».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».