تحركات الأمم المتحدة لعزل روسيا تفتر بعد نحو 6 أشهر من بدء حرب أوكرانيا

مسؤولون دوليون يقرون بصعوبة إيجاد طرق فعالة لمعاقبة موسكو

مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (رويترز)
مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (رويترز)
TT

تحركات الأمم المتحدة لعزل روسيا تفتر بعد نحو 6 أشهر من بدء حرب أوكرانيا

مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (رويترز)
مندوب روسيا في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا (رويترز)

(تحليل إخباري)
في إحدى ليالي يونيو (حزيران) وتحت ثريات مقر البعثة الروسية في الأمم المتحدة في نيويورك، حضر عشرات من السفراء لدى المنظمة الدولية من أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وآسيا، حفل استقبال للاحتفال باليوم الوطني لروسيا، وذلك بعد أقل من 4 أشهر على غزو قواتها لجارتها أوكرانيا.
قال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، للضيوف: «نشكركم جميعاً على دعمكم وموقفكم النابع عن مبادئ ضد ما تسمَّى الحملة الصليبية على روسيا»، وذلك بعد اتهام دول لم يسمِّها بمحاولة «إلغاء» روسيا وثقافتها، على ما أوردت وكالة «رويترز» في تقرير لها أمس.
وحشد السفراء أوضح الصعوبات التي تواجه الدبلوماسيين الغربيين، في محاولة الحفاظ على التصميم الدولي لعزل روسيا دبلوماسياً، بعد موجة استنكار أولية من الأمم المتحدة لمهاجمتها أوكرانيا. وخوفاً من الإحباط والقلق بين بعض البلدان من أن الحرب تستحوذ على كثير من الاهتمام العالمي بعد مرور 6 أشهر تقريباً على بدايتها، مع عدم وجود احتمال أن تتمكن الأمم المتحدة من وضع حد لها، يعترف الدبلوماسيون الغربيون بأن قدراتهم محدودة في كيفية استهداف روسيا بشكل أكبر من مجرد عقد اجتماعات.
وقال مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية المستقلة، ريتشارد جوان، إنه «مع استمرار الحرب، أصبح من الصعب إيجاد طرق ذات معنى لمعاقبة روسيا»، بينما أشار دبلوماسيون ومراقبون إلى أنه في بعض الحالات، تنأى الدول الغربية بنفسها عن بعض التحركات المحددة خوفاً من الدعم الضعيف؛ إذ يشير ارتفاع حالات الامتناع عن التصويت إلى تنامي عدم الرغبة في معارضة موسكو علناً.
وقال دبلوماسيون إن الاتحاد الأوروبي بحث خطة في يونيو الماضي لتعيين خبير أممي، للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا؛ لكنه جمد الفكرة بسبب مخاوف من أن يعارضها ما يقرب من نصف أعضاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المكون من 47 دولة في جنيف. وأوضح أولاف فينتسك، مدير مكتب جنيف في «مؤسسة كونراد أديناور» الألمانية: «الدول تتساءل: هل من الحكمة حقاً أن تكون من بين أولئك الذين هزموا روسيا».
وتقول البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في جنيف، إن الدول الغربية «تعلم جيداً أنه من المستحيل عزل روسيا لأنها قوة عالمية». ولم تمتد العزلة الدبلوماسية لتشمل اقتراعاً سرياً في جنيف لاختيار أفضل «زي وطني» في حفل استقبال في يونيو. وفازت دبلوماسية روسية، وأظهر مقطع فيديو لها حصولها على صندوق من الشوكولاتة، بينما انسحب الوفد الأوكراني.
وبصفتها إحدى الدول التي تملك حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة، يمكن لروسيا أن تحمي نفسها من إجراءات جوهرية مثل العقوبات؛ لكنها شنت أيضاً حملة لإضعاف الدعم للتحركات الدبلوماسية الغربية في أماكن أخرى. وقبل تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة المكونة من 193 دولة في أبريل (نيسان) على تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان، حذرت موسكو الدول من أن التصويت بنعم أو الامتناع عن التصويت سيعتبر «غير ودي»، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على العلاقات بينها وبين تلك الدول. إلا أن الخطوة التي قادتها الولايات المتحدة نجحت، وحصلت على 93 صوتاً مؤيداً، في مقابل 24 صوتاً، وامتناع 58 عن التصويت.
وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد، إن روسيا تمكنت من التأثير على بعض الدول عن طريق «رواية خاطئة» مفادها أن العقوبات الغربية «هي المسؤولة عن أزمة الغذاء العالمية التي أذكتها الحرب التي شنتها موسكو؛ لكن ذلك لم يترجم إلى دعم أكبر لروسيا».
وأضافت أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في يوليو (تموز) الماضي: «امتنعت أكثر من 17 دولة أفريقية عن التصويت خوفاً من تكتيكات الترويع الروسية ضدها. لذلك علينا أن ندرك ذلك».
وخلال أسبوع من الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، صوت نحو ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية العامة في الأمم المتحدة لصالح توبيخ روسيا، ومطالبتها بسحب قواتها.
وبعد ثلاثة أسابيع، أدانت مرة أخرى روسيا بأغلبية ساحقة، لتسببها في أوضاع إنسانية «مزرية».
وقال دبلوماسي آسيوي كبير -تحدث شريطة عدم ذكر اسمه- إن «الدعم سيتضاءل؛ لأن قرارات شهر مارس (آذار) تمثل نقطة بارزة، وليست هناك أي رغبة في اتخاذ مزيد من الإجراءات، ما لم يجرِ تجاوز الخطوط الحمراء».
ويرى بعض الدبلوماسيين : «إن مثل هذه الخطوط الحمراء يمكن أن تكون هجوماً بأسلحة نووية أو كيماوية، أو قتلى مدنيين على نطاق واسع، أو ضم الأراضي الأوكرانية».
وحققت الدول الغربية نجاحاً في التركيز على انتخابات الهيئات التابعة للأمم المتحدة.
وللمرة الأولى منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في عام 1946، تفشل روسيا في الفوز بإعادة انتخابها لعضوية المجلس في أبريل، كما فشلت في شغل مقاعد في هيئات أخرى. إلا أنه وفي منظمة الصحة العالمية في مايو (أيار) لم تشارك نحو 30 دولة، نصفها من أفريقيا، في تصويت على قرار يتعلق بأوكرانيا.
وقال دبلوماسي أفريقي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: «الأكثر إثارة للحيرة بالنسبة إلينا هو فكرة أن صراعاً كهذا يتم تشجيعه في الأساس، على أنه سيستمر إلى أجل غير مسمى»؛ مشيراً إلى إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا، وعدم وجود مفاوضات حقيقية لإنهاء النزاع سلمياً.
وناشدت أوكرانيا طرد روسيا من الأمم المتحدة؛ لكن اتخاذ خطوة غير مسبوقة كهذه يتطلب توصية من مجلس الأمن، وهو ما يمكن لروسيا أن تعرقله، وقد يكون هناك خيار آخر يتمثل في إلغاء أوراق اعتماد ممثلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ لكن ذلك سيحتاج إلى دعم من الأغلبية على الأقل في الجمعية العامة.


مقالات ذات صلة

ما هو قرار مجلس الأمن «2254» للتسوية السياسية في سوريا؟

المشرق العربي رجل يسير بالقرب من البنك المركزي السوري في دمشق (أ.ف.ب)

ما هو قرار مجلس الأمن «2254» للتسوية السياسية في سوريا؟

يجدد القرار 2254 الذي أقره مجلس الأمن الدولي في العام 2015 الالتزام «القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أشخاص يمرون أمام المباني المدمَّرة في بلدة جوبر السورية بالغوطة الشرقية على مشارف دمشق (أ.ف.ب)

مبعوث أوروبي يتوجه إلى سوريا للتباحث مع القيادة الجديدة

قالت منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، اليوم الاثنين، إن مبعوث الكتلة إلى سوريا سيزور دمشق للتحدث مع القيادة الجديدة للبلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي قائد «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع يلتقي المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن (قناة القيادة العامة في سوريا عبر تلغرام)

بيدرسن يشدد للشرع على «انتقال سياسي شامل» في سوريا

ناقش أحمد الشرع مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، ضرورة إعادة النظر في خريطة الطريق التي حددها مجلس الأمن الدولي في عام 2015.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي أشخاص يلوحون بالأعلام السورية خلال مسيرة في السويداء بسوريا في 13 ديسمبر 2024، احتفالاً بانهيار حكم بشار الأسد (أ.ف.ب)

المبعوث الأممي يرى «تحديات كثيرة» أمام تحقيق الاستقرار في سوريا

نقلت متحدثة باسم المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن عنه قوله، اليوم (الجمعة)، إنه يرى تحديات كثيرة ماثلة أمام تحقيق الاستقرار في سوريا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي توافد النازحين السوريين إلى معبر المصنع لدخول لبنان (أ.ف.ب)

مليون نازح إضافي في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل

أفادت الأمم المتحدة، الخميس، أن أكثر من مليون شخص، معظمهم نساء وأطفال، نزحوا في الآونة الأخيرة في سوريا منذ بدء هجوم الفصائل المسلحة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».