ترمب وسط حقل ألغام قانونية

سيناريوهات لمستقبل الرئيس السابق... بين إدانة وسجن وبراءة وصفقة

ترمب في صورة تعود إلى 15 يناير الماضي (أ.ف.ب)
ترمب في صورة تعود إلى 15 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT

ترمب وسط حقل ألغام قانونية

ترمب في صورة تعود إلى 15 يناير الماضي (أ.ف.ب)
ترمب في صورة تعود إلى 15 يناير الماضي (أ.ف.ب)

تلاحق المشكلات القانونية الرئيس السابق دونالد ترمب من كل صوب وجهة. فهناك ما لا يقل عن سبعة تحقيقات ما بين جنائية ومدنية تتعلق بإمبراطوريته المالية والعقارية، وأخرى مرتبطة بالتضليل المالي والتهرب الضريبي، إضافة إلى تحقيقات لجنة مجلس النواب في أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) والهجوم على مبنى الكابيتول، وتحقيقات ولاية جورجيا حول تدخل ترمب لقلب نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولاية عام 2020 لصالحه.
هذه القضايا تثير أسئلة متعددة نظراً لطبيعتها غير المسبوقة. إذ لم يسبق أن واجه رئيس سابق هذا الكم من التحقيقات في تاريخ الولايات المتحدة. فما الذي يمكن أن يحدث في هذه التحقيقات، وكيف سينتهي الأمر بالنسبة لترمب؟
في المداهمة التي قام بها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) لمنزل ترمب، في مار لارغو بفلوريدا، استعاد العملاء 20 صندوقاً ونحو 11 مستنداً من المستندات عالية السرية والسرية للغاية التي يتعلق بعضها بالقدرات النووية. وتقول وزارة العدل الأميركية إنها تحقق فيما إذا كان ترمب انتهك ثلاثة قوانين فيدرالية، بما في ذلك قانون مكافحة التجسس وقوانين متعلقة بالتعامل مع وثائق الأمن القومي، أم لا.
كل هذه القضايا تفتح الباب أمام تكهنات عدة فيما يتعلق بإمكانية توجيه تهم جنائية إلى الرئيس الأميركي السابق، وما إذا يمكن أن تنتهي التحقيقات إلى عدم توجيه تهم إليه أم لا، وما إذا سيستمر ترمب في الدفع ببراءته، أم يحاول إبرام صفقة لتجنب توجيه اتهامات إليه قد تلقي به إلى وراء القضبان، مقابل أن يظل قادراً على الترشح لانتخابات 2024.
-- السيناريوهات المحتملة
1 - أن تنتهي التحقيقات من دون توجيه اتهامات: يقول الخبراء إن مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله يمكن أن ينتهي التحقيق حوله دون توجيه لائحة اتهام ضد ترمب. إذ من المحتمل أن وزارة العدل أرادت فقط استعادة السجلات والوثائق الحساسة التي كانت لدى ترمب بمنزله في مار لارغو، لذا فإن الأولوية القصوى للحكومة الأميركية هي حماية محتوى هذه الوثائق من الكشف، وهو ما قد يكون صعباً عند توجيه لائحة اتهامات لترمب في أي قضية بمحكمة علنية.
2 - إذا تم توجيه اتهامات لترمب وإدانته، هل بإمكانه الترشح للرئاسة؟ يقول المحللون إنه إذا تم اتهام ترمب بارتكاب جريمة، أو جرائم، لكنه تخلى عن صفقة الإقرار بالذنب، فستنتقل القضية إلى محاكمة جنائية. وفقاً لأمر التفتيش الصادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، يبحث المدعون عما إذا كان ترمب انتهك 3 قوانين فيدرالية: الأول يتعلق بقانون التجسس المتعلق بإزالة المعلومات المتعلقة بالدفاع الوطني للولايات المتحدة (يعاقب على الإدانة بهذه التهمة بالسجن لمدة 10 سنوات كحد أقصى)، والثاني يتعلق بقانون رقم 2071 الذي يحظر إخفاء أو إزالة أو تشويه السجلات الحكومية بشكل عام (ويعاقب على الإدانة بهذه التهمة بعقوبة قصوى تصل إلى ثلاث سنوات وتجريد الأهلية من تقلد المناصب العامة)، والثالث قانون يحظر إتلاف أو تزوير السجلات الحكومية بقصد إعاقة أو عرقلة التأثير على تحقيقات فيدرالية (وتبلغ العقوبة القصوى للإدانة بهذه التهمة السجن لمدة عشرين عاماً). وبالإجمال، فإن الرئيس السابق يواجه احتمالات سجنه 33 عاماً، وفقاً للخبراء القانونيين.
فهل يمكن لترمب الاستمرار بالترشح لانتخابات 2024 إذا تم اتهامه وإدانته وانتهى به المطاف في السجن؟ الإجابة المختصرة هي «نعم». إذ لا يوجد في الدستور ما يمنع أي شخص من الترشح للرئاسة إذا كان خلف القضبان. فإذا أدين بانتهاك اثنين فقط من القوانين الثلاثة المذكورة، يمكن لترمب عندها نظرياً إطلاق حملة رئاسية حتى لو كان مسجوناً.
أما إذا أدين بارتكاب جرائم تتعلق بإخفاء أو إزالة أو تشويه السجلات الحكومية، التي تصل عقوبتها إلى ثلاث سنوات وتجريد الأهلية من تقلد المناصب العامة، ففي هذه الحالة يمكن استبعاده من تولي المنصب مرة أخرى ومنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية.
3 - سيناريو التراجع عن الترشح للرئاسة: إذا وجه المدعي العام تهماً جنائية ضد الرئيس الخامس والأربعين فيما يتعلق بتعامله مع السجلات الحكومية والوثائق السرية، فقد يكون أمام ترمب عندها خيار إبرام صفقة يوافق فيها على عدم السعي لمنصب عام مقابل عدم توجيه الاتهام إليه.
وهناك سوابق تاريخية كثيرة في تاريخ الرؤساء الأميركي. ففي عام 2001، أبرم الرئيس الأسبق بيل كلينتون، في آخر يوم له بمنصبه، صفقة مع المدعي الخاص روبرت راي، تخلى بموجبها عن رخصته لممارسة القانون في ولاية أركنساس (مسقط رأسه) لمدة خمس سنوات مقابل عدم الملاحقة الجنائيًة له التي تتهمه بالكذب تحت القسم بشأن علاقته الجنسية مع المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي. وفي حالة ترمب، على الرغم من أن تحقيق وزارة العدل في تعامله مع السجلات الحكومية هو الأكثر تعرضاً للجمهور منذ مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإنه ليس التحقيق الفيدرالي الوحيد المتصل به. فالوزارة تجري أيضاً تحقيقاً واسع النطاق في أحداث الشغب التي وقعت في 6 يناير (كانون الثاني) في الكابيتول. وهناك تحقيق منفصل يجريه الكونغرس في أحداث 6 يناير.
4 - سيناريو العفو الرئاسي: يمكن للرئيس جو بايدن أن يختار منح الرأفة التنفيذية لترمب، في شكل عفو أو تخفيف للأحكام، أو تأجيل تنفيذ الأحكام - إذا تم توجيه الاتهام إلى ترمب أو إدانته أثناء وجود بايدن في منصبه. أشهر مثال تاريخي على ذلك كان عندما أصدر الرئيس جيرالد فورد عفواً عن سلفه، ريتشارد نيكسون، بعد استقالة نيكسون من منصبه وسط فضيحة ووترغيت.
يشير الخبراء القانونيون إلى أنه من المحتمل جداً أن يمنح بايدن ترمب عفواً أو تخفيفاً، إذا أدين أو وجهت إليه لائحة اتهام أو تحت التهديد بتوجيه الاتهام إليه لتجنب مزيد من تأجيج الانقسامات السياسية في البلاد.
وأشارت صحيفة «بوليتيكو» إلى أن العفو عن الجرائم المتعلقة بسوء التعامل مع المعلومات السرية، مختلف بشكل كبير عن العفو الشامل مثل ذلك الذي منحه فورد لنيكسون. وقالت إن مثل هذا السيناريو «قد يقلل الضرر الذي يلحق بسيادة القانون، ويدعم معاييرنا الديمقراطية لكنه ليس مثالياً، فقد يكون الخيار الأقل سوءاً لحماية ديمقراطيتنا الدستورية».
والعفو الرئاسي، إذا حدث، لن يحمي ترمب من اتهامات فيدرالية أخرى من الولايات. فمكتب المدعي العام لمقاطعة فولتون بولاية جورجيا يحقق حالياً فيما إذا كان ترمب وحلفاؤه انتهكوا قوانين جورجيا في سعيهم لإبطال فوز بايدن الانتخابي بالولاية، أم لا. ويقول بعض الخبراء القانونيين إن هذا التحقيق يمثل خطراً أكبر على ترمب من تحقيقات وزارة العدل.
5 - سيناريو توجيه اتهامات وتبرئته بعد محاكمة: من المحتمل أيضاً أن يتم اتهام ترمب جنائياً، ويختار عدم إبرام صفقة، خصوصاً أنه من الصعوبة توقع أن يتدخل بايدن بمنح الرأفة أو العفو. وإذا انتقلت القضية إلى المحاكمة، فسيتعين على هيئة المحلفين المكونة من 12 شخصاً التوصل إلى قرار بالإجماع من أجل الإدانة، وسيكون ترمب خارج الخطورة إذا رفض محلف واحد فقط إدانته.
وإذا تجاوز ترمب حقول تلك الألغام القانونية وعاد إلى البيت الأبيض عام 2024، فمن المؤكد أنه وحلفاءه سيتخذون خطوات انتقامية من وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.


مقالات ذات صلة

ترمب يواجه تحدي توحيد صفوف الجمهوريين في ظل غالبية ضئيلة

الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يواجه تحدي توحيد صفوف الجمهوريين في ظل غالبية ضئيلة

قبل أسبوعين فقط من تنصيبه، سيتعين أولاً على الرئيس المنتخب دونالد ترمب أن يوحّد الصفوف في ظل غالبية جمهورية ضئيلة تعاني انقسامات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم كايا كالاس الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية تتحدث في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي - 12 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

كالاس تعليقاً على تصريحات ترمب: سيادة الدنمارك يجب أن تحترم

أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، اليوم (الخميس)، أنه ينبغي احترام سيادة غرينلاند ووحدة أراضيها، رداً على مطالبات ترمب بضم الجزيرة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

ترمب ينشر مقطع فيديو يتضمن شتائم نابية بحق نتنياهو

نشر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مقطع فيديو مثيراً للجدل تضمَّن شتائم نابية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يمر المشاة أمام لوحة مؤشر سوق الأوراق المالية في طوكيو (وكالة حماية البيئة)

الأسهم الآسيوية تتراجع وسط قلق من تصاعد التوترات التجارية

انخفضت الأسهم الآسيوية بشكل عام، يوم الخميس، وسط تجدُّد الحذر بشأن احتمالية تفاقم الاحتكاك التجاري مع تولي الرئيس المنتخب دونالد ترمب منصبه.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

رقم قياسي... ترمب يجمع أكثر من 170 مليون دولار لحفل تنصيبه

جمع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أكثر من 170 مليون دولار لتمويل حفل تنصيبه المقبل، وهو مبلغ قياسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟