البرلمان الروسي يناقش تدابير لمواجهة «تهديد زابوريجيا»

موسكو تتجاهل الاتهامات الغربية وتصعد تحركاتها أمام «استفزاز نووي»

جندي موالٍ لروسيا يقف خارج محطة زابوريجيا في 4 أغسطس (رويترز)
جندي موالٍ لروسيا يقف خارج محطة زابوريجيا في 4 أغسطس (رويترز)
TT

البرلمان الروسي يناقش تدابير لمواجهة «تهديد زابوريجيا»

جندي موالٍ لروسيا يقف خارج محطة زابوريجيا في 4 أغسطس (رويترز)
جندي موالٍ لروسيا يقف خارج محطة زابوريجيا في 4 أغسطس (رويترز)

كثفت موسكو تحركاتها في ملف محطة زابوريجيا النووية، وسط تصعيد في تبادل الاتهامات بين الطرفين الروسي والأوكراني حول تعريض المحطة للخطر بسبب استمرار القصف على مناطق حولها. ورأت أوساط روسية أن القمة الثلاثية التي جمعت الخميس في مدينة لفيف، غرب أوكرانيا، بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي ونظيره التركي رجب طيب إردوغان والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «فشلت في تقديم ضمانات» بعدم انزلاق الوضع نحو كارثة نووية، وفقاً لتأكيد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الدوما (النواب) ليونيد سلوتسكي الذي أضاف أن وضع محطة زابوريجيا للطاقة النووية «يتفاقم، ولم تقدم المباحثات في لفيف ضمانات واضحة بإنهاء (الابتزاز النووي) من قبل كييف». وزاد أن «الوضع يزداد سخونة، وكييف تتغنى بتكرار الاتهامات الكاذبة ضد روسيا لتشوه تماماً صورة ما يحدث في زابوريجيا».
تزامن ذلك، مع إعلان إردوغان نيته بحث هذا الملف في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
في الأثناء، اتخذت التحركات داخل روسيا حول هذا الملف بعداً أكثر نشاطاً، إذ دعت الأحزاب البرلمانية الرئيسية إلى عقد جلسة خاصة ينتظر أن تنظم في بداية الأسبوع المقبل، بهدف بحث «تدابير» لمواجهة التهديد المتصاعد حول المحطة. وتكمن أهمية هذا التحرك في أن قرارات البرلمان الروسي برغم أنها لا تحمل أهمية سياسية كبرى، لكنها شكلت دائماً مقدمة لتحرك كبير من جانب الكرملين. وهذا ما حدث عندما «اعترف» الدوما بـ«استقلال» لوغانسك ودونيتسك، وحينها قال بوتين لمحدثيه الغربيين إن هذه الخطوة لا أهمية سياسية لها، كونها تعبر عن وجهة نظر النواب فقط، لكن لم يمر وقت طويل بعد ذلك حتى أعلن قراره الاعتراف باستقلال وسيادة الإقليمين.
وحظيت فكرة عقد اجتماع استثنائي لمجلس الدوما لمناقشة الوضع في أوكرانيا، لا سيما في محطة الطاقة النووية في زابوريجيا، بتأييد واسع. وقال سلوتسكي إن روسيا «يجب أن تحدد موقفنا بوضوح وربما ننتقل إلى المؤسسات الدولية وبرلمانات دول العالم فيما يتعلق بسلامة المنشآت النووية وعدم السماح بالإرهاب النووي من قبل عصابة كييف».
وأيد زعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف الفكرة، فيما قال رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين إنه ستتم مناقشة الاقتراح مع رؤساء الأحزاب، وسيتم اتخاذ القرار النهائي الاثنين.
في السياق، تواصلت التحركات الميدانية الروسية حول المحطة. وأعلن فلاديمير روغوف، عضو الإدارة الإقليمية التي شكلتها موسكو في منطقة زابوريجيا، أنه «تم تعزيز نظام حماية المحطة النووية هناك، بسبب محاولة محتملة من قبل الجيش الأوكراني لضرب تلك المنشأة». وأضاف روغوف: «تم تعزيز نظام الحماية للمحطة، ولا يمكنني الكشف عن كل التفاصيل. حيث يمكن توقع أي شيء من نظام زيلينسكي».
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد حذرت الخميس من أن الإشعاع في حال وقوع حادث في محطة زابوريجيا يمكن أن ينتشر ليغطي الدول الإسكندنافية، إذا ما أطلق ربع ما يحتوي عليه مفاعل واحد من المفاعلات الستة لمحطة الطاقة النووية. كما قال الناطق باسم وزارة الدفاع إيغور كوناشينكوف إن القوات الأوكرانية استعدت للقيام باستفزاز حول محطة الطاقة النووية بهدف اتهام روسيا. وأوضح أن قيادة المجموعة التكتيكية العملياتية الأوكرانية «دنيبر» نشرت نقاط مراقبة إشعاعية في منطقة زابوريجيا، ونظمت تدريبات لوحدات لواء الدفاع الإقليمي رقم 108، ولواء المدفعية رقم 44، والوحدات العسكرية المتمركزة في المنطقة.
في غضون ذلك، أعلنت السلطات الانفصالية التي عينتها موسكو في المنطقة أنها قد تلجأ إلى وقف عمل المحطة بشكل مؤقت لتجنب وقوع كارثة نووية. ويحمل التلويح أهمية خاصة كون المحطة الأكبر في أوروبا تزود أوكرانيا بجزء كبير من حاجتها من الكهرباء.


مقالات ذات صلة

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية- رويترز)

ترمب عن الـ«ناتو»: يدفعون أقل مما ينبغي لكي تحميهم الولايات المتحدة

حضّ ترمب أعضاء حلف «الناتو» على زيادة إنفاقهم الدفاعي إلى 5 % من إجمالي ناتجهم المحلي، مقابل «حماية الولايات المتحدة».

«الشرق الأوسط» (مارالاغو (الولايات المتحدة))
أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية على أوكرانيا بمنطقة سومي 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك غرب روسيا، وأفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟