الصراع على السلطة في ليبيا يفاقم الأزمات المعيشية للمواطنين

سياسيون قالوا إن المسؤولين انشغلوا عن حل أزمات الكهرباء والأسعار

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة (مكتب رئيس الحكومة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة (مكتب رئيس الحكومة)
TT

الصراع على السلطة في ليبيا يفاقم الأزمات المعيشية للمواطنين

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة (مكتب رئيس الحكومة)
عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة (مكتب رئيس الحكومة)

يرفض ليبيون كثيرون رهن أزماتهم المعيشية بحصول انفراجة سياسية بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة، في ظل ما يعانونه من انقطاع التيار الكهربائي وقلة السيولة، وغلاء الأسعار، وتردي مستوى رغيف الخبز.
وعلى الرغم من إقرار الجميع بتزايد المعاناة، فإن البعض يرى أن معالجة مثل هذه الأزمات مرهون بحدوث حل شامل للأوضاع السياسية.
وأقرّ عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، بتراجع اهتمام المسؤولين بأوضاع المواطنين في ظل احتدام الصراع على السلطة التنفيذية مؤخراً، رغم المظاهرات التي عمت مدناً ليبية مطلع الشهر الماضي، ونددت بتفاقم الأوضاع المعيشية.
وقال الزرقاء، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفشل بات يطارد النخبة السياسية لإخفاقها في حلحلة الوضع السياسي أولاً، ثم عدم محاولتها التعويض عن هذا الإخفاق بتقديم أي مساهمة لإيقاف تدهور الخدمات المقدمة للمواطن من تكرار انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود والسيولة، وأخيراً الحديث عن خبز (مسرطن)».
وأشار النائب إلى أنه رغم أن «الألقاب التي تحملها تلك النخبة ويعرفون بأنهم مسؤولون وممثلون عن الشعب الليبي برمته، فكل منهم صار يتباهى بعدم معاناة سكان الإقليم أو المدينة المنتمي لها، من مشكلة أو أزمة ما، ويغفل وضعية الباقين»، لافتاً إلى أن «هذا يعمّق شعور الليبيين بأن ما يُطرح حول معاناتهم على ألسنة هؤلاء المسؤولين مجرد مزايدة سياسية فيما بينهم لا محاولة لإيجاد حلول مناسبة».
وقلل الزرقاء من تعويل البعض على قانون الرواتب الموحد الذي يناقشه مجلس النواب حالياً، وقدرته على المساهمة في التخفيف من أعباء المواطنين بما يوفره من زيادات مالية، متابعاً: «في ظل الانقسام الحكومي الراهن وعدم وجود جهات رقابية تقدم تقريرها للبرلمان عن متابعة صرف الزيادات المالية التي يتطلبها تطبيق هذا القانون في عموم البلاد، فقد يصير مدخلاً لنهب المال العام».
وأكمل أن حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أعلنت تطبيق جدول موحد للرواتب، ولكنها غير خاضعة لرقابة البرلمان، وبالتالي «نتوقع أن يفتح التطبيق باباً لنهب المال العام، خصوصاً في ظل ما أعلن مؤخراً من وجود تزوير بالأرقام الوطنية».
ولم يبتعد عضو اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، بشير العموري، عن الطرح السابق بأن محاولة كل طرف من القوى المتصارعة الاستحواذ على السلطة وصلاحياتها عبر محاولة إرضاء الحلفاء المحليين والإقليميين والدوليين، هي ما دفعت الجميع للتغافل عن حجم الضغوط التي يتعرض لها الليبيون يومياً لتستمر معاناتهم.
وأوضح العموري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الشعب فقد الثقة بالأجسام السياسية القائمة وبقدرتهم على تقديم أي تشريع أو مبادرة جديدة للإصلاح، بل إنه بات يصف خطاباتهم بأنها مزايدات فيما بينهم، ولا يمكن أن تؤدي لتعزيز الثقة بأي منهم مجدداً كما يتصورون، كونها غير مبررة».
وقدم مثالاً على صحة ما يطرحه «بما تملكه حكومة الدبيبة من مصادر تمويل، ورغم ذلك انصب إنفاقها بمناطق سيطرتها على زيادة الرواتب وصرف علاوات وتحديداً لبعض قيادات المجموعات المسلحة المتمركزة بالعاصمة إلى جانب مبادرات لزواج الشباب لتعزيز شعبيتها، مقارنة بما تنفقه على قطاعات أخرى حيوية كالتعليم والصحة».
وأكمل: «حكومة باشاغا المكلفة من البرلمان تركز طاقاتها على دخول العاصمة، وهناك تخوف من اعتماد رئيسها على دعم مجموعات مسلحة لدخول لطرابلس ما سيجعله مديناً لهم بالمستقبل، كما أن اختيارات وزرائه جاءت في إطار المحاصصة الجهوية والسياسية وليس طبقاً للكفاءة، وهو ما لا ينبئ بأن الوضع ولو تحسن بدرجة عما هو عليه الآن فإنه لن يكون مثالياً».
وفي صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تساءل فرج عمر، مدير إحدى الجمعيات الخيرية بالعاصمة طرابلس: «ماذا فعلنا حتى ينالنا هذا العقاب الجماعي؛ الإظلام، والوقود، والخبز، ولهيب أسعار التموين، والأدوية؟»، داعياً الدبيبة ووزير صحته إلى «مساعدة مرضى السكري الذين يبحثون عن حقن الإنسولين ولا يجدونها».
أما عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد لنقي، فذهب إلى أنه «من المتعذر الحديث عن المختناقات المعيشية وعلاجها بعيداً عن حل سياسي شامل، يتطلب تقديم النخبة السياسية تنازلات تقود لتوافق يمهد لإجراء الانتخابات وتوحيد مؤسسات الدولة».
وأضاف لنقي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «توحيد المؤسسات، خصوصاً الأمنية، سيسمح بالتصدي وإيجاد معالجة للأزمات الحقيقية كارتفاع البطالة بصفوف الشباب، التي دفعت قطاعاً كبيراً منهم مع إهمالها للانضمام للميليشيات المسلحة لجني المال، والتصدي أيضاً لمَن يقفون وراء الأزمات المصطنعة كالوقود والسيولة وانتشار القمامة، ممن يطمئنون لإفلاتهم من العقاب في ظل الانقسام الراهن».
ويرى لنقي أن الجميع الآن في انتظار «مواقف النخبة السياسية، وهل سيقدمون التنازلات ويحققون قدراً من التوافق الداخلي يمهد لإجراء الانتخابات ويدفع الدول المتدخلة والمتحكمة بالمشهد السياسي مع الأسف للبحث عن تأييد ذات الخيار الديمقراطي للحفاظ على مصالحها ببلادنا، أم ستستمر تلك النخبة في انقساماتهم ومحاولة كل طرف منهم تصوير نفسه بالجبهة التي تدعم مطالب الليبيين بالديمقراطية والاستقرار والعيش الكريم».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.