«ثالوث الظلام».. الجانب الآخر لقطاع التجارة والمبيعات

عالمٌ مليء بالمكيافيليين والنرجسيين والمعتلين نفسياً

TT

«ثالوث الظلام».. الجانب الآخر لقطاع التجارة والمبيعات

إليكم أولا شرحا للمصطلحات:
> النرجسية: الإعجاب المفرط بالذات
> الاعتلال النفسي: اضطراب نفسي يتجلّى في سلوكيات أنوية (تركّز على الأنا والذات) ومعادية للمجتمع
> المكيافيلية: نظرية سياسية طرحها في القرن السادس عشر الفيلسوف الإيطالي نيكولو مكيافيلي تبرّر استخدام الإنسان لكلّ الوسائل الضرورية مهما تجرّدت من المبادئ لتحقيق النتيجة النهائية التي يرجوها.

«ثالوث الظلام»
تُعرف هذه السمات الشخصية مجتمعة بثالوث الظلام“dark triad”، وهي عبارة عن نسق من الميول السلوكية الشريرة تبرز غالباً لدى الأشخاص المعروفين بأنّهم «قاسون» و«متلاعبون» و«خبيثون» أو «هجوميون بشكلٍ ملحوظ».
في دراسة نُشرت أخيراً في دورية «ذا جورنال ماركتينغ»، وجد باحثون من أربع جامعات أميركية، أنّ ثالوث الظلام يمكن أن ينتج موظف مبيعات شديد المهارة أو ما وصفوه بالـ«أفعى إدراكية».
وتشرح الدراسة أنّ «موظفي المبيعات يحققون نتائج مرتفعة عند تقييم هذه السمات المظلمة لديهم مقارنة بمن يمارسون مهناً أخرى باستثناء الرؤساء التنفيذيين والمحامين والمشاهير».
قد لا يتفاجأ النّاس عندما يسمعون أنّ عالم التجارة والمبيعات مليء بالظلام ولو أنّ الأمر يبدو أقلّ وضوحاً عندما نفكّر بالمندوبين الذي يبيعوننا الكعك عند عتبة الدار. في الحقيقة، تركّز معظم الأبحاث العلمية التي تشمل موظفي المبيعات على السمات الإيجابية كالتحفيز الذاتي والقدرة على التكيّف وإسعاد الزبائن. في المقابل، تركّز الدراسة الجديدة على ضرورة عدم تجاهل السمات السلبية.
ولكنّ هذه النتائج لا تعني أنّ موظفي المبيعات السيئين ينتصرون في النهاية، حيث كشفت الدراسة أنّ ثالوث الظلام يساهم في سقوط العاملين في هذا المجال على المدى الطويل. فقد تبيّن أنّ موظفي المبيعات الذين يملكون سمات ثالوث الظلام يستطيعون تغطية الجوانب المضطربة في شخصيتهم (كالاهتمام المفرط بالذات) بأخرى طبيعية (كالكاريزما) على المدى القصير، وهكذا يُعيّنون في شركات لا تبحث عادةً عن «زملاء سامّين»، أو ينجحون في الارتقاء بسرعة من خلال الدوس على الآخرين من حولهم.

النرجسية والفشل
في المقابل، وجدت الدراسة أنّ النرجسية والاعتلال النفسي يؤدّيان غالباً إلى «الفشل وخسارة التفوّق» لأنّ السلوكيات العدائية المرتبطة بثالوث الظلام يمكن أن تؤدي أخيراً إلى تدمير العلاقات مع زملاء العمل وتقليص رأس المال الاجتماعي، فتسبّب بالتّالي انهياراً في أدائهم المهني. يحصل هذا الأمر بسرعة أكبر في الشركات التي تعتمد ثقافة مؤسساتية تكشف ثالوث الظلام عوضاً عن تغطية شرور موظف المبيعات الخبيث.
إذن، ينال النرجسيون والمعتلّون في عالم المبيعات ما يستحقونه في النهاية، ولكن هذا الأمر لا يشمل المكيافيليين الذين قد يتفاقم سوؤهم على المدى الطويل، بحسب الدراسة. لم يتضّح السبب العلمي خلف هذه الفرضية ولكنّ الأنواع المكيافيلية تتسم عادةً بمهارة عالية في التعامل مع محيط العمل.
الخلاصة: تشدّد الدراسة على ضرورة ألّا يغضّ عالم المبيعات النظر عن ثالوث الظلام، أو أن يسعى على الأقلّ للتخلّص من الموظفين غير الصالحين لأن لا أحد سيرغب بالعمل معهم.
* «فاست كومباني»
ـ خدمات «تريبيون ميديا»



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً