وفد محكمة لاهاي يزور إسرائيل وغزة للتحقيق في الاتهامات الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب

عدّتها خطوة شكلية.. والفلسطينيون يبنون عليها لتحقيق هدفهم في معاقبة جنرالات الحرب

عناصر من قوات الأمن التابعة لحركة حماس في غزة يقدمون عرضًا عسكريًا خلال حفل تخرج (أ.ف.ب)
عناصر من قوات الأمن التابعة لحركة حماس في غزة يقدمون عرضًا عسكريًا خلال حفل تخرج (أ.ف.ب)
TT

وفد محكمة لاهاي يزور إسرائيل وغزة للتحقيق في الاتهامات الفلسطينية بارتكاب جرائم حرب

عناصر من قوات الأمن التابعة لحركة حماس في غزة يقدمون عرضًا عسكريًا خلال حفل تخرج (أ.ف.ب)
عناصر من قوات الأمن التابعة لحركة حماس في غزة يقدمون عرضًا عسكريًا خلال حفل تخرج (أ.ف.ب)

أكدت مصادر إسرائيلية وفلسطينية، أن وفدا يضم ممثلين عن مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية سيصل إلى إسرائيل والمنطقة في 27 من الشهر الحالي، ليبدأ الفحص والتمحيص كجزء من التحقيق الأولي الذي تقوم به المدعية حول الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في المناطق الفلسطينية.
ومع أن مصادر إسرائيلية اعتبرت الأمر مجرد إجراء شكلي، لا يعني أن المحكمة بدأت العمل في بحث الاتهامات، وقالوا إن المحكمة تفحص الاتهامات الإسرائيلية أيضا ضد الفلسطينيين الذين أطلقوا الصواريخ على المدنيين الإسرائيليين، فقد اعتبره الفلسطينيون خطوة كبيرة إلى الأمام في مسار المحكمة. وقال مصدر قانوني يقدم الاستشارة في الموضوع الفلسطيني في تعقيبه على الموضوع، إن وصول الوفد المذكور هو علامة جيدة، تدل على أن المحكمة الدولية تولي الموضوع أهمية كبيرة. وأضاف المصدر، أنه في حالات أخرى تم خلالها إجراء تحقيق أولي، لم يتم إرسال محققين للدولة التي ينوون التحقيق بشأنها. ونقل عن مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أن الزيارات الميدانية هي جزء طبيعي وعادي من عملية التحقيق وأن موعد الزيارة لم يحدد بعد.
وفي السياق نفسه، ومن دون علاقة بهذه الزيارة، سيقوم الفلسطينيون في 25 من الشهر الحالي بتقديم ملفين جديدين للمحكمة الدولية يحتويان على معلومات مفصلة حول النشاطات الإسرائيلية الاستيطانية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية والعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة الصيف الماضي.
وكانت اللجنة الفلسطينية الخاصة بموضوع المحكمة الدولية الجنائية قد أقرت التاريخ المذكور لتقديم الملفين للمحكمة الجنائية. ويقف على رأس اللجنة الفلسطينية صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين مع الجانب الإسرائيلي. وسيقوم وفد رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي بتقديم الملفات والمستندات للمدعية العامة في المحكمة الجنائية، باتو بنسودا. وقالت مصادر فلسطينية في معرض ردها على ذلك، إن تزامن سفر الوفد الفلسطيني مع زيارة وفد المحكمة الجنائية هو محض صدفة، ولم يتم التخطيط له مسبقا.
وبالمقابل رد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على هذه التطورات قائلا، إن «الفلسطينيين يتهربون من المفاوضات ويلجأون إلى الحرب السياسية الدولية ضد إسرائيل وبذلك يبعدون إمكانية السلام». وأضاف، خلال كلمة له لدى استقبال رئيس القوات الأميركية المشتركة، مارتن ديمبسي، إن السبيل الوحيد لفض النزاع هو المفاوضات. وذكرت مصادر قانونية مستقلة في إسرائيل، أن أحدا لا يعرف بعد في أي مرحلة يوجد التحقيق الأولي الذي تقوم به المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، ولكن ما من شك في أن هناك أهمية للمعلومات التي سيتم تمريرها للوفد، ستساعد في الانتقال من مرحلة التحقيق الأولي إلى مرحلة التحقيق حول شبهات بارتكاب جرائم حرب. وبحسب أنظمة عمل المحكمة الدولية، فإن على المدعية العامة أن تحصل على إذن من القضاة من أجل بدء التحقيق حول شبهات بارتكاب جرائم حرب.
وتأتي زيارة وفد مكتب المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية كجزء من العملية التي باشر بها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بعد توقيعه على انضمام دولة فلسطين إلى معاهدة روما وإصدار بيان اعترف من خلاله الفلسطينيون بصلاحيات المحكمة الدولية، بما يخص فحص احتمال ارتكاب جرائم حرب ابتداء من 2013 - 2014. وكانت المدعية العامة قد فاجأت إسرائيل والفلسطينيين، بعد يومين من ذلك، عندما أعلنت عن فتح تحقيق أولي حول الأوضاع في فلسطين وذلك على الرغم من عدم دخول انضمام الجانب الفلسطيني للمعاهدة إلى حيز التنفيذ بعد.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم