رحيل عبد المقصود خوجة... كَنَف الثقافة وظل «الإثنينية» الوارف

أسس «الإثنينية» في دارته بجدة قبل 40 عاماً للاحتفاء برموز الأدب والشعر والفكر

انبرى عبدالمقصود خوجه للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في جدة (الشرق الأوسط)
انبرى عبدالمقصود خوجه للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في جدة (الشرق الأوسط)
TT

رحيل عبد المقصود خوجة... كَنَف الثقافة وظل «الإثنينية» الوارف

انبرى عبدالمقصود خوجه للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في جدة (الشرق الأوسط)
انبرى عبدالمقصود خوجه للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في جدة (الشرق الأوسط)

برحيله، اليوم (السبت)، تُطوى مسيرة الوجيه والأديب السعودي عبد المقصود خوجة، الذي انبرى للعديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية في مدينة جدة، وحوّل دارته ومنتدى «الإثنينية» الذي ارتبط اسمه به، إلى منصة لتكريم المئات من رموز الفكر والمعرفة في السعودية والعالم العربي على مدى أربعة عقود.
عبد المقصود خوجة، المولود في مكة المكرمة، وفي كنف والده الأديب محمد سعيد خوجة ترعرع ونشأ، وفي مدارس الفلاح بمكة، بدأ تعليمه، ومنها إلى المعهد العربي الإسلامي في دمشق متمماً تعليمه، لينخرط بعد ذلك في العديد من المهام والوظائف الحكومية التي شملت عمله مندوباً من الديوان الملكي إلى بيروت، ومديراً للإذاعة والصحافة والنشر في جدة، قبل أن يستقيل من العمل الحكومي، ويبدأ رحلته الخاصة في التجارة والأعمال الحرة عام 1964 للميلاد.

تفرغ خوجة بعد ذلك لبذل الكثير من الوقت والمال والطاقة في رعاية مرحلة ثقافية مهمة عرفتها مدينة جدة منذ عام 1982 للميلاد، بفضل سخائه ودأبه على رعاية المنتدى الأدبي الذي كان يقام في دارته كل يوم اثنين؛ حيث يفِد إليه جمع من رجال الفكر والصحافة والأدب، من داخل السعودية وخارجها، ويقضون أمسية سخية بعطر الوفاء لرموز الثقافة، وعبق الفكر والمعرفة الذي يلفّ مئات الأمسيات التي انعقدت في كنف الإثنينية.
وقد أنجزت إثنينية خوجة، توثيق فعاليات تكريم ما يقرب من 500 شخصية من العلماء الأدباء والمثقفين والمفكرين، شكلت مرجعاً مهماً لنتاج معظم أدباء السعودية من الرعيل الأول، وحقبة مهمة في التاريخ الثقافي لأجيال كانت ترِد من الإثنينية، وتنهل من صنوف الفكر والأدب والثقافة عبر كل الأسماء والأعلام التي كانت تجد محلها من جملة المكرّمين في دارة خوجة، التي كانت ولعقود أربعة، ظلاً وارفاً للثقافة السعودية.

قال الدكتور عبد الله الحيدري، أستاذ الأدب والنقد ورئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض سابقاً، إن عبد المقصود خوجة، شخصية لافتة واستثنائية وغير عادية، عاش مائة سنة كانت حافلة بالمنجزات الثقافية الكبيرة التي خدم بها الأدب العربي بشكل عام والأدب السعودي بشكل خاص، وسخّر ندوته الإثنينيّة لتكريم الشخصيات الفاعلة في الوطن العربي وكان للشخصيات السعودية بطبيعة الحال نصيب الأسد، رجالاً ونساء، ونهضت دارته الثقافية بتوثيق كل حفلات التكريم مدعومة بالصور، وخرجت في سلسلة من المجلدات التي زادت على العشرين، كما نهضت الإثنينيّة كذلك بطباعة الأعمال الكاملة لعدد من الأدباء السعوديين مثل أحمد السباعي وحسين سرحان وأحمد الغزّاوي وعزيز ضياء وحمزة شحاتة وعبد الله الجفري وغيرهم، وهي تشكّل مكتبة كاملة حفظت أعمالهم من الضياع وقربتها إلى أيدي الباحثين.
ويضيف الحيدري، لـ«الشرق الأوسط»: «شاركت في إحدى حفلات التكريم عام 2011 عندما كرّم الدكتور محمد الربيّع، واقترحت مع الزملاء في اللجنة العلمية التي خططت لمؤتمر الأدباء السعوديين الخامس عام 2016 تكريم ثلاث جهات خدمت الأدب السعودي، وكان من بينها إثنينية عبد المقصود خوجة، ووافق وزير الثقافة والإعلام على المقترح، وكرمت الجهات، وشعرنا بشيء غير قليل من الارتياح تقديراً لجهود هذا الرجل رحمه الله، ونطالب الآن بعقد ندوات تكريمية عنه تكشف جهوده في خدمة الأدب العربي، والأدب السعودي على وجه الخصوص».

توارى الأديب ومعطاء الثقافة عبد المقصود خوجة في الفترة القليلة الماضية عن الأنظار، لكن عبق الإثنينية الذي بقي يحرص على إقامتها، ما زال عاطراً، بفضل الخطوة التي اتخذت مواكبة للتطور التقني، وتحقيقاً لأقصى درجات تعميم الفائدة، وإنجاز فريق الإثنينية لإتاحة 500 فعالية استضافتها دارة خوجة على شبكة الإنترنت، لتصبح متاحة للمهتمين، وشاهدة على الجهد الاستثنائي الذي قدمه الراحل عبد المقصود خوجة في خدمة الثقافة والفكر والأدب في السعودية.


مقالات ذات صلة

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

السعودية تطلق خدمة التأشيرة الإلكترونية في 7 دول

أطلقت السعودية خدمة التأشيرة الإلكترونية كمرحلة أولى في 7 دول من خلال إلغاء لاصق التأشيرة على جواز سفر المستفيد والتحول إلى التأشيرة الإلكترونية وقراءة بياناتها عبر رمز الاستجابة السريعة «QR». وذكرت وزارة الخارجية السعودية أن المبادرة الجديدة تأتي في إطار استكمال إجراءات أتمتة ورفع جودة الخدمات القنصلية المقدمة من الوزارة بتطوير آلية منح تأشيرات «العمل والإقامة والزيارة». وأشارت الخارجية السعودية إلى تفعيل هذا الإجراء باعتباره مرحلة أولى في عددٍ من بعثات المملكة في الدول التالية: «الإمارات والأردن ومصر وبنغلاديش والهند وإندونيسيا والفلبين».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق «ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

«ملتقى النقد السينمائي» نظرة فاحصة على الأعمال السعودية

تُنظم هيئة الأفلام السعودية، في مدينة الظهران، الجمعة، الجولة الثانية من ملتقى النقد السينمائي تحت شعار «السينما الوطنية»، بالشراكة مع مهرجان الأفلام السعودية ومركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء). ويأتي الملتقى في فضاءٍ واسع من الحوارات والتبادلات السينمائية؛ ليحل منصة عالمية تُعزز مفهوم النقد السينمائي بجميع أشكاله المختلفة بين النقاد والأكاديميين المتخصصين بالدراسات السينمائية، وصُناع الأفلام، والكُتَّاب، والفنانين، ومحبي السينما. وشدد المهندس عبد الله آل عياف، الرئيس التنفيذي للهيئة، على أهمية الملتقى في تسليط الضوء على مفهوم السينما الوطنية، والمفاهيم المرتبطة بها، في وقت تأخذ في

«الشرق الأوسط» (الظهران)
الاقتصاد مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

مطارات السعودية تستقبل 11.5 مليون مسافر خلال رمضان والعيد

تجاوز عدد المسافرين من مطارات السعودية وإليها منذ بداية شهر رمضان وحتى التاسع من شوال لهذا العام، 11.5 مليون مسافر، بزيادة تجاوزت 25% عن العام الماضي في نفس الفترة، وسط انسيابية ملحوظة وتكامل تشغيلي بين الجهات الحكومية والخاصة. وذكرت «هيئة الطيران المدني» أن العدد توزع على جميع مطارات السعودية عبر أكثر من 80 ألف رحلة و55 ناقلاً جوياً، حيث خدم مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة النسبة الأعلى من المسافرين بـ4,4 مليون، تلاه مطار الملك خالد الدولي في الرياض بـ3 ملايين، فيما خدم مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي بالمدينة المنورة قرابة المليون، بينما تم تجاوز هذا الرقم في شركة مطارات الدمام، وتوز

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

فيصل بن فرحان وغوتيريش يبحثان وقف التصعيد في السودان

بحث الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، اليوم (الخميس)، الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف في السودان، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين السودانيين والمقيمين على أرضه. وأكد الأمير فيصل بن فرحان، خلال اتصال هاتفي أجراه بغوتيريش، على استمرار السعودية في مساعيها الحميدة بالعمل على إجلاء رعايا الدول التي تقدمت بطلب مساعدة بشأن ذلك. واستعرض الجانبان أوجه التعاون بين السعودية والأمم المتحدة، كما ناقشا آخر المستجدات والتطورات الدولية، والجهود الحثيثة لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».