حافظ ألكسندر دوغين، المنظّر الأوراسي الذي توفيت ابنته داريا دوغينا في انفجار وقع في 20 أغسطس (آب) بالقرب من موسكو، على علاقات وثيقة لأكثر من ثلاثين عاماً مع العديد من التيارات المتطرّفة، ولم يخل الاختفاء المفاجئ لابنته الناشطة والصحافية من ردود فعل في فرنسا، فدوغينا ووالدها شخصيتان معروفتان ومقدّرتان عند جزء من اليمين المتطرّف الفرنسي، وفقاً لتقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسيّة.
مواقف استنكار واتّهام
كتبت «إيليمان» (العنصر)، المجلّة البارزة لتيار «اليمين الجديد» (تيّار يميني متطرّف) في تحيّة داريا دوغينا «يريد الغربيون رأس الأب (ألكسندر دوغين) منذ عام 2014، عندما فُرض حظر جائر على دخوله أرض الاتحاد الأوروبي، لقد حصلوا للتو على رأس ابنة (عقل بوتين)»، وأشارت المجلّة إلى أنّ «وسائل الإعلام تردّد مصطلح (عقل بوتين) بأكثر الطرق الممكنة خزياً وجبناً»، وفق التقرير.
وفي حين لم تبد مارين لوبين ولا إريك زيمور (وهما من الزعماء السياسيين اليمينيين البارزين في فرنسا) أي ردّ فعل على الحادث، أعلن فلوريان فيليبو، الرجل الثاني السابق في حزب الجبهة الوطنية (سلف حزب التجمع الوطني الذي ترأسه الآن مارين لوبين)، وهو الآن زعيم حزب «باتريوت» (أي حزب المحبين لوطنهم)، على «تويتر»: «ابنة دوغين قُتلت، الاندفاعات الحربية لماكرون، واستفزازات زيلينسكي حول المواقع النووية لافتعال حادث... واضح أنّ معسكر واشنطن يريد الحرب! وماكرون ينتظر ذلك»!
من جهته، أشاد أيميريك شوبراد، وهو عضو سابق في حزب الجبهة الوطنية، بداريا دوغينا.
علاقات دوغين باليمين المتطرّف الفرنسي
أوضح تقرير «لوموند»، أنّه لقياس أهمية فكر ألكسندر دوغين داخل اليمين المتطرف الفرنسي المؤيد لموسكو، ليس من الضروري التدقيق في ردود أفعال المسؤولين، بل الاطلاع على العلاقات التي يقيمها اليمين المتطرّف مع الروس لأكثر من ثلاثين عاماً.
فإذا كان التعاطف قوياً مع ألكسندر دوغين في جزء من المعسكر السياسي اليميني المتطرّف في فرنسا؛ فذلك لأنّ دوغين استطاع أن يقيم علاقات فكرية وودية مع فرنسا، وكانت ابنته داريا، المقربة جداً من والدها سياسياً، تحظى أيضاً بتقدير كبير، حيث تابعت جزءاً من دراستها في جامعة بوردو الفرنسيّة، بحسب تقرير الصحيفة.
فكرة الإمبراطورية المعادية للغرب وللأنجلو – ساكسون
فسّرت الأكاديمية مارلين لارويل، المتخصصة في الأوراسية، أي بالفكر الّذي يؤمن به ألكسندر دوغين، في مقال نُشر عام 2001 في «مجلة الدراسات المقارنة بين الشرق والغرب»Revue d'études Comparatives Est - Ouest، أنّ الفكر الأوراسي «يفترض مسبقاً وجود قارة ثالثة بين الغرب والشرق، هي أوراسيا، وتعني ضمناً الوحدة العضوية للثقافات التي وُلدت في منطقة التعايش هذه بين العالمين الروسي والتركي - الإسلامي، وحتى الصيني»، وهكذا يدافع دوغين والأوراسيون الجدد عن فكرة الإمبراطورية.
ويلفت التقرير إلى أنّ دوغين يؤمن بالمواجهة الجيوسياسية مع العالم الغربي، ويهدف إلى محاربة القوّة الأنجلو - ساكسونيّة.
انجذاب المتطرفين لطروحاته
نجحت طروحات دوغين في جذب العديد من التيارات اليمينية المتطرّفة، فأولاً، جذب دوغين القوميين الثوريين (الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم قوميون ومناهضون للرأسمالية ومعادون للشيوعية، ولكنّهم أيضاً معادون للولايات المتحدة برفضهم النظام الليبرالي و«العالمية»، وبالتالي نظرتهم قريبة جداً من نظرة دوغين.
وأشار التقرير إلى أنّ ألكسندر دوغين قريب أيضاً في فرنسا من آلان سورال، الكاتب الجدلي المعادي للسامية، الذي عقد معه مؤتمرات عديدة في موسكو والبرازيل وحتى في باريس، كما أجرت داريا دوغينا مقابلة مع آلان سورال في موسكو.
وأقام دوغين كذلك روابط مع «مجموعة البحث والدراسة من أجل الحضارة الأوروبية» الفرنسيّة واختصارها «GRECE» أي «غراس»، وهي من تيّار «اليمين الجديد» المتطرّف.
يشرح باتريك لوزينشي، أحد أركان مجلّة «إيليمان» التابعة لتيار «اليمين الجديد»، بأنّ دوغين زارهم خلال رحلاته الأولى إلى فرنسا في أوائل التسعينات، «لم يتحّدث دوغين أبداً مع الشعب الفرنسي، لقد جاء لزيارتنا لأنّنا نشرنا مقالات جيوسياسية عن دور روسيا، وتشكّلت صداقة بيننا».
ويقول لوزينشي «هناك نوع من سوء الفهم حول علاقتنا به، ليس (اليمين الجديد) هو الذي يهتمّ بدوغين، لكنّ دوغين هو الذي يهتمّ بـ(اليمين الجديد)».
ووفق التقرير، قام اليمينيّون الجدد برحلة إلى روسيا في عام 1992 بدعوة من السيد دوغين الّذي داخل بدوره في مؤتمرات مجموعة «غراس»، كما كتب دوغين في مجلّة «إيليمان»، وأطلق نسخة روسية من هذه المجلّة.
ويشير التقرير إلى أنّ دوغين و«اليمين الجديد»: «يشتركان في مفهوم إمبراطوري لأوروبا».
ويعترف باتريك لوزينشي بالنقاط المشتركة مع دوغين «هناك نقاط التقاء حول العداء تجاه الولايات المتحدة، والرغبة في تحقيق توازن بأن تكون روسيا متحالفة مع أوروبا ضد النظام الأنجلو - ساكسوني، فتعدّد الأقطاب مثير للاهتمام، نحن نتّفق على ذلك».
ويخلص تقرير الصحيفة بالقول، إنّ أتباع اليمين الفرنسي المتطرّف القريب من روسيا، مقتنعون الآن بوجود شهيدة هي داريا دوغينا، ماتت دفاعاً عن أفكارهم.