اللافلسفة في زمن اللامبالاة!

التوترات الثقافية في الولايات المتحدة تجددت مطلع هذا العام (2022) حول قضايا الجنس والنوع والعرق (أ.ف.ب)
التوترات الثقافية في الولايات المتحدة تجددت مطلع هذا العام (2022) حول قضايا الجنس والنوع والعرق (أ.ف.ب)
TT

اللافلسفة في زمن اللامبالاة!

التوترات الثقافية في الولايات المتحدة تجددت مطلع هذا العام (2022) حول قضايا الجنس والنوع والعرق (أ.ف.ب)
التوترات الثقافية في الولايات المتحدة تجددت مطلع هذا العام (2022) حول قضايا الجنس والنوع والعرق (أ.ف.ب)

(1)
أعادت «اللا فلسفة» اليوم انتباه الفلسفة إلى الواقع، وعالم الحياة اليومية. وأصبحت تحمل على عاتقها مسؤولية خاصة تجاه عامة الناس، وهي تستفيد بالمثل (وتتغذى) من المشاركة العميقة للناس العاديين.
واللا فلسفة مستوحاة من أعمال فرنسوا لارويل الذي لفت الانتباه بقوة عندما وصف دولوز وغوتاري مشروعه اللا فلسفي في كتابهما «ما هي الفلسفة؟» بأنه «أحد أكثر مشاريع الفلسفة المعاصرة إثارة للاهتمام».
ولا تعني اللا فلسفة - في العمق - نفياً للفلسفة أو خروجاً عنها، وإنما هي محاولة للتفلسف دون التورط في الفلسفة - الميتافيزيقا بمعناها التقليدي.
لم تعد الفلسفة - من أكثر من ثلاثة عقود - هي الشكل المهيمن للمعرفة، بل صارت اللا فلسفة جسراً عابراً للحدود بين الفلسفة والأداء.
وبهذا المعني يمكن اعتبار كتاب راسل جاكوبي «نهاية اليوتوبيا: السياسة والثقافة في زمن اللا مبالاة» الصادر في مايو (أيار) عام 1999، من الأعمال المهمة في مجال اللا فلسفة. وبالمثل يمكن أن نعد أحدث أعمال تود روز «الأوهام جماعية: التوافق والتواطؤ وعلم لماذا نتخذ قرارات سيئة؟»** منتمياً إلى اللا فلسفة أيضاً.
الخيط اللاضم لحبات العقد الثلاث، جاكوبي ولارويل وروز، أن أعمالهم «داست في أوجاع الناس الفكرية - العقلية»، التي لا يُعرف سبب واضح لها، رغم أنهم يعيشون في مجتمع ديمقراطي تعددي يؤمن بالحريات والحقوق الفردية.

(2)
في أوج ازدهار أطروحات صمويل هنتنغتون عن «صدام الحضارات»، في عقد التسعينات من القرن الماضي، وهي النبوءة التي حققت نفسها بنفسها، ربما لأن الجميع كان راغباً في تصديقها! أراد راسل جاكوبي أن ينبه الأذهان إلى أن الصدام ليس بين الحضارات (في الخارج)، وإنما - وبالأولى - هو بين الثقافات (داخل الحضارات)، بل وفي قلب الحضارة الواحدة.
حذر جاكوبي من أمرين داخل الولايات المتحدة: الأول، أن مفاهيم مثل التعددية والاختلاف والتنوع في المجتمعات الديمقراطية (الليبرالية) لم تتأصل في أذهان الناس العاديين، فضلاً عن بعض النخب والقادة أيضاً.
الأمر الثاني، هو أن هذه المفاهيم الأثيرية، وعلى عكس ما هو شائع، تمضي من دون توقف في المجتمع الأميركي، نحو التماثل والتشابه، لا التعدد والاختلاف. وهنا مكمن المفارقة، وإن شئت المراوغة، في عصر العولمة وثورة الاتصالات والمعارف، فهي تقر وتعترف بالتعدد والاختلاف والتنوع (فقط) من أجل إلغائه ودمجه فى «وحدة»!
جاكوبي لم يرفض بالقطع مفاهيم التنوع والاختلاف أو التعددية، وإنما أطلق صفارة إنذار من إضفاء صفة القداسة على هذه الكلمات التي نطرب لسماعها ونفخر بترديدها ونتخذها معياراً للتحضر.
وهو يشدد على ضرورة اختبارها في الواقع والممارسة العملية، وأن نخضعها دوماً للنقد وربما المراقبة، وأن يتمحور سؤالنا حول: ما قدر التعدد داخل هذه التعددية؟ وما قدر الاختلاف في هذا التنوع؟
(3)
تجدد التوترات الثقافية في الولايات المتحدة مطلع هذا العام (2022) حول قضايا الجنس والنوع والعرق، سلط الأضواء مجدداً على أسئلة جاكوبي، بعدما ثارت المخاوف عند بعض النخب في مراكز الأبحاث وخلايا التفكير، من أن تصبح هـذه القضايا الثقافية المطروحة للنقاش والحوار والجدل، غير قابلة للتفاوض - في وقت ما - أو بالأحري قبل أن تتحول إلى «قضايا مقدسة»، يصعب التوافق حولها والتوصل إلى كلمة سواء بشأنها، ما قد يهدد في النهاية المؤسسات الديمقراطية ويشجع على استخدام «العنف الاجتماعي» وفرض الرأي بالقوة.
صحيح أن تصاعد وتيرة هذه التوترات الثقافية على المستوى الشعبي والحزبي والقانوني والديني، في شبكات التواصل الاجتماعي والميديا، يطفو على السطح غالباً في مواسم الانتخابات النيابية والرئاسية، لكن تكرار تلك الحوادث المرتبطة بالجنس والعرق والنوع داخل المجتمع الأميركي، بات يشكل معضلة أعمق من أن نلصقها - وينتهي الأمر - بحالة الاستقطاب السياسي المتزايد بين اليسار العلماني واليمين الديني، والمستقلين أيضاً.

(4)
يتقابل فرنسوا لارويل مع راسل جاكوبي في نقطة مفصلية؛ وهي أن الديمقراطية أولاً وقبل كل شيء هي «ديمقراطية الفكر»، بمعنى يجب إدراج الديمقراطية في التفكير، قبل الحديث عن الديمقراطية في السياسة أو الممارسة الاجتماعية، وحتى نصل إلى هذا الغرض لا بد من أن تمارس الفلسفة نفسها النقد الذاتي.
أولى خطوات هذا النقد: ألا تحتكر الفلسفة التفكير الفلسفي وحدها، بل تفسح المجال لمختلف التخصصات الأخرى، بحيث تتساوى جميع الأفكار في القيمة، ولا يهيمن فكر على باقي الأفكار أو يتجاوزها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يشير لارويل إلى أن اللا فلسفة هي عبور الحدود بين الفلسفة والأداء: بمعنى أن أنظر إلى «ما أفعله في القول وليس فقط ما أقوله».
وهذا تغيير جذري (أو قل طفرة) في ممارسة التفلسف والفلسفة نفسها.
وإذا كان سؤال الفلسفة (كانط): ما الذي يجب التفكير فيه؟ فإن لارويل يجيب من خلال اللا فلسفة: التفكير ليس فكراً، ولكنه أداء، والأداء هو استنساخ للعالم في الواقع. لأن اللا فلسفة ليست نفياً للفلسفة بقدر ما هي توسيع لمجالها بانفتاحها على الواقعية.

(5)
عالم الاجتماع تود روز يخطو بنا إلى ما هو أبعد من لارويل وجاكوبي، في كتابه الجديد الواسع الانتشار «الأوهام جماعية: التوافق والتواطؤ وعلم لماذا نتخذ قرارات سيئة؟».
فقد اعتبره البعض «الكتاب الذي جاء في وقته تماماً»، ربما لأنه طرح حلولاً عملية قد تساعد الناس العاديين والمسؤولين في الخروج من حالة الاستقطاب والانقسام الثقافي - السياسي الذي ابتليت أميركا به في العقود الأخيرة، بالإضافة إلى كونه يمكن أن يساعد المجتمعات الأخرى التي قد تواجه المشكلة نفسها في مجالات أخرى.
الكتاب إذن يحمل نظرة إيجابية للمستقبل، ويطرح روشتة بسيطة للعلاج، سهلة القراءة والتطبيق عند الجمهور العام والمتخصصين، والمؤسسات المختلفة.
وهو يبدأ يطرح سؤلاً لافتاً: كيف يؤثر التفكير الجماعي العام، والأشخاص الآخرون، واستطلاعات الرأي على أفكارنا الخارجية، رغم أن هذه الأفكار الجماعية قد لا تعكس في الواقع ما نفكر فيه حقاً؟
إن البعض منا أصبح يضحي بآرائه وأفكاره الخاصة بل واستقلاله الذاتي، لصالح التفكير الجماعي خشية النبذ والتهميش وحتى نتجنب الإقصاء والإحراج، أو قل طغيان الجماعة.
هل «جيناتنا» البيولوجية وحاجتنا الاجتماعية إلى التوافق، هي التي تقودنا للقيام بأشياء «لصالح الجماعة»، لا نريدها كأفراد بالضرورة...؟
تود روز يستخدم مصطلحات متعددة لوصف «التحيز» و«عدم الحياد» الذي نقع فيه غالباً، ويقودنا - رغماً عن إرادتنا - إلى اتخاذ قرارات سيئة مثل «تحيز التوافق» و«مصيدة المحاكاة».
إننا كثيراً ما نتجاهل مشاعرنا الشخصية حول موضوع ما لصالح ما نعتقده حول مشاعر الآخرين... وقد نخطئ أنفسنا ومشاعرنا الصادقة أو نشكك فيها، إرضاء للإجماع العام!
روز لا ينكر أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، لكنه ينبه إلى خطورة «الخضوع لفكر القطيع» على حساب استقلالنا الفكري الذاتي.
صحيح أن معظمنا يتعلم - منذ الصغر - في المجتمع ألا نكون استثناء، لكن «الثقة» في أن كل ما يفعله الآخرون (أو الجماعة) يجب أن يكون صحيحاً بالضرورة وعلى ما يرام دائماً، هو مكمن الخطأ اليوم.
ويصبح السؤال: كيف نتجنب مخاطر التفكير الجماعي؟ يجيب روز: تطوير الوعي الذاتي، وهو قرار لم يعد ضرورياً فقط، بل يعد حتمياً في عالم اليوم، بحيث يمكن توسيعه وتمديده ليشمل الوعي الجماعي، أو الجماعة التي ينتمي الفرد إليها باعتباره جزءاً منها.
إن هدف المؤلف النهائي: تشجيع الوعي الذاتي أمام هيمنة القوي الاجتماعية التي تحد من تفكيرنا وقدراتنا العقلية الذاتية.
* باحث وكاتب مصري
** صدر في فبراير (شباط) 2022،
والأكثر مبيعاً، حسب «وول ستريت جورنال».



البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
TT

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)

على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.

اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.

قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.

تحوّل «نتفليكس»

في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.

ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.

في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.

ثورة تجارة التجزئة

مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.

في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».

كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.

في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.

سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.

في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.

في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

نص بشري يكتبه روبوت

بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.

الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.

بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟