سوريا أسوأ بلدان العالم في الزج بالأطفال إلى النزاع المسلح

وفق تقرير الأمين العام للأمم المتحدة و«الشبكة السورية»

طفلة قضت جراء غارة روسية استهدفت منزلاً في بلدة الجديدة (د ب أ)
طفلة قضت جراء غارة روسية استهدفت منزلاً في بلدة الجديدة (د ب أ)
TT

سوريا أسوأ بلدان العالم في الزج بالأطفال إلى النزاع المسلح

طفلة قضت جراء غارة روسية استهدفت منزلاً في بلدة الجديدة (د ب أ)
طفلة قضت جراء غارة روسية استهدفت منزلاً في بلدة الجديدة (د ب أ)

علقت «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال، بوصفها مصدراً أساسياً للمعلومات حول الانتهاكات بحق الأطفال في سوريا، من خلال التعاون والشراكة مع آلية «الرصد والإبلاغ» في منظمة «اليونيسيف»، ومن منطلق مراجعتها السنوية تقارير الأمم المتحدة. وعدّ التقرير الأممي سوريا الأسوأ في العالم من حيث تجنيد واستخدام الأطفال، مع تصدر النظام السوري وحلفائه الانتهاكات المرتبطة بالقتل والتشويه، فيما حلت «قوات سوريا الديمقراطية» ثانياً من حيث الانتهاك ذاته، بينما تصدر «الجيش الوطني» فصائل المعارضة المسلحة في تجنيد الأطفال، تلته «هيئة تحرير الشام»، وحلت «قوات سوريا الديمقراطية» ثالثاً. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد قدم إلى مجلس الأمن الدولي، في يونيو (حزيران) الماضي تقريرَه السنوي حول «الأطفال والنزاع المسلح» في عام 2021، سلط فيه الضوء على الاتجاهات السائدة فيما يتعلق بأثر النزاع المسلح على الأطفال في دول عدة؛ من بينها سوريا. وحدد التقرير المسؤولين عن الانتهاكات التي تشمل تجنيد الأطفال واستخدامهم، والقتل والتشويه، واغتصاب الأطفال، وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي ضدهم، كذلك الاعتداء على المدارس والمشافي، واختطاف الأطفال. وقال التقرير إنه تحقق من وقوع 2271 انتهاكاً جسيماً ضد الأطفال في سوريا، تضمنت القتل والتشويه، والتجنيد، والاحتجاز وسلب الحرية، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمشافي، والاختطاف ومنع وصول المساعدات الإنسانية. تضرر منها ما لا يقل عن 2022 طفلاً في عام 2021، لافتاً إلى أن عمليات الرصد بشكل عام واجهت عقبات، من خلال الاعتداء أو التهديد بالاعتداء، من قبل الأطراف المنتهكة ضد مراقبي الانتهاكات ونشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان. واستوقف «الشبكة الحقوقية» من خلال تحليلها التقرير أنه استخدم تعبير «القوات الجوية الموالية للحكومة»، وعدّت أنه كان من الأفضل تحديد «القوات الروسية» في هذا الانتهاك، لأنها الحليف الوحيد للنظام السوري الذي يملك سلاح طيران مستخدماً في سوريا. يذكر أن التقرير الأممي أشار إلى أن سوريا هي أسوأ بلد في العالم من حيث تجنيد واستخدام الأطفال في النزاعات، فقد تم تجنيد واستخدام 1296 طفلاً في سوريا في عام 2021، قام 1285 طفلاً منهم بدور قتالي. ولفتت الشبكة، في بيانها الاثنين، إلى ارتفاع هذه الحصيلة عما سجله تقرير الأمين العام عام 2020 وذكر فيه أنه تم تجنيد واستخدام 837 طفلاً. ووفقاً للتقرير، فقد تصدرت فصائل في المعارضة المسلحة (الجيش الوطني)، بقية أطراف النزاع من حيث تجنيد الأطفال بـ596 حالة، تلتها «هيئة تحرير الشام» بـ380. فيما حلت ثالثاً «قوات سوريا الديمقراطية» (وحدات حماية الشعب - وحدات الحماية النسوية - قوات الأمن الداخلي الخاضعة لسلطة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا) بـ245. يذكر أنه ومنذ عام 2014، قامت «آلية الرصد والإبلاغ في سوريا» بتوثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الطفل في سياق النزاع المسلح، والتحري عنها بشكل منهجي، والآلية مكلفة من قبل مجلس الأمن وفق القرار «1612» (2005) والقرارات اللاحقة. وتتعاون «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» مع آلية «الرصد» الأممية، عبر مشاركة شهرية مستمرة لبيانات «الشبكة» التي تمكن فريقها من توثيق أصناف متعددة من الانتهاكات بحق الأطفال، مثل قتل وتشويه الأطفال، والتجنيد، والخطف، والاعتقال - الاحتجاز، والاعتداء على المدارس والمشافي والكادر الصحي أو التعليمي، والعنف الجنسي، ومنع وصول المساعدة الإنسانية للأطفال.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.