التقى تشارلي شاسن ومايكل مالون في أتلانتا في عام 1997 عندما عمل مالون مطرباً مؤقتاً بفرقة شاسن. وسرعان ما أصبحا صديقين، لكنهما لم يلاحظا ما لاحظه الآخرون من حولهما الذين شكوا في أنهما قد يكونان توأمين.
مالون وشاسين متشابهان إلى حد التطابق وبشكل لافت للنظر رغم عدم وجود صلة قرابة. حتى أسلافهما المباشرون ليسوا من المنطقة نفسها من العالم؛ إذ ينحدر أسلاف شاسن من ليتوانيا واسكوتلندا، بينما ينحدر والدا مالون من جمهورية الدومينيكان، وجزر الباهاما.
غاريت ليفنبروك ورونيل تيسلر في نيويورك 2013
شارك الصديقان، وغيرهما المئات من المتشابهين غير الأقارب، في مشروع تصوير للفنان الكندي فرنسوا برونيل الذي يضم سلسلة من الصور تحمل عنوان «أنا لست شبيهاً» مستوحاة من اكتشاف برونيل للتشابه الكبير بينه وبين الممثل الإنجليزي روان أتكينسون.
حقق المشروع نجاحاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي وفي مواقع أخرى من الإنترنت وجذب أيضاً انتباه العلماء الذين يدرسون العلاقات الجينية. كان الدكتور مانيل استيلر، الباحث في معهد «جوزيب كاريراس لأبحاث اللوكيميا» في مدينة برشلونة الإسبانية قد درس مسبقاً الاختلافات الجسدية بين التوائم المتماثلة، وأراد فحص العكس، أي الأشخاص الذين يشبهون بعضهم بعضاً من دون صلة قرابة، وتساءل «ما هو التفسير لتشابه هؤلاء الناس؟».
في دراسة نُشرت الثلاثاء في مجلة «Cell Reports»، قام الدكتور استيلر وفريقه باستخدام 32 زوجاً من الصور المتشابهة من صور برونيل لإجراء اختبارات الحمض النووي واستكمال الاستبيانات حول أنماط حياتهم. استخدم الباحثون برنامج التعرف على الوجه لتحديد أوجه التشابه بين وجوه المشاركين. حقق ستة عشر من هؤلاء 32 زوجاً درجات إجمالية مماثلة للتوائم المتطابقة التي تم تحليلها بواسطة البرنامج ذاته. ثم قارن الباحثون الحمض النووي لهذه الأزواج الستة عشر من المتشابهين لمعرفة ما إذا كان الحمض النووي الخاص بهم متشابهاً أيضاً مثل ملامح وجوههم.
تشارلي شاسن ومايكل مالون اكتشفا تشابههما بالصدفة
اكتشف الدكتور استيلر، أن الـ16 زوجاً المتشابهين إلى حد التطابق قد تشاركوا في الجينات بدرجة فاقت بكثير الـ16 زوجاً الآخرين التي اعتبرهم البرنامج أقل تشابهاً. وأضاف، أن «هؤلاء الأشخاص يشبهون بعضهم حقاً لأنهم يشاركون أجزاء مهمة من الجينوم، أو تسلسل الحمض النووي»، وأن الأشخاص الذين يبدون أكثر تشابهاً لديهم المزيد من الجينات المشتركة «والحس المشترك، لكن ذلك لم يظهر نظراً لأنهم لم يلتقوا مطلقاً». ومع ذلك، فإن الحمض النووي وحده لا يروي القصة الكاملة. فتجاربنا الحية، وتجارب أسلافنا، تؤثر على أي الجينات المفترض أن تعمل وأي الجينات مفترض ألا تعمل، وهو ما يسميه العلماء الإيبيجينومات (ما فوق الجينوم). إن الميكروبيوم لدينا، مساعدنا الميكروسكوبي المكون من البكتيريا والفطريات والفيروسات، يتأثر ببيئتنا بشكل أكبر. واكتشف الدكتور استيلر، أنه رغم أن جينومات التشابه متطابقة، فإن «الإيبيجينومات» و«الميكروبيوم» كانت مختلفة، مضيفاً أن «علم الوراثة يجمعهم معاً، وعلم التخلق والميكروبيوم يفصلهم عن بعضهم بعضاً».
يخبرنا هذا التناقض أن المظاهر المتشابهة للأزواج لها علاقة بالحمض النووي الخاص بهم أكثر من البيئات التي نشأوا فيها، وقد فاجأ ذلك الدكتور استيلر، الذي كان يتوقع أن يرى تأثيراً بيئياً أكبر.
نظراً لأن مظاهر التشابه تُعزى إلى الجينات المشتركة أكثر من تجارب الحياة المشتركة، فهذا يعني إلى حد ما أن أوجه التشابه بينهما هي مجرد مصادفة بسبب النمو السكاني، وأن هناك العديد من العوامل التي تتحكم في تشكيل الوجه.
قال الدكتور استيلر «لقد تزايد عدد الناس في العالم لدرجة أن النظام يعيد نفسه»، فليس إذن من المستبعد أن يكون هناك شبيه مماثل لك يعيش في مكان آخر. ويأمل الدكتور استيلر في أن تساعد نتائج الدراسة الأطباء على تشخيص المرض في المستقبل - إذا كان لدى الأشخاص جينات متشابهة بدرجة كافية، وبالتالي قد يتشاركون في استعدادهم للإصابة بالأمراض ذاتها أيضاً. وفي السياق ذاته، قال أوليفييه إليمنتو، مدير «معهد إنجلاندر للطب الدقيق» التابع لكلية طب وايل كورنيل في نيويورك، الذي لم يشارك في الدراسة «يبدو أن هناك شيئاً قوياً جداً من حيث الجينات يجعل فردين متشابهين يمتلكان أيضاً ملفات تعريف متشابهة على مستوى الجينوم»، مضيفاً أن التناقضات بين تنبؤات الحمض النووي والمظاهر الفعلية للأشخاص قد تنبه الأطباء إلى حدوث مشكلات.
واقترح الدكتور استيلر أيضاً، أنه يمكن أن تكون هناك روابط بين سمات الوجه والأنماط السلوكية، وأن نتائج الدراسة قد تساعد يوماً ما في علم الطب الشرعي من خلال تقديم لمحة عن وجوه المشتبه فيهم جنائياً المعروفين فقط من عينات الحمض النووي. ومع ذلك، حث دافني مارتشينكو، باحث ما بعد الدكتوراه في مركز ستانفورد لأخلاقيات الطب الحيوي والذي لم يشارك في الدراسة، على توخي الحذر عند تطبيق نتائجها على الطب الشرعي.
استطرد الدكتور مارتشينكو قائلاً «لقد رأينا بالفعل الكثير من الأمثلة على كيفية استخدام خوارزميات الوجه الحالية لتعزيز التحيز العنصري القائم في أشياء مثل الإسكان، والتوظيف، والتوصيف الجنائي»، مضيفاً أن الدراسة «تثير الكثير من الأمور الأخلاقية ذات الاعتبارات المهمة».
على الرغم من الزلات المحتملة لربط مظهر الأشخاص بحمضهم النووي أو سلوكهم، قال السيد مالون والسيد تشاسن، إن المشروع الأشخاص المتشابهين، واكتشاف أننا جميعاً قد يكون لدينا توأم خفي في مكان ما، كان وسيلة لجمع الناس معاً.
ظل الاثنان صديقين طيلة 25 عاماً، وعندما تزوج شاسن الأسبوع الماضي، كان مالون أول شخص اتصل به. وفي حين أنه ليس كل شخص يشارك شخصاً آخر في خصائص الحمض النووي يتمتع بمثل هذه الرابطة، قال مالون إنه رأى مشروع السيد برونيل للتصوير الفوتوغرافي على أنه «طريقة أخرى لربطنا جميعاً في جنس بشري واحد».
* خدمة «نيويورك تايمز»