«ثيو يانسن»... أعمال فنية تحاور العلم

يطلق عليه لقب «ليوناردو دافنشي الجديد»

من أعمال الفنان
من أعمال الفنان
TT

«ثيو يانسن»... أعمال فنية تحاور العلم

من أعمال الفنان
من أعمال الفنان

يعرض المتحف الوطني للعلوم والتكنولوجيا «متحف ليوناردو دافنشي» في عاصمة الصناعة الإيطالية ميلانو، أعمال الفنان الهولندي ثيو يانسن، المستوحاة من فكرة الحوار بين الثقافة الإنسانية والتقنية العلمية. والفكرة مستمدة من الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي وأيضاً إلى الهولندي ثيو يانسن.
والفنان الهولندي «يانسن»، الذي تطلق عليه الصحافة الإيطالية لقب «ليوناردو دافنشي الجديد»، معروف في جميع أنحاء العالم بتركيباته العملاقة التي تمازج ما بين الفن والهندسة، فهو يؤمن بوحدة المعرفة وبالصلة الوثيقة بين الثقافة الإنسانية والثقافة التقنية العلمية، وهو يكرر أثناء تجواله مع مندوبي الصحافة الأجنبية في إيطاليا الذين دعاهم لرؤية أعماله الفنية وبضمنهم مراسل «الشرق الأوسط»: «الحدود بين الفن والهندسة موجودة فقط في أذهاننا»، ليعبر بهذه الكلمات عن وجهة نظره حول الترابط بين مختلف التخصصات.
وتبدو هذه الهياكل المتحركة التي وضع لها عنوان «أحلام حيوانية» للوهلة الأولى وكأنها كائنات ذات مظهر حيواني تتحرك مع دفع الريح وتخرج بعضها أصوات موسيقية غريبة.
النظرة الأولى لإبداعات «يانسن الهولندي» كافية للعودة إلى رسومات وتخطيطات ليوناردو دافنشي، الذي نشط في مجال الاختراعات والهندسة وتصميم الآلات، على أنها مجرد محاولات فنان كان يريد أن يحشر أنفه في كل شيء. وفي هذا الإطار نُظر أحياناً إلى التصاميم التي وضعها صاحب «الموناليزا» لعدد من الآلات الحربية، على أنها ابتكارات شغل بها أوقات فراغه وتنتمي إلى عالم الخيال العلمي. غير أن هذه النظرة تبدو لنا للإنصاف، غير صحيحة على الإطلاق. ذلك أن مخترعات دافنشي العلمية والتقنية، والتي اشتغل عليها تحديداً خلال الأعوام الوسطى في ثمانينات القرن الخامس عشر (وبخاصة بين عامي 1482 و1486)، لم تكن مجانية ولا كانت شطحات، بل كانت محاولات جدية للوصول إلى ابتكار عتاد حربي ووسائل انتقال يمكن لمدينة ميلانو - التي كان انتقل إليها في ذلك الحين - أن تنفذها، مما يساعدها، في رأي دافنشي، على تحقيق انتصارات عسكرية. وكان دافنشي ينطلق في هذا التفكير من مبدأ بدأ يسود في ذلك الحين، وفحواه أن الحروب المقبلة لن تكون حروب شجاعة فردية وقوة جنود مبنية على تخطيطات عبقرية لقادة متميزين، بل إن الإنسانية باتت في طريقها لتدخل عصراً يجب أن تعتمد فيه الحروب أكثر وأكثر على التقنيات والأعتدة المعقدة، كما على وسائل اتصال وانتقال لا عهد للبشرية بها من قبل.
بمجرد الدخول إلى صالة المتحف الكبيرة، لا يسع المرء إلا الشعور بإحساس عميق بالترابط الواضح بين هذين الفنانين، حيث تظهر مخلوقات «ثيو يانسن» على شكل هياكل عظمية ضخمة لحيوانات ما قبل التاريخ أو حشرات عملاقة، أو تشكيلات هندسية تبدو متفتحة للأزمان الجديدة، الأزمان التي لا تعود معها أحلام الإنسان رغبة شاعرية أو خيالية، أو محاولات فردية قاتلة، بل علماً يُشتغل عليه بكل جدية، عبر أرقام ومعطيات وتخطيطات تجعل الأمر ممكناً حتى وإن تأخر تنفيذه. إنها في الواقع مصنوعة من خراطيم بلاستيكية حديثة ومجسمات خشبية أنيقة وخيوط نايلون وشرائط ومواد لاصقة، لتبرز التكوينات العملاقة المدهشة وتثير الإعجاب كأعمال فنية قادرة على التحرك باستخدام قوة الريح. وتذكرنا بالتخطيطات التي رسمها دافنشي المغرقة في حداثتها بالنسبة إلى زمنها، علماً بأن القرون التالية شهدت ولادة أشكال متطورة وحقيقية من كل الابتكارات التي كان دافنشي رائداً فيها، ومن بينها الدبابة، والمظلة (الباراشوت)، والطائرة... إلخ.
بعض من أعمال الفنان «ثيو يانسن» تم تصميمها في الواقع لمكافحة تآكل السواحل الهولندية، وكل عمل من هذه الأعمال الفنية المركبة له اسم لاتيني يشير إلى خصائصه وانتمائه وحتى وظيفته. وتكمن العظمة في تصميمه ولكن بشكل أكبر في استدامته. والشيء الأكثر تعقيداً هو الدراسة المستمرة التي يجريها الفنان يانسن على أعماله الفنية، من أجل البقاء والقدرة على رؤيتها تتحرك أمام عيون المشاهد ليجعل هذه الرؤية لأي متلق مثار دهشة كبيرة.
وبعد فترة من دراسة الفيزياء التطبيقية في جامعة «دلفت للتكنولوجيا»، تخلى الفنان جانسن عن مسيرته الجامعية ليكرس نفسه ليستكشف مجالات علم الطيران والروبوتات، ويبدأ في إنشاء خوارزميات لمحاكاة الحياة الاصطناعية. وابتداءً من التسعينيات، بدأ يتفرغ لمشروعه، عوالم الفيزياء، التي عكسها في أعمال تم وضعها في بعض المتاحف الأكثر شهرة في العالم بما في ذلك Exploratorium في سان فرانسيسكو، وCitè des Sciences وPalais de Tokyo في باريس، ومتحف الفن والعلوم في سنغافورة وفي معرض الفن المعاصر «آرت بازل ميامي» ومتاحف وغاليريات عالمية أخرى.
يقول الفنان يانسن: «صحيح أن في إمكاننا أن نقول إن الفنان العظيم ليوناردو دافنشي لم يحقق، بالفعل، أياً من تلك الاختراعات التي بذل جهداً كبيراً من أجل إنجازها، إذ نعرف أن المسألة، في نهاية الأمر، لا تتعلق في مثل هذا المجال من الابتكار، بعبقرية الفرد وحدها، إذ يتعين أن تتضافر هذه مع تقدم تقني وصناعي، وتحسن في صنع المعادن وغيرها من المواد، وفي استخدامها، إلا أنه لا شك في أن جرأة ليوناردو دافنشي الفكرية لعبت دوراً كبيراً في مشروعه. فجعلت الظروف اختراعاته عصية على التنفيذ العملي، إلا أنه يمكن الاكتفاء بتبجيل دافنشي، المخترع، نظرياً، والوقوف بدهشة أمام تصميماته إذا نظرنا إليها اليوم سنجدها فعلاً تبدو كأنها تصميمات لآلات ممكنة الصنع.



مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء
TT

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

أطلقت مجموعة من النخب السويسرية مبادرة عالمية لإنشاء مركز عالمي لجذب الباحثين وأصحاب المصالح والرؤى المكرسين لفهم وحماية الصحراء، ليكون رمزاً لممارسة مستقبلية تجمع بين الوعي التاريخي والبحث الابتكاري والمسؤولية الاجتماعية.

المبادرة كانت من فكرة الروائي الطارقي والسويسري إبراهيم الكوني، واستضافتها جامعة نيويورك أبوظبي، بمشاركة المفكّر السويسري، والأكاديمي، دكتور ريتّو زورغ، رئيس مركز دراسات «روبرت فالسر» في بيرن، والأكاديمي السويسري، المحاضر في جامعة كوبنهاغن، دكتور يان لوب، وسفير سويسرا المعتمد لدى دولة الإمارات العربية المتّحدة دكتور آرثر ماتّلي.

وفي الندوة التي عقدت بحضور أكاديميين وإعلاميين، كشف المشاركون عن أن مهمة المركز ستسهم في دعم البحث والاستكشاف العلمي للصحراء وتعزيز فهم أعمق لبيئة الصحراء، وتعزيز ثقافة وفن وأدب الصحراء، ودعم الاستدامة وضمان الحفاظ على الصحاري وإمكاناتها بمسؤولية للأجيال القادمة.

وحسب دكتور ريتو سورغ فإن المجموعة جلبت معها خبرة واسعة في إدارة وتطوير مشاريع دولية يتقاطع فيها الأدب والأكاديمية والقطاع الخاص، مع إدراك منا أن تحقيق رؤية إبراهيم الكوني لمركز صحراوي متعدد التخصصات يتطلب دعم شركاء من مجموعة واسعة في المجالات الأكاديمية، خاصة العلوم الطبيعية والاجتماعية إلى جانب مستشارين ورعاة محليين.

المبادرة وضعت التعليم والتواصل العام نصب عينيها، حسب البيان الصادر عنها، وذلك من خلال إنتاج المعرفة حول الصحراء ونشرها على نطاق واسع لردم الفجوة بين البحث والمشاركة العامة.

وقال الروائي إبراهيم الكوني في كلمة ألقاها أمام الحضور إن «الصحراء هي الأسطورة في أبجديّة وجودنا، والهجرة فيها هي درس هذه الأبجدية. أمّا الرّعي فهو المدرسة، لأن التجربة برهنت على أن مَن أعجزه أن يروّض نفسه على رعي الأنعام، فهيهات أن يفلح في رعي الأنام، لهذا السبب كان الرعي حرفة الأنبياء، لأن من رَبَّى في نفسه الصبر على شقاوة الأنعام، وحده يستطيع أن يخوض مغامرة ترويض الأنام على الإيمان».

وأضاف: «لقد كان الإنسان الحضري منذ الأزل، يتلقّى رؤيا الخلاص من أنفاس روح النموذج الهجري، كما حدث مع تجربة كل ملحمةٍ نبويّة، أفلا يكون اختيارنا اليوم لواقع هذا المكان البرّي (الإمارات) بمثابة فألٍ حسنٍ، لإطلاق سراح أوّل حرفٍ في أبجديّة تشخيص طبيعة هذه الأحجية، المدعوّة في لغتنا صحراء، لا بصفتها مسقط رأس النبوّة وحسب، ولكن بوصفها مسقط رأس التكوين، الذي استطاع هنا أن يحقق بالإرادة في العمل، وبالحكمة في العقل، حلم التطوير في مفردة، (evolution)، لا بالردّة عن التطوير، المترجمَة في مفهوم التثوير (revolution)، التي أغرقت واقع عالمنا بنزيف الدمّ، لتجهض مشروع النهضة، الذي تغنّت به الآيديولوجيات المفلسة، لتغدو الإمارات النموذج في استثمار السلم، لا في احتراف العنف، في تجربة التغيير، بإدمان أفيونٍ سحري، هو: الحبّ، ليغدو فصل الرأسمال فيه الإنسان من جانب، والطبيعة، التي يسكنها هذا الإنسان، من جانبٍ آخر، بوصفها المستودَع الذي يحتضن نشاط هذا الإنسان؟ وهو اليقين الذي تحوّل قاسماً مشتركاً أعظم بين سويسرا والإمارات، ليكون سرّ تفوّقهما، ليجعلهما قِبلة كلِّ مُريدِ حقيقة، في عالمٍ تغترب فيه الحقيقة، فلا يُدهشنا أن ننتدبهما اليوم ليكونا هما الشاهدَين على مبادرتنا في إنصاف هذا الفردوس (الصحراء)، المعجونِين من طينته، ولكننا المنكرون لنعمته، فنعمل أخيراً ما من شأنه أن يمكّنه من أن ينطق بحجّته، ليترافع عن نفسه!».