المعروف أن النساء عادة ما يتحدثن عن مشاكلهن وأمورهن بين بعضهن البعض بصورة طبيعية، فلا يتوانين عن البوح بما يخالجهن من مشاعر مهما كانت طبيعتها. وهذه الفضفضة تؤمن لهن نوعاً من الراحة النفسية، فيستطعن من خلالها تجاوز حالات الإحباط وتراكم ضغوطات الحياة عليهن.
لكن في مسرحية «آخر سيجارة» التي يبدأ عرضها في 7 سبتمبر (أيلول) المقبل على «مسرح مونو» في الأشرفية، قرر كاتبها وليد عرقجي، أن يمشي عكس التيار. فهو ومن خلال تجارب شخصية خاضها وتعرف إليها من أصدقائه، يسلط الضوء على المشاعر الحقيقية عند الرجل. ويقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «الرجل عادة، وعندما تصيبه مشكلة معينة يكبتها في أعماقه عكس المرأة التي يمكنها أن تبوح بسرعة لوالدتها أو صديقتها. وفي هذه المسرحية أسلط الضوء على الأقنعة التي يضعها الرجال بين بعضهم للتستر على أمور تزعجهم. كان على بالي الإضاءة على جانب من شخصية الرجل يجهلها كثيرون، وحتى المقربين منهم».
لينا أبيض تصف «آخر سيجارة» بالمسرحية الممتعة (الشرق الأوسط)
تدور قصة المسرحية حول 3 رجال، اثنان منهم متزوجان، وتربطهم صداقة عمرها أكثر من 30 عاماً، أي منذ أيام الطفولة. وفي إحدى جلساتهم يجري حادث معين يقلبها رأساً على عقب، فتتزعزع هذه الصداقة بعد سقوط الأقنعة عن وجوههم. فندخل في سياق عمل مسرحي ينقل ما في الأعماق من عذاب ومعاناة عندهم.
وتشير مخرجة العمل لينا أبيض، إلى أن أهمية هذا العمل، تكمن في عفويته وحقيقته. فأبطالها الثلاثة وسام صليبا ووليد عرقجي ودوري سمراني، هم أصدقاء أيضاً في حياتهم الحقيقية، وفي المسرحية سيعكسون تجربتهم الخاصة بواقعية سيلمسها مشاهد العمل من دون شك. وتتابع أبيض لـ«الشرق الأوسط»: «سنكتشف في القسم الأول من المسرحية أن هؤلاء الرجال ليسوا مرتاحين في حياتهم عكس ما يدعونه تماماً. فكل منهم عنده مشكلة أكبر من الأخرى، لتنتهي المسرحية باضطراب كبير».
لماذا اختار كاتب العمل عرقجي امرأة، كي تدير عملاً يتحدث عن الرجال؟
يرد عرقجي: «كنا نريد أن نحظى بوجهة نظر أنثوية لنتأكد من أن المرأة في استطاعتها تفهم الرجل بكل حالاته. وهذا الخيار من شأنه أن يحدث توازناً في تنفيذ العمل».
أما لينا أبيض فتوضح: «العمل يطال النساء والرجال معاً، لأنه يلقي الضوء على مشكلات الرجال مع زوجاتهم، ولذلك هو يحاكي الطرفين. كما أني لست امرأة فقط، بل مخرجة صاحبة تجارب كثيرة. وهذا التفاعل الذي يحصل بيني وبين الشبان الثلاثة شكل تجربة رائعة لي. فهم أشخاص محترفون وجديون في عملهم، وأنا أعشق هذه الأجواء في العمل المسرحي. والجميل في الموضوع أن هناك مساواة بيننا على صعيد الاحتراف والإتقان، وهو ما أسهم في رفع مستوى العمل ككل».
تقول أبيض إنها تعلمت الكثير عن حياة الشباب من خلال هذه المسرحية. فهي لم تحتك بعالمهم كونها لم ترزق بصبيان بل فقط بفتيات. كما أن علاقتها مع طلابها في الجامعة (كونها أستاذة جامعية) تتحكم بها مسافة معينة يفرضها إطار التعليم. فجاءت هذه المسرحية لتزودها بتجربة جديدة لم يسبق أن خاضتها من قبل.
وتعبر المخرجة لينا أبيض، عن سعادتها كون الناس ستجتمع من جديد في صالة مسرح بعد غياب قسري بسبب الجائحة وأزمات متلاحقة في البلاد. وتعلق: «من الجميل أن نجد أشخاصاً لا يزالون يتمسكون بالمسرح، رغم عقبات كثيرة تواجهنا كلبنانيين. فهذا الشغف والمثابرة هما عنصران أساسيان بالنسبة لي. ولو أن كلاً منا قام بعمله كما يجب وبإتقان، لكنا بألف بخير ولكان بلدنا أفضل بالتأكيد».
وتتألف المسرحية من قسمين، نطل في الأول منها على ما يحب الرجل أن يظهره من شخصيته للآخر. وفي الثاني ندخل إلى رأس ودماغ الرجل لنتعرف إليه عن كثب. ويعلق كاتب العمل وليد عرقجي: «لا أعرف إذا ما كانت طريقة تربيتنا كرجال تشكل لنا ضغوطاً كثيرة في حياتنا. يكفي أن يمنع على الصبيان التعبير عن أحزانهم بالبكاء منذ صغرهم، تحت حجة أن الرجال لا يجب أن يبكوا، فهذه الطريقة ولوحدها يمكنها أن تدمر له حياته وتجعله يعيش في كبت مقيت».
وعما ينتظر مشاهد «آخر سيجارة»، تقول المخرجة لينا أبيض لـ«الشرق الأوسط»، «ستتابعون كوميديا رائعة وموضوعات واقعية وحقيقية بعيداً عن الأسلوب الفلسفي واللغوي وغيرهما. فهي ستتحول في سياق أحداثها إلى عمل عميق مشبع بالإنسانية والحميمية، كثيرون هم الرجال والنساء الذين عاشوها».
من ناحيته، يؤكد دوري السمراني، المشارك في هذا العمل، أن موضوع المسرحية يهدف إلى جذب الانتباه لأهمية الصحة النفسية عند كل منا. «ليس بالضروري أن ننتظر الوصول إلى حالة نفسية خطيرة كي نتوجه عند الطبيب النفسي. المطلوب أن نجد دائماً شخصاً يصغي إلينا فنحدثه عن همومنا ومشكلاتنا. وعلينا القيام بهذا الأمر كعملية صيانة لأنفسنا، تماماً كما هي العادة عندما نقوم بصيانة سنوية لمبنى أو عمارة. فليس من المعيب أن نطلب المساعدة من الآخر بدل أن ندفن مشكلاتنا في أعماقنا ونتكتم عليها». دوري الذي يلعب شخصية فادي في هذا العمل يعتبر أن هذه المسرحية تلامس الناس عن قرب حتى أنه تم تعديل نصها الذي كتبه عرقجي منذ نحو 3 سنوات ليصبح شبيهاً بشخصيات أبطاله. «نحن أصدقاء حقيقيون في الواقع، وقد أضفنا إلى النص الكثير من التمثيل الارتجالي».
أبطال «آخر سيجارة» وسام ووليد ودوري (الشرق الأوسط)
لدوري تجربتان سابقتان مع المسرح وهذه هي الثالثة. فقد سبق وشارك في مسرحيتين «الوحش» مع كارول عبود والمخرج جاك مارون، وكذلك في الحركة المسرحية «همسات». هذه الأخيرة تهدف إلى جمع التبرعات للمسرح اللبناني بعد النكسة التي أصابته إثر انفجار بيروت. يختم لـ«الشرق الأوسط»: «ستتابعون عملاً مميزاً فيه الكثير من الضحك والرسائل الاجتماعية المزروعة في كل تفاصيله. وبحضوركم ستشجعون الأعمال المسرحية اللبنانية في الوقت نفسه».
يذكر أن مسرحية «آخر سيجارة» تعرض ابتداء من 7 سبتمبر المقبل ولغاية 2 أكتوبر (تشرين الأول) على «مسرح مونو» في الأشرفية.