تعد الأعلاف الحيوانية أمراً حيوياً للأمن الغذائي العالمي، لكنها في الوقت نفسه تؤثر سلباً على البيئة نظراً للكمية الكبيرة من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بإنتاجها ومعالجتها. إلا أن الابتكارات والتقنيات الجديدة يمكنها أن تقدم حلولاً مستدامة ونظيفة.
مصدر غذائي جديد
في هذا الإطار تتعاون جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مع وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية لإنتاج مصدر جديد لأعلاف الحيوانات في المملكة العربية السعودية. والمشروع - الذي يتوافق مع رؤية المملكة 2030 والمبادرة السعودية الخضراء للأمن الغذائي - يستهدف تطوير تقنيات جديدة؛ لإنتاج أعلى جودة من بروتين الطحالب المستخدم في أعلاف الحيوانات مثل السمك والدجاج.ويدعم المشروع توطين إمدادات الطعام، ويقلل من الاعتماد على الأعلاف المستوردة، من خلال المساهمة في إنشاء صناعة أعلاف مستدامة في المملكة السعودية، وهذا يعني أن استبدال جزء بسيط من واردات المملكة من الأعلاف المستوردة بأعلاف محلية، سيوفر مدخرات سنوية هائلة.
يقول الدكتور علي الشيخي، الرئيس التنفيذي للبرنامج الوطني لتطوير الثروة السمكية في المملكة: «يتوافق مشروع تطوير تقنية الطحالب الدقيقة مع رؤية المملكة السعودية 2030 لتطوير الاقتصاد الأخضر، وسيسهم بشكلٍ مذهلٍ في تحقيق عوائد بيئية ومجتمعية واقتصادية، ليس على السعودية وحدها؛ ولكن على العالم أجمع».
ويتولى الإشراف على المشروع الجديد، المعروف باسم «صناعة التقنية الحيوية للطحالب» (DAB - KSA)، البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية التابع للوزارة ومقره مجمع الأبحاث والتقنية بـ«كاوست»، في حين يتولّى منصب المدير التنفيذي للمشروع، الدكتور كلاوديو غرونيوالد، الذي انضم إلى «كاوست» في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 قادماً من جامعة سوانسي في ويلز، ويتمتع بخبرة هائلة في إنتاج الطحالب البحرية الدقيقة، بما يتضمن الخبرة الهندسية المطلوبة لتصميم وبناء وتشغيل مرافق تربية الأحياء المائية على نطاق واسع في بلدان مختلفة مثل إسبانيا وتشيلي واليابان والمملكة المتحدة.
مشروع تجريبي
تتضمن المرحلة الأولى للمشروع، تطوير المرفق التجريبي لإثبات جدوى نظرية إنتاج الطحالب عالية البروتين بمساحة 870 متراً مربعاً، وافتُتح المِرفق في مارس (آذار) 2022. ويعني بتقديم بيانات مُوثّقة لإنتاجية الطحالب خلال السنة الأولى من تشغيله، والتي يمكن من خلالها تقييم جدوى المشروع وعوائده الاقتصادية ومدى استدامته.
ومن المعروف أن الطحالب تنمو في بيئة المياه المالحة والعذبة على حدٍ سواء، نتيجة لتفاعل أشعة الشمس، مع النيتروجين، والفوسفور وثاني أكسيد الكربون. في مشروع (DAB - KSA)، تزرع أنواع الطحالب الغنية بالبروتين والأحماض الدهنية والكربوهيدرات، التي يمكنها النمو في بيئات المياه المالحة والعذبة، وفي نظام البرك الخارجية (المجاري المائية)، والأنابيب المغلقة (المفاعلات الحيوية الضوئية). وتُصنّع العجينة المُركّزة من «المزارع السائلة” Culture Liquid التي تجرى عادة في أنابيب اختبار، وتعني استنبات الأحياء الدقيقة في وسط سائل. بعد ذلك يتم تجفيفها بالتجميد لصنع الكتلة الحيوية المسحوقة لأعلاف الحيوانات.
ويحقق المشروع عدداً من الفوائد البيئية؛ حيث تُستخدم الموارد المحدودة كالأرض والمياه، والطاقة؛ لتربية الحيوانات وأعلافهم، وعلاوة على ذلك أيضاً؛ فمن المتوقع انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة كبيرة التي تنبعث من إنتاج الأعلاف، وتجهيز الحيوانات.
كما يمكن للتقنيات المعتمدة على الطحالب المساهمة في تقليل التأثيرات البيئية، وأحد الحلول المقترحة في هذا السياق، استخدام الطحالب في تربية المائيات، كتربية الأسماك في الماء، بينما يُعاد استخدام النفايات عن طريق تغذية الأسماك بالأطعمة المسُتخلصة من مشروع (DAB - KSA)، ومن ثمّ إعادة استخدام مياه الخزانات المُستخدمة لتربية الأسماك، لنمو مزيد من الطحالب، مما يؤدي إلى اقتصاد بيئي دائري؛ حيث يمكن للطحالب النمو في منطقة امتداد سواحل السعودية - التي تصل لـ3400 كيلومتر - على طول البحر الأحمر والخليج.
مرحلة الإنتاج
وما إن تتضح جدوى المشروع في المرحلة الأولى؛ فإنَّ مشروع تقنية تطوير الطحالب الدقيقة ينتقل إلى المرحلة التالية، التي تتضمن تصميم وإنشاء أكبر مِرفق لتربية الأحياء المائية ونبات الطحالب، ومن المتوقّع أن يتراوح هدف إنتاج الكتلة البيولوجية بالوزن الجاف للطحالب في المرحلة الأولى ما بين 1.5 لـ2 طن، ويُتوقّع انطلاق المرحلة الثانية من أواخر 2023 إلى 2024. ومن المأمول أن يصل هذا الوزن إلى 50 لـ100 طن، مع توسعة المشروع إلى منشأة تبلغ مساحتها 4 هكتارات، ويهدف المشروع مستقبلاً لتطبيق تقنيات متقدّمة لتربية المائيات على مشروع البحر الأحمر، و«نيوم»، بالإضافة إلى عدد من المشاريع الأخرى.
وتعتبر «كاوست» مركزاً لأبحاث واسعة النطاق حول الطحالب في المملكة؛ إذ إنَّ الجامعة حافظت، خلال العامين الماضيين، على المواهب الأساسية، والمعدّات اللازمة المطلوبة لتسريع - ليس فقط مشروع أعلاف الحيوانات والمتعلّق بمبادرات الأمن الغذائي في رؤية المملكة 2030 - ولكن أيضاً استخدامات الطحالب واسعة النطاق بدءاً بإطارات السيارات وصولاً إلى العطور والأدوية.
كما تعد الجامعة المختبر الوحيد الذي يعنى بالتقنية الحيوية التطبيقية للطحالب في شبه الجزيرة العربية، والتي تعمل على تحديد سلالات الطحالب المحلية، مما يساعد في معرفة اختلاف سلوكها، وتحمُّل طقوس البيئة الخارجية؛ بالإضافة إلى تطوير مكتبة حيّة للسلالات المحلية للطحالب ذات القيمة التجارية للمملكة العربية السعودية.
ويشارك في المشروع أيضاً، عضو هيئة التدريس في «كاوست»، الدكتور كايل ليورسين كخبير طحالب، ويعمل مع الدكتور غرونيوالد، كجزءٍ من المبادرة، على تطوير استراتيجيات لتدريب الأجيال المقبلة من تقنيي الطحالب؛ لمساعدتهم في تطبيق تلك التقنيات بجميع أنحاء المملكة.
يقول الدكتور غرونيوالد: «لدي إيمان عميق بأنَّ المملكة تمتلك القدرة التنافسية للعمل على زراعة الطحالب الصناعية، بامتداد ساحل البحر الأحمر بما تتملكه من أرض مُسطّحة، ومصادر طبيعية، وطاقة شمسية متاحة طوال العام».