الطوارق.. أكبر قبائل الصحراء الكبرى بأفريقيا في مواجهة المتطرفين

تواجه أكبر قبائل الصحراء الكبرى، وهي قبيلة «الطوارق» التي تنتشر عبر حدود خمس دول بأفريقيا، مصيرا مأساويا بسبب سيطرة المتطرفين على غالبية دروب «القبيلة» التجارية، خاصة في ليبيا والجزائر ومالي والنيجر، وتغيير النشاط فيها إلى تهريب السلاح والمقاتلين.
وتحاول جماعات موالية لكل من تنظيم القاعدة وتنظيم داعش مد نفوذها من البحر المتوسط شمالا حتى حدود نيجيريا التي ينشط فيها تنظيم «بوكو حرام» جنوب الصحراء.
وكشفت معلومات أمنية قيام بعض أبناء الطوارق وقبائل أخرى بتقديم دعم للجماعات المتشددة في هذه البلدان «كنوع من العمل مقابل أجر في معظمها» بعد سيطرة المتطرفين على كثير من دروب التجارة، ما تسبب في مشكلات على الأرض تطورت فيما بعد لمواجهات عسكرية قتل فيها المئات في شمال مالي وجنوب غربي ليبيا، لكن الشيخ جديدي يخلاص، أحد زعماء الطوارق قال لـ«الشرق الأوسط»، إن قضية الطوارق مع الدول الموجودين فيها أكبر من ذلك بكثير.

تقول المصادر الأمنية، إن المتشددين يتحاشون في كثير من الأحيان إغضاب الطوارق، لكنهم يضغطون عليهم للعمل معهم. ويضيف أحد المسؤولين بالجيش الوطني في جنوب ليبيا، أن «نقل شحنة من السلاح من سبها، إلى واحة غات غربا، يبلغ ما يساوي نحو 300 دولار. طبعا هذا يشمل أجرة السيارة وثمن خبرة السائق بالطريق الذي يبلغ طوله نحو 600 كيلومتر»، مشيرا إلى أنه توجد قوافل أخرى تقطع نحو 1300 كيلومتر لنقل صواريخ غراد التي جرى نهبها من مخازن القذافي، وتوصيلها إلى مناطق يتمركز فيها المتشددون على الحدود الجزائرية - المالية.
إذا استمرت إغراءات المتطرفين لشبان الطوارق، فإن المشكلة قد تزداد تعقيدا بمرور الوقت، وفقا للمسؤول العسكري نفسه، الذي يضيف أن القلق من هذه الظاهرة لا يشغل دول الصحراء فقط، بل يشغل عددا من الدول الأوروبية التي لها رعايا ومصالح في دول الصحراء. ومن جانبه دعا «جديدي» الدول التي يوجد فيها الطوارق إلى تغيير نظرتها لهم، خصوصا أن معظم هذه الدول يوجد فيها أنشطة عسكرية للتنظيمات المتطرفة، ما يزيد القضية تعقيدا ويضع مسؤولية أكبر ليس على هذه الدول الأفريقية فقط، ولكن على المجتمع الدولي.
تغيرت ظروف «الطوارق» سريعا. فبعد أن كانوا يسيطرون على طرق التجارة ما بين شمال أفريقيا ووسطها، بواسطة «الجمال»، انتقلوا منذ سبعينات القرن الماضي إلى استخدام سيارات الدفع الرباعي. لكن عاداتهم وتقاليدهم ظلت كما هي، ومن أبرزها الاحتفاظ بالزي الخاص بهم؛ أي الملابس التي تميل للون الأزرق، واللثام الذي يغطي الفم وأحيانا يغطي الوجه كله ما عدا العينين. ويتميزون في العموم بالطيبة والسماحة. ولم ينافسهم على فرض السيادة على الصحراء ودروبها، إلا جماعات المتطرفين التي انتشرت أخيرًا بالمنطقة «كالنار في الهشيم»، كما يقول «جديدي».
في الزمن القديم، أي قبل نحو قرن من الآن، لم تكن هناك حدود ذات شأن بين الدول. تركب النَّاقة مع القافلة وتنتقل بالأذرة والأرز، عبر مدينة «كيدال» التي أصبحت اليوم تابعة لدولة مالي، وتتجه لبيع البضاعة شمالا في الجزائر أو شرقا في النيجر، ومن هذين البلدين تدخل إلى ليبيا أيضا. وتعود بالأقمشة والأغطية والملح وغيرها. تضررت القبيلة من التدخل الفرنسي في أفريقيا قديما، لكنها حافظت على مساراتها البرية إلى أن بدأ نشاط المتطرفين يغزو الصحراء الكبرى خاصة بعد سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا.
كانت سيارات الدفع الرباعي قد حلت بدلا من الجِمال في نقل السلع، وظهرت معها بوابات التدقيق في الهوية من جانب السلطات المركزية. من هنا بدأت معاناة قبيلة الطوارق، واستمرت معها محاولات التوصل إلى تفاهمات مع الحكومات للاستمرار في التجارة والحياة عبر الحدود. كانت أهم العقبات تتعلق بالجنسية. لكن المأساة اليوم تتعلق بدخول تنظيمات متطرفة على الخط. وبمرور الوقت تأثر أبناء القبيلة بالحراك الاقتصادي الجديد الذي تمنحه عمليات المتطرفين من خلال نقل الأسلحة والمقاتلين والمهاجرين. ويقول «جديدي»: «توجد أياد خفية تحاول إثارة الفتن في هذه المنطقة».
بدأت فرنسا، حتى أواخر العام الماضي، توجيه ضربات للمتشددين ضمن تحالف أفريقي مساند للسلطة المركزية في مالي، ما تسبب في تضرر القبيلة، خاصة بعد أن لجأت تنظيمات متطرفة لجنوب ليبيا هربا من مالي. فقد تعرض رعايا فرنسيون للاختطاف في مناطق نفوذ تنظيم القاعدة بالصحراء الأفريقية، وذلك منذ 2011، وكان من بين الضحايا صحافيون ومهندسون. بدأت فرنسا في الرد. ويبدو أن مشاركتها في عمليات ضد المتطرفين، وسقوط ضحايا لا علاقة لهم بالقصة»، كما يقول «جديدي»، أسهم في تأجيج المشكلة وإحياء ماض من العداء مع الطوارق.
لكن الأوضاع تفاقمت أكثر. وأصبح هناك من يحاول اجتذاب مزيد من شبان الطوارق تحت الزعم بأن القبيلة لها قضية تاريخية مع فرنسا، بسبب وقوف الطوارق ضد طموحاتها الاستعمارية في أفريقيا في الماضي.
غالبية الطوارق مسلمون سنة ومعتدلون. هم خبراء في دروب الصحراء. لهذا اعتمدت عليهم شركات النفط والتنقيب عن الذهب كأدلاء وحراس لعدة عقود. حين تطور نشاط تنظيم القاعدة في شمال مالي وجنوب الجزائر، أوقفت الكثير من الشركات أعمالها، وفي المقابل استعان التنظيم بشبان من القبيلة للعمل في تهريب الأسلحة وجلب المتطرفين عبر نفس الدروب التجارية القديمة.
ويضيف مصدر أمني ليبي آخر، أن «المتطرفين يسيطرون تقريبا على جميع النقاط الحدودية في جنوب وجنوب غربي البلاد.. لا تعرف من دخل ومن خرج. المشكلة أنه أصبحت لديهم أموال طائلة من تجارة السلاح ويحصلون على إتاوات من مهربي المهاجرين غير الشرعيين المتجهين للبحر المتوسط».
يتركز عدد كبير من الطوارق في جنوب غربي ليبيا ويتحركون عبر طرق طويلة وموحشة بحثا عن الرزق. وتتداخل مواقع نفوذ القبيلة مع قبائل أخرى، مثل التبو، سواء داخل ليبيا أو في دول الجوار من الجنوب والغرب. وكثيرا ما تقع اشتباكات للسيطرة على الدروب الخاصة بجلب المتطرفين في مناطق غرب سبها، وتهريب المهاجرين القادمين من وسط أفريقيا عبر دولة النيجر، والمتجهين لأوروبا، مرورا بليبيا.
وبحسب مصادر ليبية لم يشأ القذافي ترسيم حدود بلاده مع الجزائر بشكل قاطع، لعدة أسباب من بينها تداخل الثروة النفطية الموجودة في باطن الأرض، ومشكلة تحديد جنسية الطوارق على جانبي الحدود. وعما يتردد من جانب البعض عن أن الطوارق لديهم شبان منتمون لجماعات متطرفة، ما يتسبب في وقوع القبيلة في مشكلات مع حكومات الدول التي توجد فيها بسبب خبرة هذه العناصر في التهريب عبر الحدود، يقول «جديدي»: «أعتقد أن هذا الأمر يحتاج إلى تدقيق بالدرجة الأولى حتى تكون الأمور في نصابها.. أنا بشكل شخصي ليست لديّ معلومة دقيقة بأن هناك عناصر من أبنائنا الطوارق موجودون في التنظيمات المتطرفة».
إلا أنه يضيف أن وجود بعض الشبان من القبيلة في الجماعات المتشددة «أمر قد يكون شبه طبيعي، باعتبار أنه جرى في الفترة الأخيرة استقطاب الكثير من الشباب من كل المكونات، بما فيها عناصر من الطوارق.. هذه مسألة طبيعية. هذه الأفكار وهذه التيارات تنتشر كالنار في الهشيم».
وشارك «جديدي» في كثير من اللقاءات التي تحاول إنهاء الفوضى في ليبيا وبناء الدولة. ولدى قبيلة الطوارق ضباط وجنود يعملون في الجيش الليبي، ونواب في البرلمان، مثلهم مثل قبيلة التبو، إلا أن الرجل ما زال يسعى لتحقيق أمل قبيلته، في جانبها الليبي، في أن تكون مذكورة في الدستور ضمن مكون الدولة. ويوجد قطاع من الليبيين لا ينظر للأمر بهذه الطريقة. لكن «جديدي» يرى أن من شأن حل مشكلات الطوارق من قبل حكومات دول الصحراء التقليل من الأنشطة غير الشرعية، بما فيها العمل مع المتشددين.
يشعر «جديدي» مثل زعماء قبائل آخرين من التبو والأمازيغ في ليبيا وبعض دول الجوار، بالمرارة من إهمال الحكومات. كان الطوارق في ليبيا يعتقدون أن ما يعرف بـ«ثورات الربيع العربي» سوف تطوي صفحة الماضي وتفتح آفاقا جديدة. الكثير من نشطاء الجنوب جهزوا أوراقا تحمل مطالب للاعتراف بلغة القبيلة وهويتها كجزء من هوية الدولة التي يوجدون فيها. ومنح الجنسية للطوارق الذين يعيشون داخل حدود البلاد، لكن صعود المتطرفين على خشبة المسرح أدى لخلط الأوراق. بدلا من اجتياز الحدود بالأقمشة والأدوات المنزلية، أصبحت سيارات الدفع الرباعي المموهة تمضي في المسالك الصحراوية نفسها بالمدافع والمقاتلين والرايات السوداء.
ويعد انضمام شبان من الطوارق والتبو للمتطرفين، على جانبي الحدود الليبية - الجزائرية، من الجنوب، أحد أهم أسباب الخلافات بين قبيلتي الطوارق والتبو، خصوصا أن المعتدلين منهما والموالين للسلطة الشرعية وهم الأغلبية، يشاركون في حراسة المنشآت النفطية التابعة للدولة الليبية، ويقاوم كل منهما أيضا هجمات المتشددين الذين هم خليط من القبيلتين ومن العرب والأجانب، ومن أشهرهم الجزائري مختار بلمختار، والمالي، أحمد الأنصاري.
في الفترة الأخيرة وقعت اشتباكات بين أبناء القبيلتين، سقط فيها عشرات القتلى والجرحى، وبينما يقول التبو إن الطوارق هم الذين لديهم شبان متطرفون يقودون ما يعرف باسم تنظيم «أنصار الحق»، يرد الطوارق بأنهم غير مسؤولين عن أولئك المتطرفين، وأن هناك من يحاول الوقيعة بين القبيلتين اللتين تربطهما علاقة تاريخية، للسيطرة على الثروات الليبية في الجنوب.
ويتعجب «جديدي» من وصول القبيلتين إلى هذا الحد من الخصام في وقت يتعرض فيه مستقبل الجميع للخطر.. «مجرد أن يتقاتل الطارقي والتباوي فهذا يعني وقوع أمر جلل يتطلب وقفة جادة لدراسة المسببات التي أدت لهذا الأمر. أعتقد أن المسألة أكبر من الطوارق ومن التبو. القضية تهدف لخلق صراع بيننا لإجهادنا وإنهاكنا.. هذا هدف من تنظيمات داخلية وأخرى خارجية للسيطرة على الحقول النفطية».
ومنذ مطلع هذا العام حاولت مجموعة تعرف باسم «القوة الثالثة»، وتتكون من ميليشيات متطرفة، وتتمركز في مدينة سبها، السيطرة على حقلي «الفيل» و«الشرارة» النفطيين، إلا أن قوات من الطوارق والتبو تعمل تحت أمرة الجيش أفشلت تلك المحاولات. يبقى أن هيمنة تلك القوة المتشددة على الطرق البرية، مثل بوابة الجزائر ودرب النيجر، زاد من حجم الخلافات بين القبيلتين، بسبب انخراط عدد من أبنائهما في العمل مع المتطرفين، وبالتالي «الاستحواذ عمليا على طرق التجارة لصالح الغرباء»، كما يقول أحد الناشطين السياسيين من قبيلة التبو.
وعبر مثلث «ليبيا الجزائر مالي»، يتنقل شبان من الطوارق، وفقا لتقارير أمنية ليبية، مع مجموعات أخرى من المتشددين الأفارقة عبر الحدود لتهريب الأسلحة والمقاتلين، وتصل إلى دولة مالي عبر دروب «الطوارق» القديمة، ولهذا تعد القبيلة في مرمى نيران الانتقادات. ويرد «جديدي» قائلا إن المشكلة ليست في الطوارق، ولكن في الحكومات.. «قد ينظر إلى الطوارق باعتبارهم الحلقة الأضعف، وهذا المشجب للأسف الذي يعلق عليه فشل كل تلك الدول في تأدية دورها وواجبها الوطني في تقديم الخدمات لأبنائها، حتى لا يسلكوا طرقا أخرى».
لكنه لا ينفي احتمال أن يكون هناك بعض من أبناء القبيلة متورطون بالفعل في أعمال غير مشروعة.. «لا أنفي أنه قد يكون هناك وجود لهذه النشاطات وهي مسألة طبيعية موجودة في كل المناطق الحدودية لكل دول العالم. هناك تهريب. حتى في دول أوروبا.. لماذا التركيز على الطوارق فقط. أو على التبو فقط. هذا لأنهم ينظرون إليهم على أنهم الحلقة الأضعف».
ويقول «جديدي»، إن نقص فرص العمل والتهميش سبب رئيسي في قيام البعض بنشاط التهريب.. «صاحب الأسرة وصاحب البيت لديه التزامات يريد الوفاء بها. ربما هذا النوع من الشباب لم يجد ملاذا أو ملجأ أو نشاطا إلا هذا النشاط غير الشرعي. نقول دائما إن مفتاح الحل هو التنمية».
وعما إذا كان الطوارق الذين تضرروا من الحملة العسكرية في شمال مالي لهم صلة بالجماعات المتشددة، يوضح الزعيم الطارقي قائلا إنه ربما هناك بعض الناس الذين تم استغفالهم أو تجنيدهم باعتبارهم أصحاب الصحراء ويعرفون مجاهلها ودروبها ومسالكها.. «قد تم استئجار بعض الناس لنقل بعض من تلك العناصر من مكان لمكان.. هو ليس انضماما عقائديا أو فكريا، لكن قد يقدمون تسهيلات للحصول على لقمة العيش».
وعن الطريقة المثلى لحل المشكلات التي أصبحت تتعرض لها القبيلة في الفترة الأخيرة، خاصة مشكلة التهريب في ظل وجود نشاط للمتطرفين، أعرب «جديدي» عن اعتقاده في أن الدول التي يوجد فيها الطوارق لم تبحث المشكلة بنهج موضوعي.. «بمعنى أدق، هذه الدول لم تستثمر وجود الطوارق على أراضيها الاستثمار الذي يجب أن يكون».
كيف؟ يجيب قائلا إنه «على سبيل المثال، إذا حصلت أي إشكاليات في مناطق وجود الطوارق في دولة ما، يفترض أن يتم تسخير وتوظيف امتدادهم في الدولة الأخرى لمساعدتها في حل المشكلة. لكن يبدو أن هناك رؤى أخرى وأجندات أخرى لا ندري إلى أين ستصل بنا. نحن نقول دائما إن هذه الدول يفترض أن ترسم سياسة لتنمية مناطق وجود الطوارق لتحقيق الأمن والاستقرار فيها».