عام من الجهاد الكفائي.. الحشد الشعبي يعمم الإرهاب

التطيف الحربي عامل أساسي في استمرار سيطرة «داعش» على 90 % من مساحة الأنبار

مقاتلون في قوات «الحشد الشعبي» يرفعون علم العراق وعلم أحد مكونات الحشد قرب مدينة بيجي أول من أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون في قوات «الحشد الشعبي» يرفعون علم العراق وعلم أحد مكونات الحشد قرب مدينة بيجي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

عام من الجهاد الكفائي.. الحشد الشعبي يعمم الإرهاب

مقاتلون في قوات «الحشد الشعبي» يرفعون علم العراق وعلم أحد مكونات الحشد قرب مدينة بيجي أول من أمس (أ.ف.ب)
مقاتلون في قوات «الحشد الشعبي» يرفعون علم العراق وعلم أحد مكونات الحشد قرب مدينة بيجي أول من أمس (أ.ف.ب)

يعيش العراق ومعه محيطه الإقليمي على وقع السنة الأولى من فتوى «الجهاد الكفائي»، بقيادة ميليشيات الحشد الشعبي. وقد وضع المرجع الديني الشيعي السيستاني يوم الثالث عشر من شهر يونيو (حزيران) 2014، العراق أمام حالة جديدة أدت لتعميم الإرهاب، بأدوات ينظر إليها طائفيا أنها الذراع الواقية للدولة من «داعش» الإرهابية. إلا أن كثيرا من المراقبين يتفقون أن هذه الأشهر القليلة من عمر الميليشيات العراقية تؤكد أنها تنظيمات «فوق الدولة»، وليست جزءا من بنيتها العسكرية والأمنية، كما تزعم السلطة العراقية الحالية.
ولا يظهر ذلك فقط في مبادرات الهادي العماري، أو يحيى المهندس، أو الناطق الرسمي باسم الحشد الشعبي كريم النوري، القيادي البارز في منظمة بدر، بل يظهر كذلك في كيفية تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع هذه الميليشيات، من خلال التغاضي عن أعمالها الإرهابية، وعدم تقديم أفرادها للمحاكم.
والواقع أن الأعمال الإرهابية «لميليشيات الحشد الشعبي» لم تأخذ بعد ما تستحقه من الإدانة والانتقاد من التحالف الدولي ضد الإرهاب، ومن اهتمام الإعلام العالمي. فنادرا ما يتطرق للأعمال الوحشية التي ترتكب باسم الجهاد الكفائي، كما أن تناولها يكون عابرا ولا يعتبر الأفعال الوحشية المرتكبة أعمالا إرهابية، سواء تعلق الأمر بذبح المدنيين أو حرقهم، أو تهجيرهم قسريا.
وغير خافٍ أن هذا التعامل المحلي والدولي ينتج ردود فعل معاكسة، مثال ذلك ما أقدم عليه مجلس شيوخ عشائر قضائي الفلوجة والكرمة يوم 4-6-2015، حيث أعلن ولاءه للتنظيم الإرهابي، ومبايعة أبو بكر البغدادي «على السمع والطاعة»، مبررا ذلك بما ترتكبه الميليشيات الشيعية من أعمال إرهابية يغض الطرف عنها، ويتضح من ردة الفعل هذه أن التطيف الحربي باسم الجهاد الكفائي، هو عامل مركزي في تعميم الإرهاب وإطالة أمده فوق التراب العراقي، كما أنه عامل أساسي في استمرار سيطرة «داعش» على 90 في المائة من مساحة الأنبار التي يجد الجيش العراقي والميليشيات الشيعية صعوبة بالغة في إحراز تقدم ملموس لإخضاعها للسلطة المركزية.
فحسب البيان الذي تلاه الشيخ أحمد درع الجميلي المتحدث الرسمي باسم مجلس البيان، فإن قرار مبايعة تنظيم داعش، «كان نتيجة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها الميليشيات بحق أبناء السنة في محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار، والقصف المستمر الذي يطال أغلب المدن السنية ويخلف الآلاف من القتلى والمعاقين».
وأن «هذا القرار جاء بعد المداولة والاجتماعات المتعددة بين شيوخ ووجهاء قضائي الفلوجة والكرمة، والخروج بقرار موحد مفاده الوقوف مع تنظيم داعش، كونه القوة الوحيدة التي تقف بوجه الحكومة الصفوية وميليشياتها».
يأتي هذا في الوقت الذي يقود فيه شباب العراق حملة دولية لوقف ما أطلقوا عليه الإرهاب الإيراني في العراق. وقد أوضح محمد الدراجي، مؤسس ومنسق عام هذه الحملة الدولية أنه «انطلقت حملتنا بعد أن أصبح الإرهاب الإيراني في العراق يحظى بدعم دولي بحجة محاربة الإرهاب (..) لذا أصبح لزاما إطلاق حملة تستهدف أولا توعية العالم العربي والإسلامي بخطورة الإرهاب الذي وصل إلى بعض هذه البلاد، والضغط على بعض الجهات الداعمة أو المتواطئة مع هذا الإرهاب».
وقبل أيام قليلة، اعترف جلال محمد مستشار رئيس الجمهورية العراقي، بواحدة من الأعمال الإرهابية المثيرة لميليشيا الحشد الشعبي، حيث عمدت وحدات من الميليشيا إلى اختطاف أربعة من حراس فؤاد معصوم وهم في طريقهم من كركوك إلى بغداد، واحتجزتهم في مكان مجهول، فيما طلبت من رئاسة الجمهورية 70 ألف دولار فدية لكل فرد من أفراد الحراسة. ومن المثير للانتباه أن يقف رئيس جمهورية العراق عاجزا أمام أمراء «الجهاد الكفائي» وميليشياته، و«الأغرب» من ذلك أن يتوجه الرئيس فؤاد معصوم صوب وساطة السلطة الإيرانية لإطلاق سراح حراسه الأربعة.
إن هذا السلوك الرئاسي هو تعبير صادق عن خروج «الحشد الشعبي» من دائرة السيطرة الرسمية، رغم ما تدعيه السلطة العراقية. كما يدل الفعل الإجرامي المشار إليه أعلاه على أن الحشد الشعبي قادر على تجاوز كل السلط السياسية بالعراق. من جانب آخر يتضح أن الميليشيات صاحبة المبادرة الميدانية، وأنها تملك من الوسائل ما يؤهلها لفرض أجندتها على الدولة وليس العكس.
فرغم ما يقال من تحوّل «الحشد الشعبي» إلى هيئة رسمية معترف بها من قبل مجلس الوزراء، وأن ميليشياته تابعة رسميًا لرئيس الوزراء حيدر العبادي، بصفته قائدًا عامًا للقوات المسلحة، فإن الواقع يؤكد أن هذه المجامع العسكرية كيان مواز لقوة الدولة، ولاعب شرس لأدوارها بشكل طائفي، وأنه يتقوى برهان الدولة عليه، في الوقت الذي تحمل المنظمات المشكلة له، مشاريع عقدية، وسياسية، لا تبالي بالمصالحة السياسية العراقية، والتوافق الوطني، وإنما تركز على القيام بأدوار الدولة، وإرفاق ذلك بالتجييش الطائفي، وأنه لا صوت يعلو فوق دور هذه الميليشيات التي صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي مرارا بأن «مقاتلي الحشد الشعبي يمثلون العمود الفقري في المعركة ضد داعش».
لا تقوم هذه الميليشيات بالدور العسكري فقط، بل إنها تسيطر على المدن وتقوم بإدارتها، ولا تستطيع السلطات الرسمية التصرف إلا وفق طريقة الإدارة المحلية التي تطبقها الميليشيات؛ فبتاريخ 4-6-2015م، رفض «الحشد الشعبي» عودة نازحي مدينة تكريت من كركوك وغيرها، رغم أن هناك قرارا رسميا بذلك، حيث صرح أحد أعضاء الحكومة المحلية في صلاح الدين بأنه «كانت السلطات على علم بحقيقة الأوضاع حين قطعت وعودها السابقة للنازحين التي نصت على إعادتهم قبل حلول شهر رمضان المبارك، لكنها تراجعت عن جميع الوعود بعد قرار صارم من قيادات ميليشيا الحشد الشعبي».
ولا يتعرض المواطن العراقي لمثل هذه الممارسات فقط، بل إن الحشد الشعبي ينافس «داعش» في الأعمال الإرهابية؛ ففي نحو أسبوع فقط قامت عناصر من هذه الميليشيا بحرق عدد غير محدد من المدنيين السنة، ومارست ذلك بسادية وبشاعة، مما يؤكد ما سجله العديد من المراقبين من كون الجهاد الكفائي ما هو إلا تأسيس جديد لنوع من الإرهاب، لا يختلف عن إرهاب «داعش» من حيث الممارسة ومنطلقاته العقدية.
فقد أكد مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان، مهند العيساوي، أن قوات من الحشد الشعبي قامت بعد دخولها لمناطق سيد غريب والنباع جنوب صلاح الدين بحرق عدد من المواطنين أحياء، وقد أكد شهود عيان بهذه المناطق أن الحشد الشعبي عمد لإخفاء الجريمة، عبر تجميع الجثث في منازل وبعد ذلك قام بتفجيرها. يأتي هذا في الوقت الذي انتشرت فيه أشرطة مصورة تظهر الميليشيا وهي تحرق شابا سنيا في نفس المنطقة المشار إليها، ويظهر الشاب ممددا على الأرض والنار تلتهم نصفه السفلي.
أما العملية التي أثارت نوعا من الاستياء الدولي هذا الأسبوع، فقد تعلقت بتعليق شاب سني وإحراقه بنفس الطريقة التي تعتمد للشواء، فقد تداول على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي شريط يظهر حرق شاب سني في محافظة الأنبار، من طرف عناصر ميليشيا شيعية، ويظهر بالفيديو أن عناصر من كتيبة «الإمام علي» الشيعية هم من قاموا بهذا العمل الإرهابي. وكان ناشطون وبعض السياسيين العراقيين قد تداولوا منذ أربعة أشهر فيديو آخر، يظهر قيام عناصر من الحشد الشعبي بإحراق أربعة من الشباب السنة بالرمادي. وتكرار هذه العملية يدل بما لا يدع مجالا للشك على أن «داعش» لم يعد يحتكر العمل الإرهابي، وأن فتوى الجهاد الكفائي تشكل مرجعية جديدة لإرهاب جديد بصبغة طائفية.

* أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟