أدلة جديدة بشأن «سرقة» كارتر بعض مقتنيات توت عنخ آمون

مصر استردت 19 قطعة من «المتروبوليتان» عام 2010

قناع توت عنخ آمون الذهبي (موقع قاعة غراند هال لاڤيليت في باريس)
قناع توت عنخ آمون الذهبي (موقع قاعة غراند هال لاڤيليت في باريس)
TT

أدلة جديدة بشأن «سرقة» كارتر بعض مقتنيات توت عنخ آمون

قناع توت عنخ آمون الذهبي (موقع قاعة غراند هال لاڤيليت في باريس)
قناع توت عنخ آمون الذهبي (موقع قاعة غراند هال لاڤيليت في باريس)

بالتزامن مع الاحتفال بذكرى مرور 100 عام على اكتشاف مقبرة «الفرعون الذهبي» توت عنخ آمون، ظهرت أدلة جديدة تتحدث عن «سرقة» عالم الآثار البريطاني هيوارد كارتر، بعض مقتنيات المقبرة، عند اكتشافه لها، وهو الأمر الذي أكده خبراء آثار مصريون، مشيرين إلى أن «القطع التي سرقها كارتر تظهر بين الحين والآخر في متاحف وصالات المزادات العالمية».
وكشفت صحيفة «الغارديان» البريطانية، في تقرير نشرته مساء السبت، عن فحوى رسالة كتبها عالم الآثار البريطاني آلان غاردينر الذي كان يعمل ضمن فريق تنقيب كارتر، تتحدث عن سرقة بعض مقتنيات مقبرة توت عنخ آمون.
ويعود تاريخ الرسالة إلى عام 1934 حيث استعان مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، بزميله غاردينر، لترجمة النصوص الهيروغليفية التي اكتشفها، وأرسل له «تميمة»، قال وقتها إنها ليست من مقتنيات الفرعون الذهبي، لكن المدير البريطاني للمتحف المصري بالقاهرة، في ذلك الوقت، ريكس إنغلبانخ الذي عرض عليه غاردينر «التميمة» شعر بـ«الفزع» عند رؤيتها لأنها «تتطابق والنماذج التي عثر عليها بمقبرة توت عنخ آمون»، وفي رسالته يقول غاردينر مخاطباً كارتر: «التميمة التي عرضتها عليَّ مسروقة بلا شك من مقبرة توت»، حسبما نشرت «الغارديان».
ومن المقرر أن تُنشر هذه الرسالة، ضمن كتاب سيصدر قريباً من جامعة «أوكسفورد» تحت عنوان «توت عنخ آمون والقبر الذي غيَّر العالم»، ونقلت «الغارديان»، عن مؤلف الكتاب بوب برير، عالم المصريات في جامعة «لونغ آيلاند»، قوله إنه «كان هناك شك على مدار السنوات الماضية بشأن حصول كارتر على بعض كنوز توت عنخ آمون، لكن الأمر تأكد الآن».

الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، يؤكد أن «كارتر بالفعل سرق بعض مقتنيات توت عنخ آمون»، ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «بين الحين والآخر يتم اكتشاف بعض هذه القطع خلال عرضها للبيع في صالات المزادات العالمية»، مشيراً إلى أن «متحف المتروبوليتان أعاد لمصر قطعاً لمصر من مقبرة توت».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010 أعلنت وزارة الآثار المصرية، في بيان صحافي، «استعادة 19 قطعة أثرية من متحف المتروبوليتان، كانت ضمن مجموعاته منذ أوائل القرن العشرين، ويتراوح ارتفاعها بين سنتيمتر واحد و1.9 سنتيمتر‎»، وقال الدكتور زاهي حواس الذي كان يشغل منصب أمين عام المجلس الأعلى للآثار وقتها إن «هذه القطع الصغيرة تشمل نموذجاً للنحت وكلباً من البرونز، وجزءاً من إسورة على شكل أبو الهول، وكانت ضمن القطع الأثرية الموجودة داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون».
بدوره أكد شعبان عبد الجواد، رئيس إدارة الآثار المستردّة بالمجلس الأعلى للآثار في مصر، أن «الوزارة تدرس ما جاء في تقرير (الغارديان)»، موضحاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر استعادت قطعاً أثرية تعود لتوت عنخ آمون عام 2010 وفي حال الشك في وجود أي آثار أخرى في الخارج سيتم بحث المسألة والعمل على استرداد أي قطعة أثرية تخرج بصورة غير شرعية».
ويؤكد عبد البصير أن «مصر لا تعرف حتى الآن مكان أو عدد القطع التي أخذها كارتر، لكنها بالتأكيد قطع أثرية ثمينة لأنها تعود لتوت عنخ آمون، فرعون المجد والخلود»، لافتاً إلى أنه «من حق مصر المطالبة بعودة أي آثار من مقبرة توت، بموجب العقد الذي وقّعه صاحب امتياز الحفائر اللورد كارنارفون مع الحكومة المصرية في ذلك الوقت».
وتستعد مصر للاحتفال بذكرى مرور مائة عام على اكتشاف المقبرة، في الرابع من نوفمبر عام 1922، خلال الحفائر التي نفّذها كارتر بدعم مالي من اللورد كارنارفون، الذي حصل على حق تنفيذ الحفائر في تلك المنطقة.
الحديث عن «سرقة» كارتر بعض مقتنيات المقبرة يرجع إلى عام 1947، عندما قال ألفريد لوكاس، أحد الموظفين لدى كارتر، لمجلة علمية تصدر بالقاهرة، إن «كارتر فتح وحده حجرة الدفن سراً، ثم أعاد إغلاقها»، ويشير برير إلى أنه «كانت هناك شكوك تتحدث عن اقتحام المقبرة قبل افتتاحها الرسمي، وأخذ بعض المقتنيات، وبيعها في الخارج، لكن كارتر لم يعترف بذلك قط، كما لم يصدر منه نفي رسمي، لكن الحكومة المصرية أبعدته عن المقبرة بعض الوقت، وكانت هناك مشاعر سيئة، واتهامات بالسرقة».
في كتابه يلفت برير إلى أن «المصريين لم يتمكنوا من إثبات شكوكهم، رغم قناعتهم بأن كارتر كان يخطط لسرقة رأس خشبي لتوت، وُجد بحوزته في ذلك الوقت، دون أن يُذكر في السجلات، ودافع كارتر عن نفسه وقتها بقوله إنه عثر عليه بين الأنقاض في الممر».



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».